الدهاء يجابه القوة و الجبروت في مسلسل «بابا علي» وأبطاله يواصلون الإبهار

 

في موسمه الرابع ، بمائة و عشرين حلقة يواصل مسلسل ” بابا علي ” سطوته الفنية على ” التوندونس” الفني بمزاحمته القوية لأكبر الإنتاجات الفنية ببلادنا ، إذ نجح في شد انتباه قاعدة عريضة من المتابعين و المشاهدين من بوابة القناة الثامنة الأمازيغية التي تبثه يوميا خلال شهر رمضان وفي وقت الذروة أي مباشرة بعد الإفطار.
” بابا علي ” مسلسل تراثي تاريخي تمتزج فيه الأحداث الواقعية التاريخية بالخيال الفني ، نجح السيناريست أحمد نتاما في حبكه بكثير من الذكاء و الكفاءة الفنية . وتدور أحداث حلقات المسلسل في فضاءات طبيعية مفتوحة و جميلة ، منازل و رياضات و قصور تجسد عبقرية الإنسان الأمازيغي في بناء مساكنه وفق نمط معماري متميز و بخلفية ثقافية و حضارة عظيمة مع مراعاة وظائفها الايكولوجية بما يلائم و يتناسب مع طبيعة المنطقة المقاومة للبرد شتاء و الحرارة صيفا فضلا عن كونها تتمركز فوق الهضاب و الجبال استحضارا لمبدأ الأمن و القدرة على رصد و صد أي عدوان محتمل أو على ضفاف الأنهار و المنابع المائية تجسيدا لمبدأ الخصوبة و ضمان الأمن الغذائي .
مبدئيا تدور أحداثه التي تتنوع بشكل مثير ، ما بين الفكاهة و الدراما ، حول ثنائية الخير و الشر أو بتعبير آخر بين الذكاء و الدهاء و بين القوة و الجبروت .
الحكيم ” بابا علي” بذكائه الحاد و تواضعه و زهده القريب من المجدوب يواجه مكر و خداع موشي ، ذلك اليهودي الذي اندمج بشكل كلي داخل المجتمع الأمازيغي مجسدا مبدأ التعايش السلمي بين الأمازيغ و اليهود عبر التاريخ ببلاد المغرب، هذا من جهة و في نفس الوقت يجابه ” بابا علي ” الطاغية أضاشي و حليفه الخادم ” الداغور ” و الصراع كان حول السلطة و الثروة ، و في المقابل يبقى الصراع على الأرض ثانويا بنفس درجة حضور مؤسسة الفقيه و أمغار بسبب نجاح بابا علي في إضعافها و تجاوزها ليبقى رأسا مع مؤسسات القاضي و الحاكم.
أضاشي و الداغور يجسدان الشر و يعتماون على القوة و الجبروت محاطين بجيش من المحاربين و قطاع الطرق، فيما بابا علي يجسد الخير و يقود القبيلة بكثير من الذكاء و الدهاء لمقاومة رموز الشر بعد أن ينجح في تحييد كل القلاقل الداخلية و بتنسيق مع مؤسسات الحاكم(ة) (فاطمة باوجي) والقاضي(ة) خديجة أمزيان قبل أن يعوضها القاضي المزور (عبو) وبين هذه الثنائيات تستمر الحياة اليومية لسكان القبيلة كمجال للتنفيس عن المتلقي بكثير من المواقف الكوميدية والمقالب المضحكة أبطالها موشي وبابا علي وعابد وحمو ومسعود و آخرين .
بابا علي يشكل مجتمعا تتشابك فيه العلاقات الاجتماعية بشكل إلي وفق منظور دوركايم مع حضور نمط التدين الشعبي مع حضور مؤسسات الصلحاء والأولياء والسحر وفق ثنائية المقدس والمدنس أي الأخروي والدنيوي ،مما أضفى على المسلسل طابع الغنى والثراء الثقافي والتراثي والفني.
ومما يمكن إجداؤه كملاحظات نقدية كون الصراع على الأرض يأتي في المرتبة الثانية بعد السلطة رغم أهمية الأرض والماء عند الأمازيغ.
كما يمكن تسجيل غياب الأطفال والموالد ماعادا ظهور مجموعة من الأطفال المتمدرسين في الكتاب، خلال الجزء الرابع من المسلسل، أما في الفضاء العام فتكاد لانرى الأطفال خاصة في ساحة اللعب كمدرسة للتنشئة الاجتماعية ، و في المقابل يحضر طقس الزواج بدافع المصلحة أمغار”هروب من السجن ” والتاجر بلقاس ” الثروة ” وحمو ” الأخبار ” نماذج فضلا عن غياب طقوس الإحتفال وخاصة أحواش المعروف عن الأمازيغ درجة ولعهم به واستحضاره في كل مناسباتهم الدينية والدنيوية .
ليبقى مسلسل بابا علي علامة فارقة في تاريخ الإنتاجات الفنية ببلادنا و الذي انطلق بداية التسعينيات من القرن الماضي بمبادرات شخصية وبإمكانيات محدودة من مناضلي الحركة الأمازيغية بصمها بكل اقتدار السيناريست والمخرج الحسين بويزكارن بفيلمه الشهير ” تامغارت وورغ ” بشكل يزكي ويرسخ مكانة المرأة في الثقافة والحضارة الأمازيغية.


الكاتب : محمد بلهي

  

بتاريخ : 02/04/2024