قد يبدو هذا الموضوع متجاوزا. أستهلك كثيرا وثم إشباعه في النقاش والدراسة على اعتبار أن هذا النقاش بدأ مع بداية السينما الواقعية في الوطن العربي، منذ أزيد من سبعة عقود. لكن من يشاهد أفلاما ويسمع آراء وتصريحات بعض السينمائيين العرب في السنوات الأخيرة، يدرك أن هذا الموضوع لازال متطلبا يستحق الطرح، وأن هذه الواقعية، في رأيهم، يلفها الكثير من الغموض والضبابيةعند العديد من المخرجين العرب، ربما باعتبارها منهجا متناقضا مع الخاصية الأساسية في فن السينما، وهي الخيال
السينما العربية بين الواقعية وسينما الواقع البرامج التلفزيوني لقناة الجزيرة»خارج النص»، صرح المخرج السينمائي المصري أسامة فوزي، بيقينية وشيء من التوتر، ردا على سؤال حول مشهد من فيلمه «بحب السيما»، الذي أثار جدلا واسعا، لقد رأيت هذا بعيني في الواقع وكان السؤال حول مشهد طفل يتجرأ ويتبول على الناس في الكنيسة. أما الأحداث والمشاهد الجريئة الأحرى فقال إنها وقعت وسط عائلته.
الواضح أن هذا الإصرار واليقينية، كانا نابعين من إيمان المخرج بأنه مادام قد عاين الوقائع بعينيه، فإن الواقعية السينمائية والصدق في سرد الأحداث، يحتمان عليه تصويره كما وقع، وأن هذه الحتمية تحتم بدورها على المشاهدين أن يتقبلوا تلك المشاهد، وكأن هذه العلاقة بين الابداع والتلقي هي قاعدة السينما الواقعية وأن أولئك الغاضبين الذين عبروا عن صدمتهم وانتقدوا الفيلم، وأثاروا تلك الاحتجاجات، هم شاذون عن تلك القاعدة، وأن انتقادهم غير مبرر وغير مقبول، وكأنه يقول: إن من يغضب، عليه أن يغضب من الواقع، لا من فيلم يعرض»الواقع»، وأن المخرج مادام يعرض على الشاشة ما رآه بعينيه في الواقع، فإن رفض الفيلم، هو رفض للواقع، ومادام الرافض يرفض على الشاشة ما وقع في الواقع، فإن ذلك ينطوي على انفصام في شخصيته، والسؤال هنا هو: ما محل الخيال من هذا التصور؟ أليست السينما بالأساس خيالا؟
هذا المبدأ يتبناه أسامة فوزي ومعه العديد من المخرجين العرب، في نقلهم للواقع إلى الشاشة «بحذافيره»، مع اختلاف في الخلفيات الاجتماعية، بين مخرج وآخر. وعندما يتعلق الأمر بالجنس باعتبار أنه يضع عورة أو سوءة الجسد في المحك البصري والجمالي، والدين باعتبار أنه يضع عقيدة أمة بأكملها في محك النقاش والتحليل البصريين، ترتفع حدة النقاش، إلى إثارة الضجيج والجدالات والانفعالات الكبيرة.
رغم اختلاف الخلفيات الاجتماعية بين المخرجين، إلا أن القاسم المشترك الذي يجمعهم، هو ذلك المنهج التعبيري الذي يصبح فيه إظهار تناقضات الواقع، هاجسا يطمس مخيلته عن أي إخضاع للتعبير السينمائي للمقاييس الجمالية في الكتابة السينمائية، بحيث يحصر مهمة الفيلم فقط في إظهار الواقع، وكأنه يحمل شعار: «هذا هو الواقع». وهكذا يتحول هذا الشعار إلى خطاب آخر يفرض على المشاهد ـ باسم شعارات كالتقدم والتحرر والجرأة ـ تحمل الصدمات والمفاجآت التي تتضمنها تناقضات واقعه، ويطلب منه التعايش معها، فبدل أن يكون الفيلم لينا في أسلوب خطابه، وأن يحمل للمشاهد الأمل ويشاركه في الحلم، يتحول إلى مجال لاستعراض مظاهر التخلف، تحت شعار: «هذا هو الواقع».
