الذكرى 47 لاغتيال الشهيد عمر بنجلون .. سنبقى أوفياء لك مدافعين عن قيمك وستبقى نبراسا لنا في الدفاع عن الوطن

 

عمر بنجلون الشاب المتقد حماسا، المفعم بالأفكار الاشتراكية، الصارم رغم شبابه في مواقفه، كان زعيما قويا، في مناقشاته تبرز حدته و..سماحته، يصافح بعد نهاية اجتماعاته من كان محتدا معه في النقاش والخلاف . بهذه العبارات القصيرة وصف الصحفي المتميز المرحوم حسن العلوي الشهيد عمر الذي رافقه في بداية مشواره في الصحافة الاتحادية .
وتحل، يوم غد الأحد 18 دجنبر 2022، الذكرى 47 لاغتيال الشهيد عمر بنجلون على أيدي قوى الظلام، في جريمة بشعة في واضحة النهار من يوم الخميس 18 دجنبر 1975.
نسترجع ذلك اليوم المشؤوم، الذي تم فيه اغتيال الشهيد عمر بنجلون: « قبل اغتياله كان عمر قد جلس، في منتصف ذلك اليوم، بين أفراد هيئة التحرير، سألهم عما إذا كانت لدى أحد منهم فكرة ما أو رأي أو اقتراح لمقال أو افتتاحية، اقترح أحد الصحفيين تناولا صحفيا لخبر نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء عند إنزال عتاد حربي ورجال غير صحراويين من طرف قوارب جزائرية في ميناء الكويرة، نوقشت الفكرة من طرف الجميع، ثم طلب عمر من أحد الصحفيين أخذ ورقة وقلم، وأخذ يملي عليه وهو ينظر تارة إلى وجه الصحفي وتارة إلى وجوه الصحفيين الآخرين، وكأنه يحاول قراءة ما يدور في خلد كل واحد، أنهى المقالة ثم قال بعد ذلك «يظهر أنه ليس لي ما أفعله هنا، علي إذن أن أذهب»، ثم أخذ جرائده، ركب سيارته الرونو 16 ببياضها الرّمادي، واتجه نحو منزله الذي وصله حوالي الثانية والنصف بعد الزوال، هناك التحق به بعض المناضلين، دار الحديث وانتهى، كان على فتى «عين بني مطهر» أن يرافق والدته إلى منزل أحد أقاربه، كانت الساعة تشير إلى الثالثة وعشر دقائق عندما وقف عمر أمام باب السيارة ليفتحها، عندما فاجأته ضربة قوية بقضيب حديدي استدار على إثرها وهو آيل للسقوط، تلت الضربة طعنة في الصدر ثم طعنة في الظهر· فَرَّ المعتدي (المعتدون) وقد ترك خلفه جثة الشهيد عمر مسجاة على الأرض.
التنفيذ، كانت الساعة حوالي الثالثة عندما غادر عمر البيت، ثم تقدم نحو سيارته ليفتحها، تقدم منه سعيد أحمد (الإسكافي) من الخلف وانهال عليه بضربات قوية على رأسه، باغتت الضربة عمر الشهيد، فالتفت ليتبين مصدرها، لكنه سقط وظهره إلى الأرض، حاول أن يدافع عن نفسه بقدميه، وقتها تقدم منه خزار مصطفى وطعنه في صدره طعنتين، ويحكي القاتل تفاصيل الطعنة وما تلا ذلك بالقول: «صرخ عمر بنجلون وحاول الاشتباك مع سعيد (سعدان) أحمد، فجاء دوري فطعنته طعنتين، ثم تقدم خشان الذي استعمل سكينا أصغر طعن به الشهيد في ظهره»·
ولا تزال بعض الأفكار المتطرفة، رغم مرور 47 سنة على هذه الجريمة النكراء التي ذهب ضحيتها الشهيد عمر بنجلون، تتربص ببلادنا وضد بعض الهيئات السياسية والأشخاص.

