الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -14- دار إيليغ في سوس والمخزن: في الفرق بين الطاعة والولاء… والخضوع!

 

كتاب «حياكة (خياطة) الزمن السياسي في المغرب: خيال الدولة في العصر النيوليبرالي..» للباحث والجامعي محمد الطوزي كتاب رفيع وتوثيقي وجد جريء في تقديم أطروحته العميقة حول الدولة المغربية. وهو عمل طويل النفس تطلب من الباحث والمفكر محمد الطوزي ورفيقته في العلم والتنقيب التاريخي بياتريس هيبو، ثلاثين سنة من العمل تخلله البحث الميداني والحوارات والقراءات في الوثائق والاحداث إلخ… ونزعم أن في الكتاب أطروحة متكاملة وبنيوية لتاريخ الدولة فيها عناصر لم يسبقه إليها أحد، حسب ما اطلعنا عليه من مقاربات بشكل متواضع طبعا وطبعا.

من أجل إدراك جيد لنوع العلاقة التي كانت تربط في تلك الفترة السلطة المركزية بـ«سوس»، يمكن الوقوف، مع المختار السوسي، عند الزيارة التي قام بها الأمير مولاي عبد العزيز الذي سيصبح سلطانا من بعد، إلى ضريح سيدي احمد الموسى. وتندرج زيارة الضريح التي قام بها الابن المفضل للحسن الأول ضمن إرهاصات تلك العملية الكبيرة، التي ستدوم ثلاثين سنة، والتي عبأ فيها السلطان كل الوسائل الممكنة التي كانت لديه لمواجهة الضغوطات التي مارستها القوى الأوروبية..
وقد خصص المختار السوسي كتابا كاملا لـ«دار ايليغ» بدون أن ينعتها لا بالدولة ولا بالإمارة. وإذا كان قد وصف أُبَّهة هذه الحكومة القروية ووقف مطولا عند ثرائها بما في ذلك الثراء الثقافي، فهو مع ذلك لا يعتقد في وجود تناوب سلالي، أو نزاع حول الشرعية، وغياب المخزن في تلك الأماكن، وإجبارية التفاوض والحيلة وإظهار حسن النية، كما هو حال النزاعات التمردية المؤقتة للدور المحلية، لا ينظر إليها كمحاولة استقلال ذاتي، ويصر السوسي على لحظة تيه أوْ زَيَغان الحسين بن هاشم، والذي اعتقد بأنه أمام مخزن ضعيف فأمر كاتبه الخاص بتحرير رسالة ينقصها الاحترام والود ردا على ما اعتبره تنقيصا منه، ولكن الكاتب، بالرغم من بداوته، تصرف باعتباره متعلما رفض التجديف في المرسل إليه وتنفيذ أوامر سيده مخاطرا بحياته.
وكل المؤلفين الذين نستعمل متونهم يشعرون بنوع من انعدام الراحة في توصيف الدولة قبل الحماية، فهم يشعرون بإعجاب إزاء العمق التاريخي /أصالة نظام سياسي مثل دار إيليغ ولكنهم في نفس الوقت عاجزون عن تحديد طبيعته، نظرا لأنهم تحت تأثير كبير لنموذج الحكم المهيمن في الدولة الوطنية، والتي استبطنوا فعاليتها وشرعيتها.
السرديات الكثيرة حول علاقة الحسين بالسلطان ترسم خيالا تختلط فيه، في علاقة قوية ومفارقة، الحرية والاستقلالية والحكم الآتي من جهة والخضوع والتبعية من جهة ثانية. نجد الصداقة والحيطة، التعاون والمواجهة، مجمل هذه التناقضات تفضي إلى بنية سياسية متعددة الألوان تتيح الحكم. والصفحات التي ستلي تقدم هذه الأنماط الخاصة في الحكم التي تكشف عن تصورات خاصة للسيادة..
وما نقوم بتحليله كتعايش بين مختلف مستويات الحكم يدعو إلى التفكير في الفرق الموجود بين الخضوع، الطاعة والولاء..
فهذه السرديات والنصوص توحي بأنه يمكن أن يحل الخضوع بدون أن يعني ذلك الطاعة، والولاء بدون الطاعة أو الخضوع، أو أن يكون الفرد خاضعا وطائعا بدون ولاء..! وما يمكن اعتباره مظاهر عدم التلاؤم والانسجام في نظام الدولة الوطنية يحيل في النظام الإمبراطوري على شيفرات سلوك تحكمها مفاهيم من قبيل الشرف والكلمة والقاعدة …
ومن أجل إبراز هذا الواقع، اعتبرنا أن من الحصيف الابتعاد عن الأرشيف، الأرشيف الذي بحوزة الدول الكولونيالية كما الأرشيف المحتفظ به في المغرب والمتمركز حول الوجوه الكبيرة والتاريخية والبحث عن حقيقة الواقع هذه في المراسلات الغزيرة وغير المستغلة غالبا، والتي تعيد تركيب كل التنوع المرتبط بـ«بروفايلات »الوسطاء، ويمكن التأكد من ذلك في فهرس الأسماء الشخصية الذي نشرته جامعة ابن زهر انطلاقا من الكتاب الضخم « المعسول»، وهو موسوعة الإسناد لشخصيات سوس العميقة حررها المختار السوسي، وهذا الفهرس الخاص بالشخصيات البارزة يبين تنوع الوضع الاعتباري للنخبة المحلية.


الكاتب : عرض وترجمة عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 07/04/2023