الشاعر الغنائي محمد الصقلي من روما

 

الحنين يعتصر قلبي ..حنين للوطن، للأرض ولرائحة التربة.. نحن نعيش زمن أغبر تحت غيوم «فيروس» زاد من وجع الغربة والاغتراب

 

نعيش مرحلة جعلت الإنسان يغير عاداته في ظل « الحجر الصحي» الذي تم اختياره عالميا كمنهج للقضاء على داء كورونا، مما ترتب عن الأمر تعامل فكري خاص مع الوضع وظهور « فلسفة « ما قبل عصر كورونا و ما بعدها.
في مواجهته لذاته و لواقعه سواء المحلي أو الخارجي، و تحت وطء هاته الضائقة، بدأ كل فرد / إنسان يعيد التأمل في الحياة محاولا إعطاء «المحنة» تفسيرا فلسفيا أو اجتماعيا أو بيئيا أو دينيا.. كل حسب خلفيته الثقافية… فما بالك لو كان هذا الإنسان، مبدعا بل ومغتربا أيضا، كما هو الحال بالنسبة للإعلامي و الكاتب و الشاعر الغنائي محمد الصقلي، المقيم بإيطاليا منذ سنوات.
عن هاته المعاناة و عن كورونا وتداعياتها، كان لجريدة « الإتحاد الإشتراكي» فرصة التقاط هذا البوح الإنساني خلال هذا الحوار.

 

p كيف يعيش الأستاذ محمد الصقلي إحساسه بالغربة، خاصة مع تزامنها مع مواجهة العالملوباء كورونا؟

طبعا الحنين يعتصر قلبي..حنين للوطن، للأرض ولرائحة التربة. الوجوه تحضرني والأمكنة ظلت تقاوم عتمة الذاكرة. نحن نعيش زمن أغبر تحت غيوم «فيروس» زاد من وجع الغربة والاغتراب. هي فترة صعبة علينا، ففي روما كما في بقية أصقاع العالم بات الحصار قدرنا المشترك، إذ تساوى فيه الجميع. وكل على حدة، يبدع في ابتكار سيناريوهات فاجعة لمصير الإنسانية، ليصبح حديث معاد بطعم المرارة.
p فكيف تقضي أيامك خلال هذا الحجر الصحي؟
n أحاول قدر الإمكان مقاومة السأم والتحايل على الكآبة الجاثمة على القلوب و النفوس. صراحة خلال هاته الفترة، لا يسعفني كثيرا التركيز، وأنا بين جدران تخاطبني بلغة الهلع والفزع، وكتب أجدها فقدت جاذبيتها. وبالتالي فإنني بالخصوص أداوم قبل النوم وفي الصباح الباكر على الإنصات للقرآن، إذ ألتمس فيه ومنه قبسا من روح لله.
فضلا عن كل هذا، أشعر بأن الزمن بطيء، وأقضي الوقت أحيانا أتأمل في الواقع مما يجعلني أطرح عدة أسئلة، هل سيطول انتظارنا؟ هل النفق أطول من أعمارنا؟
ماذا يسعفنا أن نقوم به لكي نضيء هاته العتمة القائمة، سوى تقوية يقيننا بكون الفرج المأمول سيأتي قريبا على يد إله رحيم كريم.
p ماذا أسفرت عليه تأملات محمد الصقلي، وكيف يتوقع أن تصير عليه أمور عالم ما بعد كورونا، بعد الانفراج بإذن لله؟
n لست خبيرا في الاقتصاد أو عالم اجتماع، لكن باعتقادي أن النظام العالمي الذي انطلق في القرن الماضي بوهم تحرير الشعوب أو ما اصطلح عليه ب» استقلال الشعوب «، إنما في حقيقته وجوهره ما هو إلا «تحويل العالم إلى سوق استهلاك مدم ر»، وهذا النظام نفسه هو الذي تعزز بالعولمة ليصير أكثر ضراوة، و هو الذي أدى في نهاية المطاف إلى إفلاس وإلى فشل كارثي. ففي نظري، أن الدرس الأساس المستخلص من فترة «كورونا» التي نعيشها حاليا،هو أننا الآن أمام نقيضين:
نظام اعتمد المال، والمال وحده، كنظيمة مركزية للإنتاج والتنمية، وحول الفرد إلى مجرد أداة أو جهاز و«روبو بشري»، وفي المقابل، (والمرجح أن هذا هو النموذج الاصح و الأبقى)، نجد صورة الفرد، التي تعطي قيمة لهذا الفرد / الإنسان، كمصدر أساسي للإنتاج والتنمية.
ففي النموذج الأول الذي انتهى بنا إلى ما نحن عليه، نجد أن المال أفسد السياسة والديموقراطية والعملية الانتخابية..، كما أهدر القيم و اجترح قوانين مجحفة في استعباد المجتمعات والدفع بها إلى الهاوية والاستهلاك المدمر للإنسان والبيئة.
وبالتالي أرى بأنه يتعين على العالم ليس فقط إعادة النظر فيما سبق، وإنما الإلغاء الفوري لما أصبح مسلمات كاقتصاد السوق وعقلية الربحية الجشعة وإهدار كرامة الفرد عبر سياسات المديونية المغرضة. وبعد أن نخرج من هاته الضائقة بأمان، العمل، أولا وأخيرا،على اعتماد نظم المعرفة والعلوم، وأيضا تبني «القيم»، باعتبارها منطلقا أساسيا لبناء نظام عالمي جديد.


الكاتب : حاورته: سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 14/04/2020