«.. بات الكثير من الناس حول العالم، مدركين للحضور الوازن للذكاء الاصطناعي وتطبيقاته في حياتهم، التي أضحت موجودة في كل مكان حولنا.. مع هذا الانتشار الواسع، يخطر على بال الأفراد أسئلة متعددة تخص هذه التقنية من قبيل: «كيف بدأ كل هذا؟»، «في أية مجالات يمكن أن يستخدم فيها الذكاء الاصطناعي؟»، «ماذا يعني ذلك حقا؟»، «ما أخلاقيات عمل وتطبيق الذكاء الاصطناعي؟» وغيرها من التساؤلات التي سنتطرق لها في هذه السلسلة من المقالات حول «الذكاء الإصطناعي»، منطلقين من كونه كان موضوعا للخيال العلمي إلى جزء لا يتجزء من حياتنا اليوم، مرورا بتطور هذا المجال على مر السنين و ما ساهم به في حياتنا، وصولا إلى ما قد يشكله من خطر علينا الآن أو مستقبلا..»..
و مع ذلك، فإن الذكاء الإصطناعي لا يعتبر «حلا سحريا» إلا أنه قد يساهم في الواقع في الإحتباس الحراري. نظرا للكميات الكبيرة من البيانات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي و يعمل على معالجتها، فإن تدريب ذكاء إصطناعي واحد يطلق 5 أضعاف الإنبعاثات التي تنبعث من سيارة عادية خلال عمرها الإفتراضي، مما يضيف إلى الأثر البيئي الكبير بالفعل لتقنية الحوسبة.
تعد مراكز تخزين و معالجة البيانات التي تقدم خدمات رقمية مثل «الترفيه الرقمي» و «الحوسبة السحابية» مسؤولة بالفعل عن 2٪ من إنبعاثات غازات الإحتباس الحراري العالمية، و هو رقم يمكن مقارنته مع النسبة المئوية الإجمالية للتلوث الذي تساهم به صناعة الطيران. تشير هذه الدراسة، إلى ضرورة خفض التكاليف البيئية للذكاء الاصطناعي قبل توسيع التكنولوجيا على نطاق عالمي. يعمل بعض الباحثين بالفعل على تطوير «مقياس قياسي» يمكن للباحثين من العالم إستخدامه لمقارنة مدى كفاءة أنظمة الذكاء الاصطناعي الخاصة بهم، مما يشجع في النهاية المبتكرين على إنشاء معالجة بيانات صديقة للبيئة.
علاوة على ذلك، قد يفرض تأمين الوصول إلى الذكاء الإصطناعي على نطاق عالمي بعض التحديات. سيحتاج كلا البلدين إلى خبراء في هذا المجال يمكنهم إستخدام التكنولوجيا و الإتصال بالإنترنت بنجاح، و لا يتوفر أي منهما بسهولة. لذلك، لكي تستفيد البلدان النامية من مزايا الذكاء الاصطناعي وتحسين أمنها الغذائي، ستحتاج إلى التركيز على تطوير البنية التحتية اللازمة للوصول إلى الإنترنت و تعليم المهنيين كيفية إستخدام التكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون الذكاء الإصطناعي مكلفا، حيث قد يقع المزارعون ضحية الديون، كما أن أولئك غير القادرين على تأمين الوصول إلى التكنولوجيا سيخسرون أمام المزارع الكبيرة التي يمكنها تبني تقنيات الذكاء الإصطناعي على نطاق واسع. لن يكون أصحاب المزارع أنفسهم، الوحيدين الذين يواجهون ضغوطا جديدة نتيجة للذكاء الإصطناعي. ستجعل التقنيات الجديدة العديد من الوظائف الزراعية «عتيقة» لقدرة الآلات على إنجاز مهام البشر. على سبيل المثال، أنشأت الصين برنامجا تجريبيا مدته 7 سنوات يستخدم الروبوتات بدلا من البشر لإدارة المزارع، مما لا يبشر بالخير لمستقبل الوظائف في المجال الزراعي: فقد يفقد العديد من المزارعين الصينيين البالغ عددهم 250 مليونا وظائفهم بسبب زيادة الأتمتة في الحقول.
بعجالة عن إستشراف المستقبل..
قد يجادل البعض، بأن صعود الوظائف المؤتمتة ليس بالخطر الذي قد يبدو عليه، لا سيما بالنظر إلى نقص العمالة الزراعية في الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الوضع الصيني و الامريكي لا يشابه بقية دول العالم، التي لا يزال العديد منها (في الجنوب) يعتمد على القطاع الزراعي بسبب قلة فرص العمل في المناطق الحضرية. في حالة ما تمكن المزارعون من إنتاج المزيد من الغذاء بمعدل أسرع بإستخدام الآلات، فسيكون لديهم حافز مهم للإبتعاد عن توظيف البشر و مما يعرض سبل عيش العديد من العائلات للخطر. حتى لو لم يفقد عمال المزارع وظائفهم، فقد تنخفض أجورهم لأنهم يبدون أقل كفاءة مقارنة بمنافسيهم من الروبوتات، و النتيجة هي الفقر المزمن و عدم المساواة.
بالنظر إلى هذه المخاوف، لا يمكن أن يكون الذكاء الإصطناعي هو «الإستجابة الوحيدة» لتغير المناخ. يمكن لهذه الأنواع من التقنيات التكيفية أن تخفف من عواقب تغير المناخ، و لكن من الضروري إتخاذ المزيد من التدابير الشاملة لتأمين الوصول العالمي إلى الغذاء في مواجهة إرتفاع درجات الحرارة. لذلك، إذا أرادت البلدان تطوير الذكاء الإصطناعي لإستخدامه في القطاعات الزراعية، فيجب على قادة العالم النظر في التكاليف المحتملة له، و في دور المؤسسات القانونية و العواقب البيئية لمعالجة البيانات قبل الإستثمار في هذه التكنولوجيا على نطاق أوسع.
عن : «HARVARD International Review»