الشاعر البنغالي أمين الرحمن: سيبقى الشعر الحقيقي واقفاً على قدميه

تعرفت على الشاعر البنغالي أمين الرحمن (مواليد داكا 1966) أثناء حضوري مهرجان الشعر العالمي في تيتوفا بشمال مقدونيا في خريف 2019. لفت انتباهي بالزي التقليدي البنغالي الذي كان يرتديه. كنت مثله أرتدي الزي التقليدي الكردي، اللفة الحمراء، والشروال الواسع والسترة مع الحزام. لعل هذا ما جذبني إليه وجذبه إلي. كنا شاعرين ينتمي كل واحد منا إلى أمة عانت في سبيل لغتها الكثير. سرعان ما ازدادت معرفتي به عمقاً. شاعر يحمل الضوء وسحر الكلمة البنغالية في قلبه، يذهب بهما إلى أنحاء العالم يبشر بالحب والسلام. وكان هذا اللقاء معه.

p يقول الناقد البنغالي تاكر حسين: في قصائد أمين الرحمن، يشعر المرء بروح الوحدة والحزن الأساسي والشعور بالفراغ والخطاب العاطفي لقلب مهشم. من أين يأتي كل هذا الحزن؟

n ليست الوحدة سبباً للحزن. ولا حتى القلوب المكسورة! الإنسان في الحقيقة هو كائن وحيد جدًا. لا يملك المرء أي شيء بدون ذاته. أنا شخصياً أستمتع بالوحدة، وأحيانًا كنت أفرض الوحدة على نفسي. أحب الثقافة -والحزن والوحدة. عندما يمكن لأي شخص أن يشعر بالوحدة أو الحزن فإنه من الأسهل ملامسة روحه. لقد حاولت دائمًا رؤية العوالم الداخلية للإنسان. وهذا مستحيل طبعاً بدون الوحدة.

p الشعر البنغالي غير معروف تقريباً للقراء العرب. ما هو السبب برأيك؟

n لا أعلم. لكن في الأدب البنغالي نصادف الكثير من الكلمات والتاريخ والتعابير القادمة من الثقافة العربية. مير مشرف حسين كتب ملحمة (بيشاد سيندو) عن كربلاء منذ أكثر من 100 عام وهذه الملحمة كنز من كنوز الأدب البنغالي. استخدم الشاعر العظيم قاضي نصر الإسلام الكثير من الكلمات العربية والفارسية منذ 100 عام مضى، ونتاجه جزء لا يتجزأ من أدب البنغاليين الآن. البنغالية هي اللغة الأم لبنغلاديش حيث تزيد نسبة السكان المسلمين عن 90 في المائة. لقد كتب العديد من الكتاب والشعراء البنغاليين المسلمين العديد من النصوص التي تتعلق بالعالم العربي.

p اعتدنا على اعتبار الشاعر طاغور كشاعر هندي. لكنني قرأت في العديد من المواقع أنه بنغالي. هل هناك صراع حول الشاعر بين الهنود والبنغاليين؟

n لا، لا يوجد ما يمكن أن نسميه صراعاً حول موضوع انتماء الشاعر طاغور، في بنغلاديش الشعب بنغالي ولغتهم البنغالية. اللغة المتداولة في البنغال الغربية في الهند هي اللغة البنغالية أيضًا. ولد طاغور وتوفي قبل التقسيم عام 1947 في كالكوتا بغرب البنغال. ولكن كان له تأثيرات قوية من بنغلاديش في إنشائه.
ولد رابيندراناث طاغور عام 1861 وتوفي عام 1941. وحصل على جائزة نوبل عام 1913. وحتى عام 1947 كانت شبه القارة الهندية بأكملها تضم الهند وباكستان وبنغلاديش. لذا كان طاغور ينتمي إلى شبه القارة الهندية التي كانت بنجغاديش جزءًا منها. قضى طاغور ما يقرب من 10 سنوات في بنغلاديش من عام 1889 إلى عام وبقي على مدى أيام يبحر بالقارب الذهبي في نهر بادما في بنغلاديش. كتب طاغور أعمالاً كثيرة وهو في بنغلاديش.
ليست الوحدة سبباً للحزن. ولا حتى القلوب المكسورة! الإنسان في الحقيقة هو كائن وحيد جدًا. لا يملك المرء أي شيء بدون ذاته. أنا شخصياً أستمتع بالوحدة، وأحيانًا كنت أفرض الوحدة على نفسي.