السؤال الجدلي والبديهي في نفس الوقت هنا هو: ما الذي يغضب هؤلاء الغاضبين من صور واقعهم وحقائقهم على الشاشة، ماداموا يعيشونه في الواقع؟ السبب هو أن هؤلاء المخرجين لم يقوموا بتحليل ومناقشة العلاقة بين الواقع والخيال في السينما بما يكفي، لتطوير رؤيتهم، وإزالة هذا الالتباس، ووضع كل شيء في مكانه لتكون السينما سينما (مجال للحلم والخيال والأمل، وليس إعادة إنتاج الواقع والاصطدام)، ويكون الواقع واقعا (مجال لاقتباس الروايات والأحداث) وتحديد العلاقة بينهما على أنها علاقة جدلية، لا يطغى فيها البعد الواقعي على الخيالي ليفسد قيمة الفيلم الجمالية الفنية، ولا يطغى البعد الخيالي على الواقعي ليفسد الإحساس بصدقية الفيلم..، فالسينما ليست الواقع (كما هو)، وإنما هي الواقع المتخيل.
قد تقع في الواقع المعيش، أحداث ذات مضمون معبر، لكنها فظيعة تهز المشاعر بقوة، إذا افترضنا كتابتها وتصويرها وعرضناها على الشاشة كما وقعت، بناء على شعار»هذا هو الواقع»، فسيكون ذلك مثيرا ومؤثرا جدا، لكن بكيفية مخالفة للإنتظارات والتوقعات الجمالية للمشاهد. وسيكون مثيرا للاشمئزاز ومؤثرا بشكل سلبي على نفسية المشاهد، وهذا الأسلوب، لا يمكن لناهجه أن يعطينا عملا فنيا ذا قيمة جمالية. وغياب هذه القيمة تقيد الدور التعبيري وتحرمه من إيصال رسالة الفيلم.
إن ما نشاهده على الشاشة في الفيلم، ليس هو الواقع، وإنما الواقع المتخيل. إي الواقع كما تخيله المخرج. والتخيل هنا، يعد بمثابة ذلك الغربال الذي يعتمد على المقاييس الفنية والجمالية، في التعامل مع الحدث كما وقع ليسمح بتقديم المشاهد في صيغة ذات قيمة جمالية.
السينما كمجال إبداعي، ومنذ بدايتها، يهمها بالدرجة الأولى الإنسان. والمبدع السينمائي يخاطب في المشاهد إنسيته ويستغل هذه الإمكانية للتأثير فيه وتوجيهه بأكبر قدر ممكن. هكذا كانت السينما قبل ظهور أبرز ظاهرة تربط بين السينما والواقع: وهي (الواقعية الجديدة) في إيطاليا.
لقد ظهرت موجة الواقعية الجديدة كتيار سينمائي في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية، وما خلفته من دمار هائل في البلاد، ليس فقط في المصانع والمعامل، ولكن أيضا في البنى الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الإيطالي، بسبب سياسة موسيليني، وخلقت مجتمعا إيطاليا هشا. هذه الهشاشة أفرزت سينما كانت سائدة آنذاك، سينماغاصت بالمشاهد الإيطالي في أفلام تنتقل بين الدعاية للزعيم موسيليني وحزبه الفاشستي (القوة والانتصارات الوهمية)، والأفلام الكوميدية والأفلام العاطفية. وكما جاء في كتاب: قصة السينما في العالم، ص 169 ل»آرثر نايت». ترجمة سعد الدين توفيق «سادت أفلام غرف النوم الفكاهية المأخوذة من المسرحيات الناجحة. وقد أطلق النقاد الإيطاليون على هذه الأفلام اسم (أفلام التلفون البيض)، وذلك لأن الكثير من حوادث هذه الأفلام كانت تتركز حول التلفون الأبيض الموضوع في غرفة نوم البطلة».
