شهدت مدينة الدار البيضاء، يوم الأربعاء 18 ديسمبر 2024، حادث سير مأساوي أعاد النقاش حول الشاحنات الثقيلة (“الرموكات”) ومدى خطورتها في شوارع المدينة. وقع الحادث
عندما اصطدمت شاحنة كبيرة بمحطة ترامواي في شارع ابن تاشفين،” على مستوى تقاطع شارعي عقبة بن نافع والحزام الكبير بالدار البيضاء، مما أسفر عن وفاة ثلاثة أشخاص وإصابة آخر بجروح خطيرة. ووفقًا لمصادر من شركة ترامواي البيضاء، فقد فقد سائق الشاحنة السيطرة بسبب عطل في الفرامل، ما أدى إلى هذه الكارثة الإنسانية والمادية.
ليست هذه المرة الأولى التي تتسبب فيها الشاحنات الثقيلة في حوادث مأساوية بالدار البيضاء التي تعاني من مشاكل مرورية حادة ناتجة عن مرور هذه الشاحنات عبر شوارعها الرئيسية، وهو ما يؤدي إلى حوادث سير متكررة واكتظاظ مروري خانق. البيضاويون يعتبرون هذه المركبات بمثابة خطر متنقل يهدد حياة مستعملي الطريق، سواء أكانوا راجلين أو سائقي سيارات أو دراجات نارية، بسبب السرعة المفرطة التي يستعملها بعض سائقيها والتجاوزات غير القانونية حتى إن بعضهم يجعلون من الشوارع حلبة للتسابق بينهم في استهتار تام بحياة مستعملي الطرق ناهيك عن ما يسمى بالزوايا الميتة التي تنعدم فيها رؤيتهم لباقي مستعملي الطريق سواء الدراجات أو السيارات الصغيرة لكبرها وعلوها عن باقي المركبات.
هذه الوضعية التي يعيشها البيضاويون كل وقت وحين بجميع الشوارع والتي يتفاقم حولها النقاش وكذا الغضب وعدم الرضا كلما وقعت حادثة بطلها أحد هذه “الرموكات”، اتخذت السلطات المحلية بشأنها عدة قرارات تهدف إلى الحد من تأثير الشاحنات الثقيلة على حركة السير داخل المدينة، فمنذ ثلاث سنوات تقريبا (في عام 2022)، أصدر مجلس جماعة الدار البيضاء قرارا بمنع مرور الشاحنات التي تزيد حمولتها عن 3.5 طن في الشوارع الكبرى من الساعة السادسة صباحا حتى السابعة مساء، وكان الهدف من هذا القرار هو تحسين سيولة المرور وضمان سلامة المواطنين كما تم التخطيط لإنشاء منصات لوجستية، بمناطق مثل زناتة وعين حرودة، لنقل البضائع من الشاحنات الكبيرة إلى شاحنات صغيرة مخصصة لتوصيلها إلى داخل المدينة، هذا الإجراء يهدف إلى تقليل وجود الشاحنات الثقيلة في المناطق الحضرية.
لكن على الرغم من أهمية هذه القرارات وأهمية الأهداف المتوخاة منها تأخر تنفيذها الذي كان محددا في شهر مارس الماضي، إذ لا يزال العديد من سائقي الشاحنات يتجاهلون القوانين ويمرون عبر شوارع المدينة بشكل عادي، بل إن هناك مناطق بعينها أصبحت ممرا مفضلا لهم مثل منطقة عين السبع التي تعاني ساكنتها من المرور المتكرر لهاته الشاحنات وسط الشوارع الضيقة وأمام المدارس دون أي رقيب، مع ما يشكله ذلك من خطر كبير على حياة الساكنة، فالسائقون يعتبرون أن استخدام الطريق الساحلي سيضيف حوالي 70 إلى 80 كيلومترا إلى مسافة الشاحنات، ما يعني زيادة كبيرة في تكلفة النقل. كما أن التكاليف المرتفعة قد تؤدي إلى ارتفاع أسعار السلع في الأسواق، مما يثير القلق، كما أن تواجد مصانع ومحطات جافة وسط المدينة، مثل تلك الموجودة في الصخور السوداء وعين السبع، والتي تجذب مئات الشاحنات يوميا لنقل البضائع وتوصيلها من وإلى الميناء أوالمستودعات يزيد من صعوبة تنفيذ هذه القرارات حسب مهنيين للنقل، ناهيك عن تأخر في اكتمال الطريق الساحلي المخصص لمرور الشاحنات الكبرى بسبب مشاكل في توفير الوعاء العقاري.
تشير الإحصائيات إلى أن أكثر من 1.2 مليون مركبة تجوب شوارع الدار البيضاء يوميا، وهو ما يعني أن حركة الشاحنات الثقيلة في المدينة تزيد من تدهور البنية التحتية وتخلق ضغطا إضافيا على الطرق والمرافق العامة، كما أن وقوع الحوادث القاتلة يعمق غضب السكان الذين يطالبون بتحرك جدي للحد من هذه المخاطر لذا يطالبون بالإسراع بتنفيذ القرارات وتفعيلها وتطبيقها بشكل صارم لضمان احترام الشاحنات الثقيلة للقيود المفروضة على مرورها داخل المدينة، وذلك تفاديا للحوادث القاتلة التي تتسبب فيها سواء بالنظر لحالتها الميكانيكية أو بسبب تهور السائقين، وكل تأخر يدفع ثمنه مستعملو الطريق والمارة مثلما حدث الأسبوع الماضي حين دفع مواطنون أبرياء ثمن تأخر تنفيذ قرارات مصيرية وعدم التسريع في وتيرة تنفيذ مشاريع لوجستية وبنية تحتية مما كان سيساهم في التخفيف من معاناة السكان والمحافظة على أرواحهم وتجنب مآسي إنسانية سببها الإهمال والتباطؤ في التنفيذ، مما يحول دون توفير بيئة آمنة ومستدامة للسكان، ويفضي إلى تداعيات كارثية على المستوى الإنساني والاجتماعي وكذا الاقتصادي.