الدولة الوطنية والبعد الامبراطوري في ملكية محمد السادس -14- استعمال‭ ‬العنف‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬بين‭ ‬القسوة‭ ‬واستراتيجية‭ ‬التفادي

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث المتخصص في الانتروبولوجيا السياسية والبحث في شوون الدولة والاسلام السياسي، محمد الطوزي، وسلخ فيه، رفقة الباحثة اليزابيت هيبو ثلاثين سنة من البحث والتنقيب والتراكم.
وهو كتاب كل فصل فيه يشكل بنيانا قائم الذات، يسعى الباحثان من خلاله الى الدفاع عن اطروحة لم تكن بدهية حول الدولة، والبرهنة على تعايش الدولة ـ الامبراطورية والدولة ـ الأمة، بسجلَّيْهما المادي التاريخي و الروحي الرمزي، في راهن المغرب.
وهي عودة إرادية، لما لمسنا فيه من قدرة على تسليط الأضواء على فهم المسار الفيبيري (نسبة الى السيكولوجي الأمريكي ماكس فيبر) للدولة، وفهم الكثير من تحولاتها الراهنة.
وهوكتاب يمنح قارئه كما قد يمنح رجال السياسية في مراكز القرار والمناضلين أدوات التحليل الضرورية لفهم تحولات المغرب الحديث، وفهم الكثير من موضوعات الراهن السياسي والإعلامي المغربي (كما هو الحال في دستور 2011 وقدرة النخب السياسية والحاملين لمشاريع الليبرالية الجدد وتعالق شرعية الانتخاب مع شرعية التعيين في دولة تجمع سجلين ، واحد امبراطوري والاخر ينتمي الى الدولة ـ الأمة الي غير ذلك من المواضيع الراهنة).

