يجسد وليد الركراكي مهندس منظومة المنتخب المغربي الحديثة، نموذجا لمدرب نجح في تحقيق مسار تصاعدي وسريع دون التفريط في الاستمرارية أو جودة البناء التكتيكي.
فقد بدأت رحلته التدريبية الفعلية عام 2014 مع نادي الفتح الرباطي، حيث برز بقدرته على تشييد فريق متماسك قائم على الانضباط والانتشار الذكي، وتوجت تجربته بتحقيق لقب الدوري المغربي عام 2016، وهو أول لقب في تاريخ النادي.
وبعد تثبيت اسمه محليا، انتقل إلى قطر لتدريب نادي الدحيل، حيث أكد قدرته على النجاح خارج الديار بإحراز لقب الدوري القطري، معززا بذلك مكانته كمدرب يجمع بين المعرفة النظرية والقدرة العملية على توجيه المجموعات.
غير أن محطة الوداد الرياضي كانت العلامة الفارقة في مساره، ففي عام واحد فقط (2022)، حقق إنجازا تاريخيا مزدوجا بقيادته «القلعة الحمراء» إلى التتويج بلقب الدوري المغربي ثم دوري أبطال إفريقيا.
وبهذا الجمع غير المسبوق بين اللقبين في موسم واحد، أصبح الركراكي أول مدرب مغربي يحقق هذا السجل، مثبتا أن مشروعه التدريبي قادر على إنتاج نتائج قارية ومحلية في وقت قياسي.
هذا الرصيد القاري هو ما دفع الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم إلى تعيينه على رأس المنتخب الوطني قبل أشهر قليلة من كأس العالم 2022. وهناك، صاغ الركراكي واحدة من أبهى صفحات التاريخ الكروي العربي والإفريقي، بعدما قاد المغرب إلى قبل نهائي المونديال، باعتباره أول مدرب عربي وإفريقي يحقق هذا الإنجاز.
وحول المنتخب المغربي إلى قوة عالمية يحسب لها حساب، مستفيدا من فلسفته القائمة على الانضباط التكتيكي والتحفيز النفسي وتعظيم دور اللاعب المحلي والمحترف على حدٍ سواء.
واليوم، يحمل على عاتقه مسؤولية تتويج هذا الجيل الذهبي بكأس إفريقيا، مستندا إلى تجارب نوعية في أبطال إفريقيا وخبرة الاحتكاك بالنخبة العالمية في قطر والمونديال.
وتكمن قوة الركراكي في مزيجه الخاص بين الفكر التكتيكي الأوروبي الصارم والتحفيز النفسي العميق المعروف عنه، والذي أرسى ما بات يعرف داخل محيط الأسود وقبلها بعقلية الفوز.
وتقوم هذه المنظومة على ثلاثة عناصر مركزية: الأساس الدفاعي والتنظيم المحكم (4 – 1 – 4 – 1 / 5 – 4 – 1): يبني الركراكي مشروعه التقني على قاعدة صلبة من الانضباط الدفاعي.
فتكتيكه يتدرج في التحول بين 4 – 1 – 4 – 1 هجوميا و5 – 4 – 1 أو 4 – 5 – 1دفاعياً، بهدف غلق المساحات العمودية وتقليص الهوامش بين الخطوط. ويترجم ذلك عبر: كثافة عددية واعية في الوسط، مع محور ارتكاز قوي مثل سفيان أمرابط، وظهيرين يتحولان بسرعة بين الاندفاع الهجومي والعودة لتشكيل خط دفاع خماسي عند الحاجة. ثم كتلة دفاعية منخفضة أو متوسطة، مع دفاع صبور يجبر الخصوم على الاستحواذ السلبي، وهي منهجية أثبتت فعاليتها أمام منتخبات كبرى في المونديال.
السلاح الهجومي أو التحولات السريعة والفعالية القصوى: رغم حضوره الدفاعي القوي، لا يبني الركراكي لعبه على الدفاع السلبي، بل يعتمد على الانتقال السريع والضربات المباغتة المنظمة، من خلال: هجمات مرتدة قصيرة تنفذ عبر ثلاث أو أربع لمسات مستغلة سرعة الأجنحة من الطرفين، مما يربك دفاعات الخصوم المتقدمة. وأيضا مرونة تكتيكية في التدرج بالضغط العالي عند الحاجة، وهي قدرة عززها مساره بدوري أبطال إفريقيا، حيث تأقلم بمرونة مع أنماط منافسين مختلفين.
البعد النفسي أو صناعة الثقة وكسر عقدة القارة والعالم: يعرف الركراكي بقدرته على بناء مجموعات متماسكة ذهنيا من خلال كسر حاجز الخوف عبر إقناع اللاعبين بأنهم قادرون على مقارعة أي منتخب عالمي، وهو ما ظهر جليا أمام بلجيكا وإسبانيا والبرتغال.
وكذا تعزيز الروح الجماعية والوحدة داخل المعسكر عبر خطاب واضح… الفريق فوق الجميع، والنتيجة ثمرة تضحيات مشتركة. وهي الروح التي يأمل تحويلها هذه المرة إلى عامل حاسم في التعامل مع ضغط الأرض وكثافة التوقعات في «الكان».
وبهذه المعادلة، يجمع الركراكي بين الانضباط الدفاعي الأوروبي والفعالية الأفريقية والشخصية المغربية المبنية على القتال والمرونة والثقة.
الركراكي يحمل على عاتقه مسؤولية تتويج هذا الجيل الذهبي بكأس إفريقيا
بتاريخ : 20/12/2025