يمكن إذن تفسير انطلاق (الواقعية الجديدة) في إيطاليا، إنه جاء كتمرد على سينما التلفون الأبيض التي كانت تهدف إلى تغييب الجمهور السينمائي الإيطالي عن واقعه، المتمثل في الدمار الذي أحدثته الحرب، وما خلفته من أزمة اقتصادية واجتماعية.
في الوطن العربي، كان أول فيلم واقعي (العزيمة) لكمال سليم سنة 1939. لكن لم يكن هذا الفيلم تمردا على السينما التجارية المصرية، بقدر ما جاء احتفاء بالحارة المصرية. ولم تنطلق السينما الواقعية في مصر إلا بعد عرض مجموعة أفلام واقعية لصلاح أبو سيف، كان أولها فيلم «لك يوم يا ظالم» 1950. وبذلك أصبح أبو سيف أبرز مخرجي السينما الواقعية المصرية، وكان يلقب بالأب الروحي لهذه السينما. كانت هذه السينما، تحاكي إلى حد كبير مثيلتها الإيطالية، وذلك في خاصيتين رئيسيتين. 1: الخروج عن قيود الأستوديو، والتصوير خارجه في الشوارع والأماكن العامة. 2: الاستعانة بممثلين غير نجوم في الأدوار الرئيسية.
كانت السينما الواقعية سواء في إيطاليا أو مصر، تيارا متمردا على ما كان سائدا أنذاك من أفلام تجارية صرفة، وإذا كان النقاد الإيطاليون يسمونها سينما الهاتف الأبيض، فإن المصريين يسمونها سينما المقاولات. ويسميها صلاح أبو سيف، سينما المخدرات. نحن إذن أمام سينما تتمرد على سينما، أو تيار فرض نفسه على آخر، لأنه تشكل كتيار يسير في الاتجاه المعاكس لتيار آخر. أما سينما المخرجين الذين يتبنون رؤية فكرية متمردة، فهي تتمرد، دون أن تحدد على ماذا تتمرد، كأنه تمرد من أجل التمرد.
التمرد من أجل التمرد! يبدو واضحا أنه غير منطقي، ولكي يكون منطقيا، لا بد أن يستهدف كيانا آخر يتمرد عليه. وعندما يتمرد المتمرد دون أن يحدد أي كيان يستهدفه، فإنه لا يمكن أن يستهدف إلا ذاته. لأنه لن يجد إلا ذاته ليتمرد عليها.
التمرد السينمائي ضد الذات، هو حالة ليست لها عوامل سينمائية كالتي خلقت تمرد الواقعية الإيطالية أو المصرية، وليس تيارا سينمائيا، لأن ليس أمامه تيار سينمائي آخر ليسير في الاتجاه المعاكس له. ولكي نفهم هذه السينما التي تتمرد ضد الذات، أو التي تسمي نفسها تيارا سينمائيا دون أن يكون هناك تيار يقابله أو يعاكسه، يجب أن نفهم العوامل التي أطلقت العنان لتيار السينما الواقعية في إيطاليا ومصر.
تتلخص هذه العوامل في الظروف العامة (اجتماعية و اقتصادية و سياسية..) خلقت سينما تهدف إلى تغييب المشاهد عن واقعه وإغراقه في التلذذ على الشاشة، بما حرم منه على أرض الواقع. وعندما انتبه مخرجون لذلك، بادروا بإطلاق حركة سينمائية، قادتهم نحو التمرد على السينما التي كانت تحمل خطابا سينمائيا يكرس الواقع كتمجيد رجل السلطة، أو تكريس الفوارق الطبقية داخل المجتمع. وأفرزت روائع سينمائية خالدة في السينما العالمية في إيطاليا: «روما مدينة مفتوحة» لروبيرتو روسيليني و»سارق الدراجة» لفيتوريو ديسيكا، وروائع خالدة في السينما العربية: «بداية و نهاية»، «القاهرة ثلاثين»، لصلاح أبو سيف و «الأرض» ليوسف شاهين و «المخدوعون» لتوفيق صالح …الخ.