في شهادة مولاي المهدي العلوي حول الشهيد عمر بنجلون، الذي نشرها في كتاب : « أحداث ومواقف « من إعداد الزميل سعيد منتسب وبمساهمة الديبلوماسي محمد بنمبارك .

عمر بنجلون: الشهادة والاستشهاد

1 – الشراسة النضالية

بعد القرارات التي اتخذت من لدن الحزب – اللجنة الإدارية – لتنظيم مؤتمر استثنائي والذي نجح نجاحا عظيما، إذ أبان الحزب، رغم الكوارث التي أحاطت به، أنه مازال موجودا في ضمير المناضلين وقلوب المواطنين، كان خصوم الاتحاد له بالمرصاد، وتجسد في الهجمة الشرسة على المناضلين، أدت إلى حد التصفية الجسدية للعديد منهم وفي طليعتهم الراحل عمر بنجلون، رحمه الله، الذي اقتيد إلى السجن مع رفاقه سنة 1963، في ما يسمى بالمؤامرة على النظام، قبل أن يستعيد في السنة الموالية، حريته ونشاطه وهو المؤمن بالنضال الديموقراطي كمجال كفيل بتعبئة مواطنين للدفاع عن حقهم في الحياة، حياة الكرامة في ظل مجتمع جديد. لكن خصومه تضايقوا من تحركاته ونشاطاته فأرسلوا إليه في شهر يناير1973 طردا بريديا يحمل لغما عرف رحمه الله كيف يتخلص منه. وبعد مدة وجيزة تم اعتقاله في سياق حملة واسعة النطاق شملت العديد من المناضلين، والتهمة مرة أخرى هي التآمر على الدولة والمثول أمام محكمة عسكرية بالقنيطرة أعلنت في النهاية براءته وبراءة العديد من رفاقهما. ومع ذلك، ألصقت بعمر بن جلون ومن معه ممن برأتهم المحكمة العسكرية، تهمة محاولة اغتيال ولي العهد الأمير سيدي محمد، ليتم نقلهم من المحكمة العسكرية إلى معتقل سري بتمارة، ولم يطلق سراحهم إلا في السنة الموالية 1974، لما قرر المغرب خوض تعبئة وطنية من أجل استرجاع الصحراء، وهي التعبئة التي تجند لها عمر بن جلون قبل أن يتعرض لطعنة من الخلف أردته قتيلا.

