الشاعر الفرنسي كلود إسطيبان أو التركيب المقتضب

ربما قرأتُ دواوين شعرية ونسيتها بسرعة. وأخرى تزعجني لأعيد قراءتها. هذا ما يحصل مع الشعراء المهمين وليس الكبار. المسألة مختلفة. وحين قرأت ديوان إسطيبان (1935-2006) الموسوم بـ «الاسم والمسكن»، توقفتُ لينتابني إحساس غريب تجاه اللسان الشعري وكأن النص المكتوب لهذا الشاعر وضعني في سماء لا قشرة أوزون لها. حيث وجدت نفسي أمام تركيب شعري مقتضب lapidaire لا
يقول العالم بصخب لأنه يتذكر أن جسم الشاعر قد يصير صورة لحديقة رمزية. مصادفة الجسم والحديقة: تلك الفقرات المتوترة التي تشكل ثقبا شعريا حتى تضحي الكتابة أعمالا تطبيقية من أجل تكثيف المعنى. كلود إستيبان من صنف الشعراء الذين يكتبون ليسهموا (بتشديد الهاء) طرق الكتابة الشعرية. ومن هنا طراوة ما تصاعد من بعض الشعر الفرنسي المعاصر دون الدخول في إيديولوجية الأجيال.
الشاعر الذي أترجم بعض مقاطعه في هذا الحيز يشتغل بالأساس على وضع أشكال جديدة للشعر كي تحتفي بتقليد لن يكون جامد ومجمدا.
المهم ليس ما الذي يكتبه الشعراء؛ بل كيف يكتبون ما تبقى من لسان وتمتمة محتملة؟

*من الفجر إلى الظهيرة

أخرج. لي عينان
جديدتان. أرى
النهار.
أتوقف
لأراه. ثم أستأنف. لا أؤمن بتاتا. بل ألمس
النهار
بعيني.

لا شيء هنا
غيره.
كأنها شمس
تطلع
وتبهرني.

فجأة كانت الأرض
لا ظلال. لا وسائط
سوداء.

لا حشرات
للفصل. لا ضغائن كذلك.
لا أروقة.

فجأة كانت الأرض.
وبالصدفة مذرية.
ثم الحبة انبلجت هي الأخرى بغتة.

فجأة
كان الجذع متواصلا.
والحيز مجدولاً.

لحسن الحـظ
انتهت الأرض سليمة.
تأخرت كثيرا.
لن أنتظر أبداً.

أركض
في صباح العالم.
كل شيء يناديني. والكل مرة أخرى دان.
عشب.
وحشرة كان عهدها حديثا.
كطنين الرموز
تحت الأوراق.

الفضاء، أمامي.
زهيد،
وشاسع.

هذا الغصن
من فوق.
عهد فواكه ثقيلة، وسماء
ثابتة.

أرتفع. تسكنني الرغبة.
حيث الظمأ إلى حد المعصمين.

في الهواء الذي يجمد
أقاوم.

سوف آخذ
حصبة.

تلك التي تأتي صدفة. وازنة
في اسمها كما هو.

سـأمحو كل الخارج.
أمنح
دمي
إلى الحصبة ذي.

لا لشيء.
فقط لأحتفظ باسمها. ولأتعلم أيضا
يوما بعد يوم
جسمها الذي من حجر.

* كلود إسطيبان (من ديوان: الاسم والمسكن. دار النشر: فلاماريون)


الكاتب : ترجمة وتقديم: احساين بنزبير

  

بتاريخ : 02/06/2023