استطاعت السينما الواقعية في إيطاليا أو مصر، أن تنجح وأن تفرض نفسها إبداعيا ونظريا وفكريا، لأنها كانت تحمل خطابا يطالب بتغيير ماهو قابل للتغيير (المتحول): الأوضاع العامة بكل أبعادها ومكوناتها، بينما سينما مخرجي نظرية: «هذا هو الواقع» الذين يثيرون بأفلامهم الضجيج والجدالات الحادة، في الوطن العربي: مصر ولبنان والمغرب والجزائر وتونس… وغيرهم، فأفلامهم تحمل خطابا يطالب بتغيير ماهو غير قابل للتغيير(الثابت): الاختيارات الجمالية، غير المتطابقة مع الخصوصيات المحلية، وتوظيف البعد الإشهاري لغير صالح سينماهم، وتوظيف الخطاب السينمائي لغير مصالحهم.
هذا التمرد على الثوابت، لا يمكن أن يستقر ولا يمكن أن يحدد للسينما مسارا. ولكي يخرج من أزمته، توجب عليه أن يتطور في اتجاه ما، فتطور وفجر نظرية كانت طموحة جدا لمجموعة من المخرجين السينمائيين التونسيين، في أواسط الثمانينيات في تونس: النوري بوزيد، فريد بوغدير، منصف الدويب ومحمود بن محمود.. وحاولوا أن يشكلوا تيارا سينمائيا وطوروا شعار: «هذا هو الواقع»، واستخرجوا منه خطابا أكثر شذوذا، معتقدين أنهم وجدوا الحل الذي كان أصحاب ذلك الشعار، يبحثون عنه. فإذا كان أصحاب ذاك الشعار لم يحددوا كيانا ليتمردوا عليه، فقد حدد التونسيون هذا الكيان، إنها الهوية والثقافة! وبدل أن تحمل هذه السينما خطابا يرفض الواقع، حملت خطابا يرفض الهوية والثقافة، وبدل أن ينسبوا التخلف للواقع (المتحول)، ويعطوا لجمهورهم الحلم والأمل في تغيير هذا التخلف، نسبوه إلى الهوية والثقافة (الثابت)، ويدعون لتغييرها.
كانت أفلامهم صادمة مؤلمة، كمن يستدعيك للاستمتاع، وعندما تركض نحوه بقوة، تصطدم به بنفس القوة. كانوا يستهدفون جهارا وبوضوح، الهوية والثقافة العربيتين. وكانوا على ما يبدو، على قناعة بنجاح انطلاق هذا التيار. كانت أفلامهم الأولى مشهورة فقط لأنها تثير الضجيج الكبير والجدالات الواسعة، التي كانت تتفجر في الأوساط السينمائية العربية: «ريح السد» و «صفائح من ذهب» للنوري بوزيدو «حلفاوين» لفريد بوغدير، و «يا سلطان المدينة» لمنصف الدويب، و «حب الرمان» لمحمود بن محمود…الخ. لكن بعد سنوات قليلة تبين أن المشروع فشل، وأن الطموح ليس إلا نزوة عابرة، وما كانو يعتقدونه تيارا، ليس تيارا، ولم يستطيعوا أن يقدموا أفلاما تكمل المشوار الذي بدؤوه. وهذه نتيجة طبيعية لسينما تحمل خطابا شاذا يدعو لتغيير (تدمير) ماهو راسخ ومتجذر: الثقافة والهوية. أما لماذا تونس بالضبط، من بين البلدان العربية الأخرى؟ فأعتقد أن ذلك يعود إلى المناخ الثقافي السائد في تونس أنذاك، والذي يتم فيه الترويج للعلمانية بالمفهوم الرائج في الغرب. وكان النظام البائد، يريد أن يحقق التقدم من خلال مواجهة الإسلام بالعلمانية، كما واجه الغربيون هيمنة الكنيسة ـ وليس الديانة المسيحية ـ بالعلمانية. هذا التيار، كان ينادي بتحطيم»الأصنام التي ما دمنا نتمسك بها» فإنها تقودنا نحو التخلف، وهي العروبة والإسلام.
