الذاتي والتشكيلي .. قراءة في لوحات يوسف الكهفعي و أحلام لمسفر

 

إن أي حفر رصين في مسار التجربة التشكيلية المغربية ، يتطلب بالضرورة، الإشارة إلى ما تميزت به هاته التجربة من غنى وتنوع في الاتجاهات التشكيلية ، وهو ما  منحها صيتها العربي والعالمي ، دون إغفال الحديث عن مدرستين مؤسستين ، تعتبران أرضية أساسية في التأريخ لهذا الاشتغال التشكيلي وهما : مدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء ومدرسة تطوان بالشمال واللتين كونتا أجيالا من الفنانين الذين تنوعت تقنياتهم بين الصباغي والغرافيكي ،إلى جانب النحت والصورة والتصميم الهندسي..
أحاول في هاته الورقة إضاءة بعض من جوانب هذا الاشتغال ،مازجا بين النقدي والتأريخي ، عبر قراءة في أعمال فنانين يمثلان حقبتين مهمتين في هذا المسار.
أ( احلام لمسفر : تشتغل في عملها الفني على تيمة الطبيعة ،عبر تقنية التبسيط محاولة الوصول إلى أقصى درجات العمق التشكيلي ، بكثير من الاختزال و التناسق. داخل فضاء لوحاتها اقتصاد مدروس في اللون والشكل وكأنها تغوص في أقاصي الروح أو كمتصوفة تشذب باستمرار عناصر عملها لتصل به الى الأساسي والضروري، المعبر عن رؤيتها للون والطبيعة. أحلام لمسفر من مواليد مدينة الجديدة، درست الفن التشكيلي بالعاصمة الفرنسية وشاركت في تنظيم ندوات دولية حول الفن والتربية، بكل من بيروت والقاهرة، باريس والدارالبيضاء، حصلت سنة 1995 على الميدالية الفضية في الصالون الدولي) ملوك الفن (إلى جانب وسام أكاديمية العلوم و الفنون و الآداب…تتميز أعمالها بالاشتغال على المنظر الطبيعي في تعبيرية هادئة تفكك عناصره وترسمه في تناسق تشكيلي تتداخل فيه المستويات و الأشكال ،بعيدا عن أي محاكاة مباشرة ، على اعتبار أن الفن وعي بالشكل الخالص ونقله من الخفاء الى التجلي ،ليندرج في اللوحة كحقيقة فنية. أما ألوانها فتتدرج من الأسود الى الأزرق، إلى أن تصل للأبيض وكل ذلك في إطار تجريبي، يهدم ويبني، يمزق ويلصق، داخل بنية تشكيلية هادئة أحيانا وهائجة في أحيان أخرى، تعكس آلام وآمال امرأة ملتصقة بقضايا اليومي وليصير الفن لديها أداة من أدوات التعبير والتنمية ،يساهم في تربية الذوق ورقي المجتمعات، جماليا وفكريا، وهو ما دفعها للاشتغال بنشاط داخل جمعيتها ،(ملتقى الفنون)  بمدينة أصيلة، من أجل خلق فرص للحوار والتواصل بين الفنانين العرب والأجانب.
في لو حات أحلام لمسفر تتراص الضربات اللونية الكبيرة في ما يشبه ضمادات تغلف جروح الوقت باللون والجمال.
ب)يوسف الكهفعي : تنتمي أعمال الكهفعي للمدرسة التعبيرية الجديدة ، كاتجاه فني يركز على بساطة الشكل و التركيب، الى جانب توظيف الخط البارز في تأطير مكونات العمل التشكيلي، وهو أسلوب خرج عن التقنيات الكلاسيكية التي تقوم على صرامة الرسم الاكاديمي لمعالم الجسد و الطبيعة، وركز على المبالغة في انحرافات الخطوط و الحركة، وقد ظهر أوائل القرن العشرين خاصة في ألمانيا مع جماعة )داي بروك(التي كانت متأثرة بعلم النفس الحديث ،عبر تعريتها للإحباطات الداخلية و الآلام الانسانية .
يوسف الكهفعي من الاسماء الفنية الشابة التي أكدت تميزها وانغماسها في التجريب المستمر، حيث يشتغل بتعبيرية يتداخل فيها الانطباعي بالواقعي وبلمسة عفوية تكسر القواعد الكلاسيكية وتؤسس لرؤية اكثر تحررا في توظيف الشكل و اللون بتقنيات ومواد جديدة .هو فنان يصور بحدة عزلة الكائن و قلقه اليومي…أما المكان فله حضور قوي في لوحته، إنه مكان رمزي فقد هويته وتأصل في العمل الفني، صار مكانا روحيا.
يغيب المكان إذن ويحضر الأثر في الصيرورة التشكيلية لهذا الفنان الذي يحتفي بالناقص وغير المكتمل وكأنه يترك ثقوبا وبياضات يملأها المتلقي بما يشاء ، خيوطا وخطوطا تتدلى يمسك بها المشاهد وقد تسافر به لأي مكان،  وهنا تكمن لذة الابداع في انفتاحه على الطرق التي لا نعرف نهاياتها.

(*) فنان تشكيلي وكاتب المغرب


الكاتب : خليفة الدرعي (*)

  

بتاريخ : 12/08/2017