كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.
المغرب لم يفلح في الاستفادة من الثغرة التي فتحها القانون الدولي وصادقت عليها محكمة العدل الدولية، التي رأت إمكانية ضم «هيكلة خاصة» إلى أنماط خاصة للحكم وللتعبير عن السيادة، كما كان حال المغرب بعد الاستعمار الكولونيالي الذي سجن البلاد في نظرية بلاد السيبة ـ بلاد المخزن، ومن أجل ذلك كان لزاما بناء نظرية للدولة خارج التصور المهيمن للدولة الوطنية. وهذا المشروع، الذي هو مشروع هذا الكتاب، يفترض علاقة ذات مصادر خاصة، تمنح الوزن نفسه للأرشيف الرسمي للمخزن كما للمراسلات والروايات والمتون السردية المحتفظ بها لدى العائلات والزوايا وللاختراقات الجديدة للهيستوغرافيا( العلوم التأْريخية) المغربية.
وعلى ضوء هذه القراءة الجديدة، يظهر موقف السلطات المغربية أكثر تعقدا وأكثر ازدواجية وتضاربا مما توحي بذلك الخطابات الرسمية. وهكذا نجد أن النظرة أوالرؤية الإمبراطورية للتراب لم تختف تماما من المخيال السياسي وتقنيات (تكنولوجيات) السلطة. وقد اتضح أن رد الفعل المغربي على الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية كان استعمالا سياسيا لتصور معين وخاص للسيادة التي تم إحياؤها بغايات القضية الوطنية أقل مما يعكس حضورا متزامنا لمقاربات مختلفة بل غير متلائمة للتراب والسيادة…
ونظرا لأنه لم تتم «مَفْهَمُتـ» ها أو التنظير لها، فإن هذا التعدد لم يمنع مع ذلك وجود لُعب سياسية ورهانات قوة. والازدواجية (أوالتضارب) التي تتيح إمكانية التعايش بين تصورات متباينة للتراب الوطني، تقرأ أولا في الحجج التي قدمها المغرب لمحكمة العدل الدولية، وعرضها على الساحة الدولية عموما دعما لمطالبه في الصحراء [انظر دفاتر الصحراء 2015] فالخطاب المغربي، وهو يضع في مقدمة حججه، استمرار ممارسات البيعة وتعيين القياد والقضاة من طرف المخزن، وتكرار الحَرْكات (الرحلات العسكرية) والمْحَلات (تنقلات السلطان وحاشيته) وانتظامية استخلاص الضرائب، وحجم واستمرارية المراسلات، التي كانت الغاية منها أساسا حماية التراب والتفاوض مع الأوروبيين من أجل احترام حدود الإمبراطورية الشريفة، (هذا الخطاب) يتخلله قاموس، بل تيماتٌ تنتمي لسجل الدولة الوطنية: الوحدة الترابية، الوحدة الوطنية، الاتفاقيات الدولية، التفاوض حول المسألة الحدودية مع الجزائر..
وكما يبين ذلك فصل محكمة العدل الدولية. فإن مَشْكلَةَ problématisation
مسار الدولة ضروري لفهم المغرب المعاصر.. والأفق النموذجمثالي يتيح إعادة بناء ممتدة في الزمن الطويل لمختلف أنواع منطق الحكم وتصور السلطة، كما يفتح السبيل أمام قراءة تنزاح وتتميز عن أطروحات الدولة العتيقة والمتهالكة، والتحرر من البراديغم الإصلاحي سواء كانت هذه الإصلاحات من فعل المخزن في نهاية القرن 19 أو من عمل القوة الاستعمارية أو من فعل نخبة وطنية عارضت الملكية بعد الاستقلال، كما أنها قراءة تدعونا، في تزامن مع ذلك، إلى اتخاذ مسافة مع موقف جاهز مسبق لنوع من الخَطِّية التي تضع الدولة الوطنية محل الإمبراطورية الشريفة، نافية بذلك هذا «الزمن المنسوج (المُحاك)» الذي يعمل على تداخلِ ديْموماتٍ مختلفة..