«الربيع العربي» كان أيضا مسرحا ل»تضليل إعلامي» مكثف

تحو ل الفضاء الافتراضي سريعا خلال «الربيع العربي» الذي بدأ في 2011، إلى مسرح صراع بين نشطاء المعارضة عبر الإنترنت وأنظمة الحكم، ما ساهم في ظهور «تضليل إعلامي» ألقى بظلاله على «الحراك الثوري» في المنطقة.
وتتذكر الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي هويدة أنور ليلة هروب الرئيس التونسي الأسبق الراحل زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011، وتقول لوكالة فرانس برس «كانت ليلة مروعة ومؤلمة» مع انتشار الشائعات وأخبار كاذبة عن اغتصابات وقتل جماعي. «خلق كل هذا حالة من الهلع والهستيريا» على شبكات التواصل الاجتماعي.
لجأ الناس آنذاك إلى الانترنت هروبا من الأخبار الرسمية التي تبثها وسائل الإعلام تحت ضغط رقابة الحكومات، لكن مواقع التواصل الاجتماعي على غرار فيسبوك وتويتر بدأت تشهد ظهور التضليل الرقمي عبر نشر أخبار زائفة أو غير دقيقة.
واعتبر الصحافي والباحث حكيم باللطيفة أن الوضع الدولي «كان ملائما لانتشار الأخبار الزائفة».
وعلل ذلك في مقال نشره في مجلة «ذي كونفرسيشن» بأن «الأخبار المضللة تتغذى من غياب الثقة» إزاء وسائل الاعلام التقليدية التي تخضع لرقابة الدول العربية» التي «تخفي الحقيقة وتبقي الشعوب داخل العتمة والجهل».
ومثال على ذلك اتهام التلفزيون الحكومي المصري شركة مطاعم الأكلات الخفيفة الأمريكية «كاي اف سي» بتوزيع أكل مجاني على المتظاهرين في ساحة التحرير بالقاهرة في العام 2011.
وأضيفت في حينه مزاعم تدخل القوى الأجنبية إلى شائعات حول تسلل أجانب بين المتظاهرين.
وفندت وسائل الإعلام وناشطون آنذاك قصة مطاعم «كاي اف سي» فيما كان المحتجون يقتاتون على طبق «الكوشري» الشعبي في الشارع.
ويبقى أحد أكبر خبر مضلل خلال مطلع الاحتجاجات في العام 2011، ذاك الذي تم تناقله عن «فتاة دمشق المثلية»، وفقا ما يروي الباحث إيف غونزالس كيخانو.
وكانت أمينة عبدالله عراف تقدم نفسها على أنها أمريكية-سورية مثلية وناشطة شابة، وأنشأت مدونة بهذا المسمى تابعها الآلاف من الأشخاص.
لكن أمينة اختفت فجأة بعد ذلك وتم تداول خبر «اختطافها» في دمشق وأثار ذلك مخاوف كبيرة لدى متابعيها وتم إطلاق تعبئة دولية من منظمات غير حكومية لإنقاذها من بين أيدي نظام بشار الأسد.
لكن عمليات تقصي الحقائق عن الخبر أماطت اللثام عن كذبة كبيرة.
فقد تم اكتشاف أن المدونة التي أصبحت أيقونة الحراك الديمقراطي ليست سوى رجل أمريكي (40 عاما) ملتح يدعى طوم ماكمستر كان طالبا حينها في اسكتلندا وينشر محاولات في الكتابة.
ويوضح كيخانو «تبدو المسألة مضحكة اليوم، لأننا اعتدنا ألا نصدق هذا النمط من الفبركة، لكن لم يكن التشكيك قائما في تلك الفترة كما هو اليوم».
كما ظهرت شخصية أخرى مفبركة تدعى ليليان خليل، صحافية من أطلنطا تغطي أحداث «الربيع العربي»، قبل أن يتم كشف قصتها لاحقا.
وكانت خليل تنشر مواقف مؤيدة للأنظمة، خصوصا في ما يتعلق بالسلطة البحرينية. وكان من الصعب تحديد مكانها والتواصل معها بالرغم من الكم الكبير من المعلومات المنشورة حولها.
ويؤكد كيخانو أن «أكاذيب» أمينة وليليان تمثل «الظهور الأول للتلاعب الرقمي الجلي «.
ويفسر الباحث رومان لوكونت أن «رجال السلطة تسل لوا إلى مختلف حلقات النقاش» بوسائلهم وإمكاناتهم الضخمة للتصدي للمعلومات التي لا تخدم مصالحهم «ونشروا المغالطات والتضليل».
وشوهت هذه الممارسات النظرة العامة التي كانت إيجابية إلى حد بعيد بالنسبة إلى استخدام الإنترنت كوسيلة للديمقراطية والتي كانت تنظر إلى مواقع التواصل الاجتماعي على أنها آمنة.
ويقول لوكونت إنه بالإضافة إلى رد فعل الأنظمة، دفع «الاستعمال السياسي المكثف للانترنت» بعض أصحاب النشاط المكثف على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التشكيك بقوة الشبكة العنكبوتية كوسيلة لبسط الديمقراطية.
وأنشئت منصات افتراضية للحوار والنقاش على غرار موقع «بنية تونسية» الذي أدارته المدونة التونسية الراحلة لينا بن مهني لتقديم أخبار تحرج السلطة ما ساهم في تغذية الحراك الشعبي في تونس والدفاع عن أطروحات مناهضة للنظام.
لكن وفي تقدير كيخانو، فإن الأخبار المضللة جعلت النشاط الإلكتروني يفقد مصداقيته.
ويقول الباحث «لم يتوقف توظيفها والتلاعب بها من قوى سياسية أكثر تنظيما من النشطاء في الميدان».
وبعد عشر سنوات على الربيع العربي، زادت طفرة المعلومات والصور من تضخيم الأخبار الكاذبة.
وأطلقت في مواجهتها حملات توعية، وأنشئت منصات لتقصي صحة الأخبار، وذلك بهدف الحد من هذه الظاهرة. كما وضعت قوانين وتشريعات في عدد من الدول تعاقب التجاوزات.


بتاريخ : 02/12/2020