التدابير الخجولة التي أقرتها الحكومة لإصلاح الضريبة على الدخل لم تسعف الأجراء في مواجهة الغلاء
لم تتأثر مداخيل الخزينة بالإعفاءات والتخفيضات الجبائية التي أدخلتها الحكومة هذا العام في خانة الضريبة على الدخل، بل على العكس من ذلك، فإن هذه الأخيرة عرفت انتعاشا ملحوظا، حسب ما أكدته بيانات حديثة صدرت أول أمس عن مديرية الخزينة العامة، حيث كشفت أن مداخيل الضريبة على الدخل عرفت إلى حدود نهاية فبراير زيادة معدلها 8 في المائة مقارنة بمستواها المسجل خلال نفس الشهر من العام الماضي.
وهكذا فقد تحسنت مداخيل الضريبة على الدخل خلال فبراير الأخير، لتنتقل من 9.5 مليار درهم سنة 2022 إلى 10.3 مليار درهم هذا العام، بزيادة تناهز 800 مليون درهم، بعد نسبة إنجاز تجاوزت 21 في المائة.
ويجد هذا الارتفاع المسجل في محاصيل الضريبة على الدخل تفسيره في مجموعة من العوامل، أهمها تراجع معدل البطالة الذي انخفض وفقا لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط من 12,3% سنة 2021 إلى 11,8% سنة 2022. كما يمكن تفسيره بالإجراءات الجديدة التي تم إقرارها في مدونة الضرائب، على مستوى تشديد الرقابة على التصريحات التي تهم الضريبة على الدخل، خصوصا في بعض المهن الحرة.
ويتوقع أن تزداد مداخيل الضريبة على الدخل ارتفاعا في سياق التعافي المتواصل للقطاع الخاص من جهة ومن التنامي المستمر للأنشطة غير الفلاحية والتحسن الملحوظ الذي تعرفه السنة الفلاحية الجارية.
وتعول الحكومة هذا العام، وفق ما جاء في قانون المالية لسنة 2023، على جني أزيد من 48 مليار درهم من الضريبة على الدخل وهو تقريبا نفس المبلغ المحصل في نهاية 2022.
وكانت أهم التعديلات التي شملت الضريبة على الدخل قد همت مراجعة النظام الضريبي للمحامين، وتخفيف العبء الضريبي على الأجراء ومن في حكمهم وأصحاب المعاشات: عبر خصم المصاريف المرتبطة بالوظيفة أو العمل مقدرة بالنسب الجزافية 20 إلى 35 في المائة فيما يتعلق بالأشخاص الذين لا يتجاوز دخلهم الإجمالي السنوي المفروضة عليه الضريبة (78 ألف درهم).
وتحديد النسبة الجزافية في 25 بالمائة بالنسبة للأشخاص الذين يفوق دخلهم الإجمالي السنوي المفروضة عليه الضريبة (78 ألف درهم) درهم، على ألا يتجاوز المبلغ المخصوم خمسة وثلاثين ألف (35.000٫00درهم).
غير أن هذه التدابير الضريبية لم يكن لها وقع كبير على رواتب الأجراء والموظفين، حيث ظلت آثارها ضئيلة جدا بالمقارنة مع الارتفاع غير المسبوق الذي شهده معدل التضخم، حيث ارتفع معدل التضخم في المغرب إلى 6.6% عام 2022، مقارنة بسنة 2021 التي بلغ معدل التضخم السنوي فيها 3.2%، غير أن قيمة الزيادة التي شملتها الإعفاءات الضريبية الخاصة بالضريبة على الدخل تراوحت في المتوسط بين 100 و200 درهم، في حين أن هذا الملبغ الهزيل لا يكاد يغطي حتى 10 % من قيمة الزيادات الصاروخية التي شهدتها أسعار المواد الأساسية.
ولم تلتزم الحكومة بتنزيل توصيات المناظرة الوطنية للجبايات التي دعت إلى مراجعة معدلات الضريبة على الدخل عبر تخفيض نسب التضريب على بعض الأشطر للتقليل من الضغط الضريبي على الأجر لذوي الدخول الدنيا والطبقات المتوسطة: 80 ٪ من شغيلة القطاع الخاص يمارسون بالقطاع غير المهيكل وبالتالي من السهل تخيل الحصة الغالبة من مأجوري القطاع العام في إيرادات الضريبة على الدخل حيث أن في المجموع، يدفع أقل من واحد من كل أربعة ضريبة الدخل.
وبالتالي ليس من العدالة الضريبية مثلا أن يتم جمع الأجور من 14 إلى 40 ألف درهم في نسبة تضريب واحدة تشمل اقتطاع 38 في المائة، في حين أن خلق نسب اقتطاع جديدة على الدخول العليا كان بإمكانه أن يسمح بزيادة الإعفاء لدى الأجور الدنيا.
وقد أكد المركز المغربي للظرفية الاقتصادية أن عودة الضغوط التضخمية تسببت في اختلالات ملحوظة ومتباينة في الاقتصاد الوطني، معتبرا أن من بين كل هذه التداعيات، يبقى الانعكاس الاجتماعي هو الأكثر إثارة للقلق لدرجة أن قوة هذه الزيادات المتواترة في الأسعار يتم استشعارها بشدة أكبر على مستوى الفئات الاجتماعية الأكثر ضعفًا وهشاشة، وهو ما يزيد من اتساع فجوة عدم المساواة.
وأشار المركز إلى أن نفقات الاستهلاك، تأثرت كثيرا بالارتفاع القوي للأسعار بشكل خاص في مكونها الغذائي مما كان له تأثير أكبر على الأسر ذات الدخل المنخفض بالمقارنة مع الأسر ذات الدخل المتوسط أو المرتفع.