ينطوي مفهوم السينما الواقعية على تناقض يجعل العلاقة بين لفظتي: السينما، والواقعية، علاقة جدلية. فالفيلم يتحقق كعمل فني إبداعي، عبر مخيلة وخيال المبدع. وبناء عليه، إذا اعتمدنا على الخيال وحده، يمكن أن نصنع أفلاما تحمل مضامين ذات بعد إنساني أو إيديولوجي، وهذه بديهية. لكن إذا اعتمدنا الواقع وحده، لا يمكن. فالواقعية السينمائية ليست الواقع في السينما، وإنما هي ذلك الواقع المتخيل، أي تضمين الفيلم أقوى وأكبر قدر من مؤشرات الواقع، وبكل ما يحمله ذلك من تناقضات.
بهذه البديهيات، نستنتج أن السينما الواقعية، ليست سوى منهج إبداعي وتعبيري ينهجه المبدع السينمائي لتقوية التأثير في المشاهد وتوجيهه. وإذا تأملنا كلام المخرج المصري أسامة فوزي:»لقد رأيت هذا بعيني في الواقع»، و»لقد وقعت هذه الأشياء وسط عائلتي..». نجد أنه ليس فقط غَلَّب الواقع على الخيال، وإنما أعطى للواقع سلطة التحكم في الخيال، بدل أن يكون العكس. ومن هنا يمكن تفسير الإصرار والشعور باليقين والتوتر الذي تحدث به.
عندما عرض الفيلم المغربي «جوق العميين» في التلفزة، قلت للمخرج، عبر دردشة في الفيسبوك: « ..حديث أحد الشخصيات عن أن فرنسا فيها أطباء جيدون… أنا كمغربي أسأل: كيف سيكون شعور الفرنسيين عندما يشاهدون الفيلم ويسمعون ذلك؟ ..سيشعرون بضخامة الأنا العلوية لديهم تجاهنا، وأنهم أمام فيلم (عالمثالثي).. الفيلم يفتقر إلى البعد الإشهاري لمحليته، والأكثر من هذا أنه يقدم الإشهار مجانا للآخر مع الأسف». رد قائلا: «..الشخصيات لها استقلاليتها، الكاتب ليس إلا ناسخا. هذه من أولويات وبديهيات الكتابة الدرامية… إذا كانت الشخصية في الفيلم تتماهى بالفرنسي، شيء نجده سائدا في مجتمعنا، فلأن بنيتها كذلك، وهذا لا يعكس إطلاقا رأي الكاتب». وهذا الرد ينبع من نفس العين التي ينبع منها رأي المخرج المصري أسامة فوزي، بقوله: شاهدت ذلك في الواقع، أو حدث ذلك في عائلتنا.
عندما يعتبر المبدع السينمائي نفسه مجرد ناسخ للواقع، وأن شخصياته لها استقلاليتها، ويقدم لنا شخصية مغربية تقوم بتمجيد الفرنسي. فهذا ينطوي تحت فهم قاصر لعملية الإبداع السينمائي، يجعلها عقيمة وعاجزة عن اتخاذ مواقف أيديولوجية تدعم هويته، وانتقاء خيارات جمالية متطابقة مع رغبة المشاهد المحلي في بعده الكوني والإنساني. وهذا ليس فقط تنصل من المسؤولية الثقافية للمبدع السينمائي، بل انقلاب على الخطاب السينمائي المغربي (فيلم مغربي يحمل خطابا فرنسيا). ويتم تمرير هذا الخطاب تحت شعار: «هذا هو الواقع». وهذا الشعار في السينما باعتبارها فنا، لا يكتفي بإنتاج»سينما الواقع»، بل ينتقي من الواقع مظاهر التخلف لعرضها على الشاشة، لأنه يستمد فرجته من هذه المظاهر.
تعامل السينما مع الواقع، لا يتم إلا بدافعين، لا ثالث لهما: إما بدافع تغييره، وإما بدافع تكريسه، وأمام مقولات كــ «لقد رأيت هذا بعيني في الواقع». و»هذا شيء نجده سائدا في مجتمعنا» و»الكاتب ليس إلا ناسخا». فبدل أن نشرح الواضحات، من الأفضل أن نسأل: هل هذه المقولات، صادرة من تفكير إبداعي ينجز الأفلام من أجل تغيير الواقع أم من أجل تكريسه؟