2 – عمر بنجلون وقضية الصحراء

حديثي عن الراحل بن جلون يجرني إلى ذكر بعض المحطات التي برز فيها دوره مدافعا عن قضايا بلده وأمته وفي طليعتهما قضية الصحراء المغربية. فقد زارني رحمه الله في باريس بالتزامن مع انعقاد جلسات محكمة لاهاي الدولية التي حضرها ضمن الوفد المغربي. وبعد عودته إلى باريس قام باتصال مع قيادة جمعية اتحاد الطلبة المسلمين لشمال افريقيا (AEMNA)، الذي كان يرأسه سابقا، بغرض إلقاء محاضرة بمقره بحضور جمع حاشد من الطلبة المغاربيين من المغرب والجزائر وتونس ومصر وسوريا ولبنان. وكانت المحاضرة رائعة وواضحة المعاني عرض فيها اختيارات الحزب بشكل جلي، وكذلك الموقف من قضية الصحراء منذ جذورها التاريخية إلى حالها الراهن آنذاك.
وقد اغتنم عمر وجوده بباريس لتوسيع اتصالاته الدولية، حيث حضرت معه صحبة الأستاذ عبد الرحمن اليوسفي اجتماعا بالجزائر من تنظيم جمعية القانونيين الديمقراطيين (Les Juristes Democtrates). وبالطبع كانت تلك مناسبة للقاء قيادة جبهة التحرير الوطنية الجزائرية (FLN)، إذ ظهر من الحوار الذي أجري معهم أن ثقتهم بالملك الحسن الثاني كانت ضعيفة، وأنهم فوجئوا باتخاذه لقرار المسيرة الخضراء دون علمهم، مع أنهم «كانوا يميلون إلى العمل المشترك بين البلدين لإيجاد حل لقضية الصحراء». وفهمنا من خلال الحديث معهم أنهم على استعداد للتعامل مع ما سمي آنذاك بالبوليساريو بكيفية واضحة على أساس أنها منظمة للتحرير.
في هذا الصدد، أكد لنا إخوتنا المغاربة الموجودون بالجزائر، وهم من الشخصيات البارزة في حركة المقاومة المغربية، ومن الحركة الاتحادية، أنهم ليسوا على استعداد لمساندة الجزائريين في مساعيهم والدخول في أي عمل يمس بوحدة المغرب الترابية.
لقد كان عمر يعتبر أن قضية الصحراء ينبغي أن تحظى بالأولوية في انشغالات المناضلين. وكانت كل رحلاته إلى الخارج، سواء في اجتماع الحقوقيين العرب بالجزائر العاصمة، أو أثناء زيارتين إلى فرنسا أو عندما سافر في يوليوز 1975 إلى هولاندا لمتابعة قضية الصحراء المعروضة آنذاك على أنظار محكمة العدل الدولية بلاهاي… كانت كلها مخصصة لقضية الصحراء المغربية.
لقد أبانت تلك التحركات الداعمة لقضية وحدتنا الترابية جدية حزب الاتحاد ورغبته في استئناف العمل مع النظام، بما يلزم من وضوح لإيجاد حلول لكل مشاكلنا الداخلية، إلا أن هذا المسار سيشهد تحولا بعد قبول الحسن الثاني رحمه الله بمبدإ الاستفتاء خلال مؤتمر نيروبي.