خلال‭ ‬العقود‭ ‬الأولى‭ ‬للاستقلال،‭ ‬لم‭ ‬يقف‭ ‬عنف‭ ‬الدولة‭ ‬عند‭ ‬عنف‭ ‬الدولة‭ ‬الأمة‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬أيضا‭ ‬ما‭ ‬نسميه‭ ‬نحن،‭ ‬في‭ ‬تصورنا‭ ‬للنموذج‭ ‬المثالي،‭ ‬بالعنف‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬‮.‬‭ ‬وقبل‭ ‬تحليل‭ ‬أية‭ ‬أشكال‭ ‬اتخذها‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬الحسن‭ ‬الثاني،‭ ‬يحسن‭ ‬بنا‭ ‬العودة‭ ‬بسرعة‭ ‬إلى‭ ‬مميزاته،‭ ‬والتي‭ ‬عرضنا‭ ‬لها‭ ‬عرضا‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬من‭ ‬تحليلاتنا‮…‬
‭ ‬كما‭ ‬ذكرتنا‭ ‬بذلك‭ ‬السرديات‭ ‬الواردة‭ ‬في‭ ‬المقدمة،‭ ‬يعد‭ ‬تعبير‭ ‬العنف‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬تعبيرا‭ ‬قاسيا‭ ‬في‭ ‬الأفعال‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الخطاب‮.‬‭ ‬وعلى‭ ‬عكس‭ ‬الدولة‭ ‬الأمة‭ ‬التي‭ ‬تلطف‭ ‬من‭ ‬عنفها‭ ‬باسم‭ ‬التحديث‭ ‬والتقدم‭ ‬أو‭ ‬الوحدة‭ ‬الوطنية،‭ ‬فإن‭ ‬العنف‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬يتبنى‭ ‬ويتحمل مسؤولية قسوته‮.‬‭ ‬مثلا‭ ‬بقطع‭ ‬الرؤوس‭ ‬وتمْليحها‭ ‬وتعليقها‭ ‬على‭ ‬أبواب‭ ‬المدن‭ ‬‮(‬‭ ‬انظر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الخصوص‭ ‬كتابات‭ ‬الناصري‭ ‬‮)..‬‭ ‬وكذا‭ ‬بعرض‭ ‬هاته الشخصية النبيلة أو‭ ‬هذا‭ ‬الطامع‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬في‭ ‬قفص‭ ‬أو باستعمال المنشار‭ ‬ـ‮«‬‭ ‬عقاب‭ ‬من‭ ‬يخون‭ ‬سيده»ـ‭ ‬في‮ ‬تقطيع أطراف‭ ‬قائد‭ ‬تحالف‭ ‬مع‭ ‬طامع‭ ‬في‭ ‬العرش‭ ‬‮(‬‭ ‬القائد‭ ‬مالك‭ ‬الذي‭ ‬اشتهرت قصته‭ ‬بخصوص‭ ‬ثورة‭ ‬امحمد‭ ‬بلعالم ابن‭ ‬السلطان‭ ‬مولاي‭ ‬إسماعيل‭ ‬في‭ ‬1706‭ ‬‮)‬‭ ‬أو‭ ‬بمعاقبة‭ ‬بإجبار شيخ‭ ‬متمرد‭ ‬على السكن‮ «‬في‭ ‬قبور‭ ‬الأحياء‮«‬‭ ‬بعد‭ ‬تدمير‭ ‬وهدم‭ ‬منزله‭ ‬‮«‬وتسويته‭ ‬بالأرض‮»‬‭ ‬‮..‬‭ ‬ولكن‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬العنف‭ ‬مثيرا‭ ‬للفرجة‭ ‬ومشهديا‭ ‬فهو‭ ‬محدود‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬ومؤقت‮(‬‭ ‬كان‭ ‬جرمان‭ ‬عياش أحد‭ ‬أول‭ ‬المؤرخين‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬منْ‭ ‬حلَّله‭ ‬بهذه‭ ‬المصطلحات‭ ‬في‭ ‬تعارض‭ ‬مباشر‭ ‬مع‭ ‬واتربوري‮).‬‭ ‬
هنا‭ ‬أيضا‭ ‬يبدو‭ ‬الخلاف‭ ‬واضحا‭ ‬مع‭ ‬عنف‭ ‬الدولة‭ ‬الأمة،‭ ‬والتي‭ ‬تسعى‭ ‬لأن‭ ‬تكون‭ ‬لا‭ ‬مرئية،‭ ‬والخلط‭ ‬بين‭ ‬المشروعية‭ ‬والشرعية‭ ‬مع‭ ‬الحرص على أن‭ ‬تكون‭ ‬شاملة‭ ‬ومتواصلة،‮ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬العنف،‭ ‬في‭ ‬الإمبراطورية،‭ ‬يكون‭ ‬له،‭ ‬أولا‭ ‬وقبل‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬قيمة‭ ‬العبرة‭ ‬والدرس‭ ‬النموذجي‮.‬‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬هاته‭ ‬الخاصية‭ ‬ليست حكرا‭ ‬على‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬‮-‬‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬استراتيجية خطوط‭ ‬التماس‭ ‬أو‭ ‬الحدود،‭ ‬كما‭ ‬حللها‭ ‬ميشيل‭ ‬فوكو،‭ ‬ويذكرنا‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬علاقة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬الأمة‭ ‬‮(‬‭ ‬وقد‭ ‬صاغ‭ ‬ميشل‭ ‬فوكو‭ ‬هذا‭ ‬التعبير‭ “‬‮«‬استراتيجية‭ ‬الحدود‭” ‬‮«‬‭ ‬بمناسبة‭ ‬أحداث‭ ‬لونغوي،‭ ‬حيث‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬العمال،‭ ‬تعرض‭ ‬الطلبة‭ ‬والتلاميذ‭ ‬والشباب‭ ‬العاطل‭ ‬الذين‭ ‬جاؤوا‭ ‬يساندونهم‭ ‬لعقاب‭ ‬قاس‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬القضاء،‭ ‬وذلك‭ ‬لإعطاء العبرة‮)‬‭ ‬‮ ‬وكما‭ ‬تبين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الأمثلة‭ ‬أعلاه،‭ ‬والتي‭ ‬أظهرت‭ ‬ذلك‭ ‬بوضوح،‭ ‬فإن‭ ‬الخاصية‭ ‬تلك‭ ‬مركزية‭ ‬في‭ ‬الإمبراطورية‮:‬‭ ‬فدورها لا‮ ‬يكمن في‭ ‬إعادة‭ ‬التربية‭ ‬وإعادة‭ ‬الإدماج‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يُجزَّأُ،‭ ‬بل‭ ‬للعفو‭ ‬وإعادة‭ ‬بناء‭ ‬الولاء‭ ‬بدون‭ ‬اشتراط‭ ‬الخضوع‭ ‬أو‭ ‬نفي‭ ‬الاختلافات،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬دوره‮ ‬يكمن‭ ‬كذلك‭ ‬في‭ ‬التفاوض من‭ ‬أجل‭ ‬إعادة‭ ‬فرض‭ ‬النظام‭.‬


الكاتب : n عرض وترجمة: عبد الحميد جماهري

  

بتاريخ : 17/03/2025