الدور الأساسي للنساء المغربيات في استمرار ونجاح الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس «كوفيد19»

منذ شهر يناير المنصرم، والمغرب يضع كل مجهوداته بغية تعميم التلقيح ضد الفيروس التاجي، على كل الشعب المغربي والقاطنين من الأجانب به، غير أن عضوا أساسيا من هذه الحملة الوطنية، لم يسلط عليه ولا على مجهوداته القدر الكافي من الضوء، حيث نتحدث هنا عن الدور المهم للمرأة المغربية في هذا الورش العلاجي، كيف لا وهن، ونقصد جل النساء سواء المغربيات أو غيرهن من المقيمات ببلادنا، من يترأسن حملة قوية ومتواصلة من أجل التلقيح ضد فيروس كورونا، ومساهمات بدورهن في نجاح الحملة الوطنية للتلقيح، وهذا ما سنتحدث عنه في هذا التقرير من إعداد الصحفية آيا جامشيدي.
تتشابه يوميات الأطر الطبية، مع تداعيات التلقيح وأزمة فيروس كورونا، في ما بينها عبر التراب الوطني، بيد أنك تراهم ينتقلون في سيارات الإسعاف أو على متن شاحنات صغيرة، بغية الوصول إلى أكبر عدد من الساكنة. نفس الأمر بالنسبة لمن تتبعتهم الصحافية آيا جامشيدي أثناء إعدادها لهذا التحقيق، أطر منطلقة من المركز الصحي بإقليم “صخور الرحامنة”، من بينهم أطر مختصة في المستعجلات وممرضة ورئيس الفريق ومختصة في التلقيح، متجهين إلى ساكنة دوار “لخلالطة” التي تعرفهم جيدا، كيف لا والفريق جله من النساء، اللواتي اختلطن بساكنة الدوار واحتكوا بهم سواء في ما قبل الجائحة أو بعدها. يمتاز الدوار الصغير، بمنازله القليلة والمتشابهة، وبحقوله الخضراء التي يقتات منها مئات من ساكنته، لتتوقف القافلة عند مدخل القرية.
تخرج نجاة نظيفي مبردا أحمر صغيرا من سيارتها، ذلك المبرد الصغير هو كنز مهم بالنسبة لساكنة الدوار والأطر الطبية. بالقرب من قارورات جرعات اللقاح الثمينة، يلاحظ وجود ميزان للحرارة، ميزان مسؤول عن ضمان درجة حرارة ثابتة لجرعات اللقاح )لا تتجاوز 8 درجات مئوية ولا تقل عن 2 مئوية(، حيث تتجه الممرضة الرئيسية إلى إحدى تلك المنازل البسيطة، تاركة حذاءها الرياضي خارج غرفة المعيشة ذات السجادة الحمراء، لتتلقاها كلمات الترحيب اللطيفة بصوت هادئ من السيدة “رقية لعميرات” ذات 86 سنة، بعد أن نظمت السلطات المحلية لقاءها مع الممرضة للتلقيح ضد الفيروس التاجي، غير آبهة كثيرا بما تحتوي عليه القارورة الصغيرة التي تحملها “سكينة شبوبة” فمطلبها الوحيد كما قالت “أرغب في أن أحمي نفسي من الفيروس”، مبتسمة أثناء غرس الممرضة للإبرة في ذراعها بلطف، معقبة والابتسامة تملأ محياها “فليبارك الله! يدك لطيفة ولم أحس بأي ألم”.
من جهته، التحق شيخ القرية، والذي يمكن أن نصفه بممثل للسلطات المحلية في القرية، بغرفة المعيشة بمنزل السيدة رقية حيث أدت واجبها العلاجي، وخلال 15 دقيقة من الانتظار للتأكد من صحتها، سيمارس شيخ القرية هوايته في التقصي وجمع المعلومات، منها ما يصلح لتقييم الحالة الصحية لساكنة هذه المنازل الجبلية، وفي خضم العجلة اعتادت نجاة ناظيفي أن تصرخ قائلة “احملوا وعاملوا المبرد الأحمر بحذر شديد”، علاوة على اعتيادها على تعقيم يديها قبل احتساء الشاي كما البقية، متبادلة أطراف الحديث مع الشيخ نور الدين رشيد، والذي يحمد الله على هطول الأمطار المهمة لساكنة الدوار بقدر حمده إياه على وصول التلقيح، مياه ستسقي الحرث وتشبع المواشي، وتلقيح سيقي 40 من ساكنة الدوار )أعمارهم فوق 60 سنة( من ويلات الفيروس، وملتهين في الحديث لربع ساعة من الزمن، وبعدها متأكدين من أن حالة السيدة رقية لا تشوبها شائبة، لتنطلق القافلة الطبية من جديد، متوجهة عبر الحقول إلى وجهة جديدة.