p لقد قمت بتمثيل بلدك بوضوح في العديد من المهرجانات الشعرية الدولية. هل تعتقد أن الشعر في هذه الحقبة يمكن أن يلعب دوراً في شرح القضايا الحاسمة للشعوب؟

n ليس بشكل مباشر. إنما تجري الأمور بطريقة غير مباشرة. فالمهمة الرئيسية لأي شاعر هي كتابة القصائد. يمكن أيضًا إبراز الموضوعات الملحة والحاسمة في الشعر. ولن ننسى أن الشعر ساعد حتى على نشوب الثورات والتغني بالحرية وطرح العديد من المشاكل الاجتماعية في الماضي. يجتمع الشعراء خلال المهرجانات والشعر لتبادل الأفكار والتجارب وتكوين روابط شعرية حول العالم.

p كيف ترسم ملامح المشهد الشعري في بنغلاديش؟ هل توجد مدارس شعرية جامعة أم أن لكل شاعر سماء خاصة به يطير فيها؟

n البنغالية هي لغة قديمة جدًا نشأت من اللغة السنسكريتية. قبل طاغور كان أهم شاعر كتب باللغة البنغالية هو ميكائيل مادهوسودان دوتا. أما في المرحلة التي تلت طاغور فقد كان الشاعر الأكثر أهمية هو قاضي نصر الإسلام، الشاعر الوطني لبنغلاديش. في ثلاثينيات القرن الماضي كان تأثير خمسة من الشعراء هائلاً، وكان من أهمهم جيباناناندا داس من بنغلاديش. في الواقع في بنغلاديش بدأت المرحلة الشعرية الحديثة في الخمسينيات. ففي عام 1952، تحرك الناس في نهاية المطاف في 21 فبراير / شباط، لحماية اللغة الأم. الشاعر شمس الرحمن، المحمود، فضل شهاب الدين، شهيد قادري، علاء الدين الأزاد، سيد شمس الحق، هناك شعراء معاصرون مهمون للغاية ساعدوا في خلق قاعدة صلبة من الأدب في بنغلاديش.

p كيف أثر الإسلام على الشعر البنغالي؟ هل هناك تأثيرات بوذية أو هندوسية متبقية في الأدب البنغالي بشكل عام؟

n إن التأثير الإسلامي ليس كبيرًا للغاية في اللغة البنغالية، لكن الشاعر قاضي نصر الإسلام قام بإدخال العديد من الكلمات من العربية والفارسية إلى اللغة البنغالية. أما فروخ أحمد، إلى جانب آخن، فقد كان شاعرًا كتب العديد من القصائد الإسلامية الجيدة.
لقد تأثرت الثقافة البنغالية جزئياً بالثقافة الهندوسية، وبمستوى أقل بالثقافة البوذية. والسبب هو أن الهندوس حكموا أرض البنغال لسنوات عديدة. إن الثقافة البنغالية أصبحت أيضًا جزءًا من الثقافة الإسلامية. إنها حياة مشتركة فريدة حقاً.

p تتوزع تجربتك الشعرية على مجموعات شعرية عديدة. كيف ترى دور الشعر في هذا العصر الرقمي الذي يتسم بإيقاع سريع للغاية؟

n ينتمي الشعر دائمًا إلى شريحة أدبية ذات إيقاع بطيء وثابت. وكنت دائما من أنصار هذه الفكرة. إن العالم يتحرك بسرعة كبيرة الآن، هذا صحيح، لكنني أعتقد أن الشعر يتحرك بموجب إيقاعه الخاص به، وبالتأكيد ليس بسرعة. أنا لا أرى أي تعارض بين الرقمية والتقليدية. الزمن كفيل بأن يتخذ تدابيره الخاصة مستقبلاً. بالتأكيد إن امتزاج أنواع وأجناس أدبية مختلفة سيمنحها وجهاً خاصاً ونقاط قوة مختلفة.