-3 طعنة من الخلف

الطامة الكبرى وراء هذه المصيبة العظمى في فقدان قائد من هذا العيار أنها أعادتنا إلى جو من الاحتقان بين النظام وبين الحركة الاتحادية، إذ ساهم اغتيال عمر بنجلون في إعادة العلاقات التي بدأت تصفو بين الطرفين إلى درجة الصفر، فعشنا من جديد نفس الأجواء التي خلفها اختطاف واغتيال الشهيد المهدي بن بركة .
اغتيال عمر بنجلون – في نظري- كان ضمن الأحداث التي تتوالى لاستهداف الاتحاد الاشتراكي بعد مؤتمره الذي اختار فيه أن ينهج سياسة جديدة أساسها النضال الديمقراطي. وكان هذا الاغتيال لعبة اختارتها بعض الأطراف لكي يحيد الحزب عن هذا الاتجاه ويعرقلوا مساره.
لقد كان القصر، آنذاك، يرغب في تنفيذ «المسلسل الديمقراطي» لإنهاء «حالة الاستثناء» التي طال أمدها، خاصة بعد فتح ملف «قضية الصحراء» التي كانت تحظى آنذاك بأولوية متميزة لدى أحزاب المعارضة، خاصة»الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» و» التقدم والاشتراكية». حيث كانت قيادات هذين الحزبين، بمن فيها عمر بنجلون، تقوم برحلات دبلوماسية مكوكية بين دول العالم، خاصة المعسكر الشرقي ودول عدم الانحياز، من أجل الدفاع عن موقف المغرب وشرح سياسته بشأن استكمال وحدته الترابية واسترجاع أقاليمه الصحراوية.
وفي تلك الأثناء، كان عمر بنجلون يلح، من منطلق ثقافته السياسية، على ضرورة تصفية الجو السياسي العام بالإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين من دون استثناء، وعودة المنفيين والمغتربين السياسيين، وانتخاب جمعية تأسيسية تتولى صياغة دستور جديد يعرض على استفتاء شعبي.
اغتيال عمر كان امتحانا جديدا للاتحاد الاشتراكي، وكان السؤال الذي يطرحه الجميع: هل اختار الاتحاد الاشتراكي حقيقة سلك النهج الديمقراطي الذي أبرزته مقررات مؤتمره، وهل سيوصله هذا النهج إلى مقاصده البعيدة؟ كانت المخابرات المغربية، من دون شك، على اطلاع بما كان يحاك ضد المرحوم عمر بنجلون. ولا أدل على ذلك من أن الملك الحسن الثاني، في لقاء مع عبد الرحيم بوعبيد، أعلمه بأنه ألقي القبض على المدعو عبد العزيز النعماني، رئيس الخلية التي أشرفت على عملية الاغتيال، وكان يعتبر زعيما للجناح العسكري لتنظيم «الشبيبة الإسلامية» التي أسسها عبد الكربم مطيع وإبراهيم كمال. ولكن لم يظهر أثر لهذا الشخص بعد ذلك، لأن الذين دفعوه إلى اغتيال القائد الاتحادي، سهلوا له سبل الهروب خارج الوطن، لئلا يساءل عن فعله الدنيء، ولئلا يفتضح أمر من خطط لهذا العمل الجبان. هكذا سهلوا لجوءه إلى خارج المغرب لكي لا يفتضح أمر الفاعل الحقيقي.
لقد تعرض عبد العزيز النعماني للاعتقال، حسب مكالمة توصل بها عبد الرحيم من القصر، لكنه غادر السجن في ظروف غامضة وانتقل إلى فرنسا، ومنها إلى لبنان، ثم إلى فرنسا حيث تعرض للاغتيال، حسب ما تسرب من أخبار بعد ذلك. وهنا لا بد من طرح بعض الأسئلة: كيف تمكن النعماني من مغادرة المغرب واللجوء إلى فرنسا؟ ولماذا لم يطالب المغرب فرنسا بتسليمه إذا كان مطلوبا في ملف اغتيال بنجلون؟ وما هو دور عبد الكريم مطيع في تنفيذ العملية؟
ومع ذلك، تظل قضية «عبد العزيز النعماني» هي النقطة الأكثر إثارة للتساؤل والعبث، كما قال الفقيد عبدالرحيم بوعبيد. فرغم صدور الأمر باعتقاله، وتوزيع صورته على كل المراكز الأمنية ومراكز الحدود، أبان البحث أن النعماني اجتاز مباراة الالتحاق بمركز تكوين الأساتذة سنة 1976، ومعنى ذلك أنه حصل على عقد الازدياد وشهادة السكنى وكل الوثائق من جهات أمنية، بما في ذلك كوميسارية المعاريف المخولة ترابيا بتسليمه الوثيقة المطلوبة، والحال أنها هي نفسها المكلفة – ترابيا وأمنيا وسياسيا – بالقبض عليه (!!).