ما يميز الحملة المغربية للتلقيح عن غيرها، هو شموليتها وطموحها لإيصال اللقاح إلى كل منطقة في البلاد، حيث يتبنى المغرب هذه المنهجية المستندة إلى سياسة الجهوية الموسعة حتى في التلقيح، من أجل الوصول إلى تلقيح قرابة 36 مليون نسمة، ومن خلال نمطين محددين لتطبيقها، يستند الأول إلى “محطات” للتلقيح متفرقة عبر التراب الوطني بعدد 3047 محطة، والثاني إلى “فرق متنقلة” أي ما يربو عن 10 آلاف، والمكلفة بتلقيح كل شخص غير قادر على مغادرة منزله أوالقاطنين في الدواوير البعيدة. هذه الاستراتيجية أبانت عن نجاعتها، وتحديدا في تاريخ 23 من أبريل الماضي، حيث بلغ عدد من تلقوا كلتا الجرعتين عتبة 4.2 مليون شخص )11.5% من السكان(، مقارنة ب4.8 مليون شخص في فرنسا )7.2% من السكان( بالرغم من أنها سبقت المغرب في التلقيح، عبر حملة استباقية تضع المملكة في المرتبة الأولى للبلدان الإفريقية من حيث التلقيح، وفي المراكز 10 الأولى في العالم في هذا المجال، لدرجة تلقيها للإشادة من لدن منظمة الصحة العالمية.
ومع ذلك، فلم يبدأ العمل بالحقن إلا بعد وقت طويل من عمل البلدان الأوروبية بها، وكان الملك محمد السادس أول من تلقى جرعة اللقاح المضاد للفيروس التاجي في المغرب، وذلك في 28 من يناير من السنة الحالية، تلك الصورة للملك بقميصه الصيفي الأسود وهو يتلقى جرعته الأولى، كانت بمثابة التصريح الرسمي بإطلاق الحملة الوطنية للتلقيح، تحت شعار “نحمي راسي نحمي بلادي”، غير أن القصر الملكي لم يصدر تصريحا رسميا حول الشركة المسؤولة عن لقاح الملك. توجهت الحملة في المقام الأول إلى الجبهة الأولى أي العاملين في قطاعات الصحة والأمن والتعليم، علاوة على من هم فوق 40 سنة ومن هم فوق 75 سنة، وستنتقل إلى من هم ما بين 65 إلى 74 سنة في المقام الثاني، ثم الآن إلى من هم فوق 60 وكل من يعانون من أمراض مزمنة.
تقول لمياء شاكيري، المديرة الجهوية للصحة بجهة مراكش، بأن الإجراءات المعتمدة في حملة التلقيح الوطنية بسيطة للغاية، إذ يكفي أن يرسل الراغب في التلقيح برقم بطاقته الوطنية إلى الرقم “1717”، ليتمكن من الحصول على موعد بإحدى محطات التلقيح الوطنية، ومن المعلوم أن عملية التلقيح ليست إجبارية، وأن اللقاح مجاني للجميع، كما أن تنظيم عمل هذه المحطات يعود إلى ممثلي وزارتي الصحة والداخلية، بيد أن لكل منطقة وعمالة أو إقليم بالمغرب، طريقته في تنظيم الأمور بحسب الوضع الصحي به، وهذه وسيلة فعالة لتسيير الأمور، تردف شاكيري بفخر: “على أرض الواقع، فإن النساء المغربيات يشاركن بقوة في حملة التلقيح، ف70% من العاملين في القطاع الصحي هن نساء”، وهن يقمن بواجبهم في أروقة المستشفيات حيث يقيم المصابون بالفيروس خلال فترة علاجهم.
ومن الأولوية بالنسبة للمملكة المغربية أن لا تزيد وتيرة المصابين بالعدوى الفيروسية، في بلد لا يزال يتعايش مع حالة الطوارئ الصحية المفروضة منذ أكثر من سنة، والتي ألقت بظلالها على الوضعية الاقتصادية المتأزمة للبلاد، فما بين سنتي 2019 اإى 2020 قفزت نسبة البطالة في المغرب إلى 29%. وفي محاولة من المغرب للتخفيف من تداعيات الجائحة، وضعت الوزارة المعنية فيروس كوفيد-19 في لائحة الأمراض المصرح بها، وهي وسيلة ستمكن من المراقبة الذكية والدقيقة للمرضى، الذين تأكدت إصابتهم بالعدوى، كما تم تكوين كل من السلطات المحلية والأطر التعليمية بخصوص الفيروس، وتم أيضا فرض حالة الحجر الصحي على المرضى، وكما قال الدكتور عز الدين بورقية “لا يمكن ممارسة الحرية من قبل الأفراد إن كانت ستسبب العدوى للآخرين”.