p اضطهدت السلطات الباكستانية اللغة البنغالية، وأراد الرئيس محمد علي جناح أن يقول إن الإسلام هو الهوية المشتركة، لكن البنغاليين حافظوا على خصوصيتهم ودافعوا عن لغتهم حتى سقط بعض الطلاب قتلى في الاحتجاجات لأجل الانتصار للغة البنغالية قبل سبعين عاماً. كيف ترى قضية اللغات المظلومة والمهمشة؟ لماذا اللغة مهمة في تعزيز الهوية؟

n قبل حرب التحرير عام 1971، اعتبرت بنغلاديش شرق باكستان. لكن تم تقويض شرق باكستان وقمعها دائمًا بعد خروج البريطانيين من شبه القارة الهندية عام 1947. كان غالبية شعب باكستان الشرقية يتحدثون البنغالية أما في غرب باكستان فقد كانت الأردية هي اللغة المهيمنة. في عام 1948، أعلن محمد علي جناح أن اللغة الأردية ستكون لغة باكستان الموحدة، وكانت هذه هي نقطة البداية. في 21 فبراير 1952 بلغت الاحتجاجات ذروتها وقتلت السلطات العديد من الطلاب. وإلى الآن يتم الاحتفال بهذه الذكرى باعتبارها اليوم العالمي للغة الأم في جميع أنحاء العالم.
اللغة هي التي تحدد هوية الأمة. بالنسبة لنا فإن اللغة الأم في بنغلادش هي البنغالية. هذه هي هويتنا. يتحدث أكثر من 90 في المائة من السكان باللغة البنغالية فقط. إذا جاء شخص ذات يوم وقال لي إن والدتك أردية، هل تعتقد أنني سأقبل؟ لا بالطبع. لذا فالمسألة بسيطة للغاية، يمكنك تحديد هوية أمة بلغتها الأم. لا يوجد ضرر لمعرفة المزيد من اللغات ولكن اللغة الأم هي عادة واحدة على الرغم من وجود استثناءات أيضًا. في الحالة البنغالية أرادوا تغيير لغتنا الأم ومحو هويتنا من خلال ممارسة القوة. وهو أمر سخيف بطبيعة الحال.
ليست اللغة وعاء يستخدم لأغراض التواصل فقط ولكنها تحمل ثقافة الأمة وطقوسها التاريخية وملامحها أيضًا.

p لقد زرت العديد من البلدان وحضرت العديد من المهرجانات الشعرية. هل رأيت قاسمًا مشتركًا يجمع الشعر حول العالم؟ ألا تعتقد أن الشعر يفقد بريقه يومًا بعد يوم؟ هل سيصمد الشعر وينتصر في النهاية؟

n نعم صحيح، لقد زرت العديد من البلدان وحضرت العديد من المهرجانات الشعرية في الـ 35 سنة الماضية. لا يمكن لمهرجانات الشعر أن تخلق وتنتج شعراً ولكنها ستساعد في إبرام صداقات بين الشعراء حول العالم. إن اللغات والثقافات تختلف لكننا نتشابه كثيراً. انظر مثلاً، لقد التقيت بك في مقدونيا العام الماضي في مهرجان الشعر، لم يكن أحدنا يعرف الآخر في وقت سابق. لكننا أصدقاء مقربون للغاية الآن. في المهرجانات الكبرى، قد لا يكون 50 بالمائة من الحاضرين شعراء جيدين جدًا، لكن 50 بالمائة هم عادة شعراء جيدون. وقد عاينت ذلك بنفسك. الصداقة بين الشعراء الصالحين دائما منتجة ومفيدة. في وقت سابق كانت مهرجانات الشعر الجيدة تتمتع بالسحر والهيبة ولكنها الآن بدأت تفقد ذلك المجد. قد يكون أحد أهم الأسباب هو أزمة المنظمين الاقتصادية. في حالات قليلة جداً، كان المنظمون يتنافسون لأجل تحقيق الجودة. على الرغم من كل شيء سيقف الشعراء شامخين، وسيبقى الشعر الحقيقي على المدى الطويل واقفاً على قدميه.


الكاتب : حاوره: جان دوست

  

بتاريخ : 02/08/2022