مر شهر تقريبا على تنفيذ العملية قبل أن يتم اعتقال «الحاج» إبراهيم كمال الذي تواتر الحديث عنه من لدن العديد من المعتقلين في ملف الجريمة، وقد وردت على قاضي التحقيق إرسالية من رئاسة الفرقة الجنائية الثالثة، مؤرخة بـ 5 يناير 1976، تخبره فيها بإلقاء القبض على ابراهيم كمال بن عباس «نظرا لوجود قرائن خطيرة ومتواترة من شأنها اتهامه؟
وجاء في محضر الشرطة (76/1/7) بأن ابراهيم كمال من مواليد الدار البيضاء سنة 1931 متزوج بامرأتين، يمارس مهنة التدريس، وأنه ألقي عليه القبض أثناء عودته إلى المغرب بعد رحلة قام بها إلى إسبانيا بمعية المدعو مطيع. وبعد اعتقاله، أعطى عدة تفاصيل عن الشبيبة الإسلامية ودورها في اغتيال الشهيد عمر. ومما أدلى به أمام الشرطة:» أنه ومطيع قررا استغلال الجمعية لمهاجمة شخصيات سياسية لا يقتسمان معها توجهها الإيديولوجي، ويتهمانها بتغذية مشاعر غير إسلامية».
ولعل أخطر ما ورد في أقوال ابراهيم كمال هو أن «مطيع استغل بذكاء السياق العام المتسم بالعداء للإيديولوجيات الماركسية والماوية للبحث عن دعم وسند لجمعيته، وهكذا استفاد بمساعدة مادية ومعنوية من بعض الشخصيات السامية التي كانت تدعم نشاطاته»! .
بعد حوالي 42 شهرا على اغتيال عمر بن جلون، انطلقت يوم الجمعة 22 يونيو 1979 محاكمة منفذي الجريمة الغادرة، فاكتشف دفاع الطرف المدني أن بعض الوثائق المتعلقة بالبحث الذي أجرته الشرطة القضائية مع المتهم ابراهيم كمال قد اختفت من ملف القضية؛ وهذه الوثائق تتعلق بمحضرين للتفتيش والحجز ومحضر للاستماع، كانت قد سلمت لقاضي التحقيق في السابع من يناير 1979 أثناء مثول المتهم ابراهيم كمال أمامه.
دفاع الطرف المدني احتج فور علمه باختفاء تلك الوثائق مستعملا كافة الوسائل الشفوية والكتابية لدى قاضي التحقيق، الذي طالب الضابطة القضائية إمداده بنسخ من الوثائق المختفية، لكن دون جدوى. فكيف اختفت هذه الوثائق؟ ومن المسؤول عن اختفائها؟ وما هي المعلومات التي تتضمنها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، تقدم دفاع الطرف المدني لدى عميد قضاة التحقيق بطلب فتح تحقيق حول عملية الاختفاء. وهو ما دفع العميد إلى إصدار قرار بتاريخ 25 يونيو 1979 يقضي بعدم فتح تحقيق حول الموضوع، ورغم استئناف الطرف المدني لهذا القرار، أيدت غرفة الاستئناف يوم 29 نونبر 1979 عدم فتح تحقيق حول عملية الاختفاء.
أمام كل هذا، لم يبق أمام الطرف المدني إلا أن يقدم استئنافا لدى المجلس الأعلى من أجل استرجاع الوثائق «المختفية».
غير أن السؤال الذي خيم على القضية، فضلا عن قضية «الوثائق المختفية»، يظل هو: لماذا لم يقدم عبد العزيز النعماني إلى المحاكمة؟
في أسفل صفحتها الأولى وعلى ستة أعمدة، كتبت جريدة «المحرر» يوم 12 دجنبر 1979، العنوان التالي مرفقا بصورة لعصابة القتلة: «هؤلاء منفذو جريمة اغتيال الشهيد عمر بنجلون، فأين مدبروها؟».
العنوان كان مجسدا للقناعة التي لا يرقى إليها شك، وهي التي عبر عنها بيان المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي في الذكرى الأولى للاغتيال: «إن الحقيقة في قضية اغتيال عمر بن جلون لا يمكن أن تظهر إلا إذا وضعت القضية في إطارها الحقيقي، إطار الجرائم السياسية، فمادامت القضية لم توضع في هذا الإطار، فإن الحقيقة ستعد مبتورة؟ ومن الحقائق التي أريد لها أن تظل مبتورة من ملف القضية، إبعاد المتهم عبد العزيز النعماني عن المحاكمة، رغم اعتراف كافة أفراد العصابة بالدور المحوري الذي لعبه في التحريض على اغتيال الشهيد؟». في الملتمس الكتابي الذي تقدم به دفاع الطرف المدني، تم التأكيد على حقيقة اعتقال عبد العزيز النعماني سنة 1977، وهو يهم بمغادرة المغرب صوب إسبانيا. وقد عبر الدفاع عن استغرابه لعدم تقديم المتهم، لا إلى قاضي التحقيق ولا إلى المحكمة، رغم أنه كان موضوع أمر قضائي بإلقاء القبض عليه منذ بداية التحقيق؟