في مكتبها، تتابع لمياء شاكيري التلفاز وتحديدا قناة BFMTV الفرنسية الإخبارية، لكنها لا تبالي بها كثيرا ولما يتحدث عنه مجموعة من الصحفيين الفرنسيين الذين يمجدون الحملة التطعيمية للقوة الاستعمارية القديمة، قائلة ب”أن الأمر أشبه بمتابعة نشرة أحوال الطقس ليس إلا”، في حين أعقبت إحدى الأطر الطبية بالجهة على القنوات الإخبارية الفرنسية قائلة: “بكل صراحة، نعتبر القنوات الفرنسية الإخبارية مجرد فاصل كوميدي بالنسبة لنا، تحديدا مع الوضع الصحي المعقد في بلدكم… ونتساءل دائما أين كلمة مؤسسة باستور في كل هاته الجلبة”، ومعها حق، فالحق يقال في ما يخص تدبير فرنسا لأزمتها الوبائية، وهي التي تعاني من نسبة إماتة تبلغ 11 مرة أكثر من المغرب، لتضطر فرنسا إلى تعليق الرحلات الجوية إليها إلى غاية 21 من ماي. تشير التقارير إلى أن بلدان الاتحاد الأوروبي تعاني مع أمصال لقاحات الفيروس، وعدم ثقتها في ما يتعلق بشأن منتج معين، وهنا يطرح السؤال هل ستتبنى هذه الدول عدم الانحياز حول أحقية الأشخاص في اللقاح؟
تقول لمياء شاكيري، معقبة حول الموضوع، بأن بعض الأشخاص يرغبون في تلقي جرعتهم من لدن شركة دون الأخرى، لكن الأمر لا يسير على هذا المنوال، كما لا يمكننا إقناع الجميع، غير أننا نؤكد بأن لقاح أسترازينيكا و إلى حدود اليوم، لم يتسبب في أية حالة شاذة بخصوصه.
بالعودة إلى المغرب، فمن المقرر أن يتوصل الأخير بما يقرب من 65 مليون جرعة من لقاحات أسترازينيكا وسينوفارم تم طلبها منذ شهر نونبر، غير أن التأخر في عمليات التسليم والنقص الشديد في الإمدادات فيها، قد أجبر السلطات الصحية المغربية على التوجه إلى موسكو ولقاح سبوتنيك 5، كما عملت الرباط على فتح مناقشات مع جونسون وجونسون من أجل التزود بلقاحها أيضا، ومن الإيجابي أن المغرب لا يعاني من أي نقص من حيث مخزونه من اللقاح.
وفي غضون ذلك، فإن عملية التلقيح لا تزال متواصلة في المغرب، ولا يزال السكان المحليون بحسب مناطق سكناهم يتوافدون لتلقي جرعاتهم من التلقيح، كما عبر عنه بفرح عبد اللطيف منفودي عند تلقيه لجرعته الثانية، والذي لا يبدي أي شك أو تخوف يخص اللقاح الذي تلقاه، حيث قال: “حتى أبي ذي 95 سنة قد تلقى جرعته الثانية من اللقاح، وهو الآن بصحة جيدة، وبالنسبة لي لم أشعر بأي مشكل حتى بعد الجرعة الأولى” وأيضا “ينتابني دائما شعور ممزوج بالفخر والعرفان بخصوص اللقاح المجاني”، كما قال عامل البناء ذي 60 سنة.
في مدينة الصويرة، استفاد عدد لابأس به من القاطنين الأجانب بالمغرب )حوالي 586 شخصا البالغين أكثر من 60 سنة(، من هذه الحملة ومن بينهم 438 تلقوا تلقيحهم بالفعل مثل حال الألماني “فرانز كرامر” ذي 69 سنة، الذي قال “ كل شيء يسير كعقارب الساعة! التنظيم في المغرب أفضل بكثير من التنظيم الألماني للأمور”، متحدثا عن أخيه ذي 75 سنة الذي لا يزال ينتظر دوره في ألمانيا، أو كحال الفرنسية “دومينيك” المقيمة بالمغرب منذ 20 سنة، والتي قالت: “إنني مندهشة بقدر إعجابي بالمغرب”.
تتساءل الصحافية آيا جامشيدي، في الأسطر الأخيرة من مقالها عن سر المغرب؟، لتجيب في نفس الأسطر بأن السر يكمن في “انخراط الشعب” كما يحب أن يسميه الدكتور جواد السماني، المختص في الصحة العامة وعضو اللجنة الوطنية لتسيير عملية التلقيح في مراكش، معقبا بالقول “بأن العلاقات الإنسانية أساسية لصناعة الانخراط، بالرغم من تقديم الأطر الطبية لخدمات التوعية على مدار السنة، على شكل فرق لها دراية تامة بالساكنة ومناطق سكناها، أطر تصاحب على مدار السنة النساء الحوامل وتقوم بتطعيم الأطفال والرضع… هذا هو السبب الحقيقي في بناء علاقات قوية من الثقة بيننا”، ويردف منبها إلى نقطة مهمة، وهي الدور المفتاحي للنساء في هذه الحملة، ويقول “في تقاليدنا وثقافتنا، فإن المرأة من تحمل على كتفيها مهمة التسيير الصحي لمنزلها، هذه المهمة تساهم في توطيد علاقة الثقة في ما بيننا”.
في الأخير، تحب المغربيات أن يخاطبن كل مشكك متخبط في أزمة عدم الثقة قائلات “كل داء له علاجه، إلا داء الحماقة فلا شفاء منه”. – آمين.


الكاتب : مجلة «L» ترجمة: المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 04/05/2021