حول هذا الموضوع، وجه عبد الرحيم بوعبيد رسالة الى رئيس غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف بالدارالبيضاء، أكد فيها «اعتقال عبد العزيز النعماني من طرف الشرطة. وجاء في الرسالة: «وقد أخبرت بهذا الحادث من طرف السلطات العليا في بلادنا المكلفة بمتابعة المجرمين والسهر على أمن المواطنين».
واعتبر الفقيد عبد الرحيم بوعبيد أن إلقاء القبض على النعماني: «كان من شأنه أن يوضح ما كان وما ظل غامضا ومتسما باللبس وبعدة احتمالات (…) إن عدم مثول المسمى عبد العزيز النعماني أمام محكمتكم يجعل من هذه المحاكمة، محاكمة تدعو الى السخرية والهزل، ذلك أن الاشخاص الذين أمروا بارتكاب هذه الجريمة الشنعاء لم يقدموا للمحكمة حتى تتوفر للقضاء كل العناصر الضرورية للكشف عن الحقيقة وإصدار حكم عادل في هذه القضية».
تجدر الإشارة كذلك إلى أن جريدة «المحرر»، كانت قد أخبرت بإلقاء القبض على المسمى عبد العزيز النعماني بعددها الصادر يوم 16 يناير 1977، دون أن يصدر أي تكذيب لهذا الخبر من طرف السلطات المختصة.
وبسبب هذا الصمت، اعتبرت الأطراف المدنية أن عدم مثول المسمى النعماني أمام المحكمة، «يشكل عرقلة خطيرة لسير العمل القضائي وإهانة للعدالة، ويجعل من هذه المحاكمة في شكلها الحالي محاكمة صورية».
وقد طالب الأستاذان محمد الناصري وعبد الرحيم برادة في الملتمس الكتابي بإيقاف مناقشة جوهر القضية، حتى تقديم المسمى النعماني.
لقد صدق حدس الفقيد عبد الرحيم بوعبيد، حين اعتبر في رسالته الى المحكمة أن مجريات البت في جريمة اغتيال الشهيد عمر «يجعل من هذه المحاكمة، محاكمة تدعو الى السخرية والهزل»، ذلك أن مدبري هذه الجريمة لم يقدموا إطلاقا إلى المحاكمة.
ومع ذلك، لا بد من طرح السؤال: لماذا اختار القتلة تلك اللحظة التاريخية لتغييب عمر عن المشهد السياسي؟ فغير خاف أن تلك اللحظة كانت تتسم بحدثين رئيسيين، هما انعقاد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثم طرح قضية الصحراء، وحدث المسيرة الخضراء التي تعبأت له كل القوى الوطنية.
ومن المحقق أن الربط لم يكن مسألة تصادف زمني أو توارد سياسي من قبيل الصدف، بل إن الربط بين الوطني والديموقراطي هو الذي يفسر هذا التزامن، الذي يعد بحق تزامنا قطع مع لحظة تصادم قصوى بين مكونات الحقل السياسي الوطني، الدولة من جهة والقوى المعارضة، الاتحاد الاشتراكي بالخصوص من جهة ثانية.
لقد كانت السنة سنة المسلسل الشامل من أجل تكريس المسار الديموقراطي واستكمال الوحدة الوطنية. لكن هذه الدينامية التي أطلقها عمر ورفاقه في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تلقت أول ضربة في شخص عمر نفسه، فكانت تلك الضربة بمثابة الرسالة الجسدية الدامية إلى أن ما كان عمر يطمح إليه ما زال بعيدا، بل لعله كشفت في تلك الفترة أن الانطلاقة بدأت غير سليمة من أجل الاحتكام إلى ميثاق سياسي، تعلو فيه الوطنية والديموقراطية على الحسابات الذاتية.
إن التخطيط لاغتيال عمر بنجلون كان بداية لخطة أكبر تتعلق بتقوية التيارات المتطرفة وتمويلها وفتح الأبواب لها، كما تبين من تفاصيل الجريمة ومن التسامح معها في ما بعد.


الكاتب : إعداد: مصطفى الإدريسي

  

بتاريخ : 17/12/2022