الشاعر المهدي أخريف لـ «مدارات» : التجارب الشعرية اليوم تتشابه، مع استثناءات قليلة القصيدة المترجمة تحظى بحياة جديدة خارج لغتها الأصلية

استضاف برنامج «مدارات» الذي يعده الزميل عبد الله التهاني، في حلقته السبت الماضي، واحدا من أهم شعراء الحداثة بالمغرب، ممن يحفرون تجربة متفردة لمسارهم الشعري والكتابي، الشاعر المهدي أخريف.
اللقاء أضاء مساحات خبيئة في تجربة أخريف الأدبية واهتماماته الجمالية، بالإضافة إلى أعماله الترجمية لأبرز المبدعين في البرتغال وإسبانيا وكولومبيا والبيرو، وإن عُرف بشكل أكبر بترجماته للمتفرد المتعدد فرناندو بيسوا، إذ يعتبر أخريف أول من عرّف العالم العربي على أعمال بيسوا، كما عرج اللقاء على التجربة المتفردة التي خاضها أخريف مع المهندس المعماري عبد الواحد منتصر، والتي أثمرت عددا من المؤلفات حول الشعر والمعمار.

 

تطوير المنجز الشعري
وهو يعود إلى بداياته الشعرية الأولى، طرق صاحب «فقاعات حبرية» باب العشق الأول الذي قاده إلى ضوء الشعر، قبل أن يسرقه سناه إلى درب اللامتناهي بجانب جيل شكل في فترة السبعينات أوج توهج الحركة الشعرية بالمغربية، مع محمد بنيس، عبد الله راجع، محمد بنطلحة، حسن الأمراني، محمد علي الرباوي، الفؤادي…حينها كان مفهوم الجيل مرتبطا إلى حد ما بالانتماء الإيديولوجي.
اليوم يؤكد صاحب» سماء خفيضة» أن مفهوم الجيل تغير ولم يعد له أية قيمة معيارية بعد نضوج التجارب الشعرية للعديد من الشعراء، حيث أصبحنا أمام معايير جديدة هي ما يمنح لكل شاعر مكانته التي يستحقها ومنها قدرته على تطوير منجزه الشعري باستمرار، بعد أن كانت الطبيعة النضالية هي التي تحدد قيمة المنجز الابداعي للشاعر، معتبرا أن القيمة الفنية الحقيقية هي المعيار الأبقى.
وفي توصيفه للمشهد الشعري المغربي اليوم، لا يخفي صاحب «لا أحد اليوم ولا سبت» تبرمه الشديد مما ينشر اليوم ، خاصة مع اتساع إمكانيات النشر ووسائل التواصل الاجتماعي . وفي هذا السياق اعتبر المهدي أخريف أن التجارب الشعرية اليوم تتشابه لامتياحها من نفس المنبع، واتسامها بالسطحية ومحدودية المعجم، ومع ذلك لا ينكر الشاعر أن هناك استثناءات قليلة تنحت تجربتها في الظل رغم موهبتها وامتلاكها لنفس ورؤية شعريين حقيقيين، مقدما أمثلة بالشاعرتين فدوى الزياني وسكينة حبيب الله والشاعر الراحل محسن أخريف.

زفزاف تشيخوف المغاربة
في تعليقه على انتقال عدد من الشعراء المغاربة إلى كتابة الرواية، عاب الشاعر المهدي أخريف على الكثيرين من الشعراء ومن لهم اهتمامات خارج الأدب، ممن تطفلوا على هذا الميدان الذي له أدواته وتقنياته الفنية، ملاحظا أن بعض الأطباء وبعض السوسيولوجيين ممن اتجهوا الى كتابة الرواية، لا يمتلكون الشروط الأدبية والفنية ولم يختبروا هذا الفن أو يخلقوا له، مما يجعل أعمالهم تبعث على الضيق لكثرة التمطيط والشخصيات، لأن الأصالة مفقتدة فيها وإن كانت بعض التجارب ناجحة في هذا الإطار، فإنها تظل استثناء.
بخلاف ذلك، يؤكد أخريف على أن محمد زفزاف كاتب من طينة نادرة، لذا يضعه ضمن المقام الأول بين كتاب المغرب، معتبرا أن قوة زفزاف تكمن في بساطة تناوله لكل ما يكتبه سواء في حجم قصصه ـأو بساطة شخصياته وعوالمها الفقيرة، وهو ما يجعل لمسة الساحر العجيب تطبع كل أعماله، مضيفا أن زفزاف الإنسان البسيط في عمقه وإنسانيته، يمثل تشيخوف الروس.

الصوت الشعري الخاص
هل كل شاعر يصبح حتما ناقدا كما قال بودلير؟
يؤكد صاحب «المدينة السعيدة» و»المدينة والشعر»، بالاشتراك مع المهندس المعماري عبد الواحد منتصر، أن الشاعر لا بد أن يكون ناقدا، وهو ناقد بالفعل، لأن الشاعر وهو يطور قراءاته ومقروءاته، يطور بالتالي حسه النقدي، والعين الناقدة تكون حذرة لديه باستمرار. فبقدر ما يكون الشاعر حريصا على مقروءاته، وحريصا على التدقيق في عملية القراءة، فإنه يتحرر من التأثيرات التي يتلقاها من الشعر التقليدي أو الحديث، منبها إلى أن أهم شيء بالنسبة للشاعر هو العمل على نحت صوته الشعري الخاص، وهو ما يتطلب منه الخضوع لتمرين صعب يقترن بالصرامة وبالقدرة على المغامرة وتحمل الخسارات.

أخريف البيسوي
يعتبر المهدي أخريف أول من عرف العالم العربي على أعمال فرناندو بيسوا، من خلال الترجمات الرائقة التي قام بها لعدد من أعماله، وإن كان يعتبر أن أهم عمل ترجمي بالنسبة له هو ترجمته لكتاب «اللاطمّأنينة « لبيسوا وهو عمل في غاية الصعوبة، لكونه كتابا نثريا يحار القارئ في تصنيفه، ولأنه كما يقول «عبارة عن تيار من التداعيات اللامتوقفة» معتبرا أن بيسوا ظاهرة أدبية عجيبة مازالت تفاجئنا حتى اليوم بما يخرج من دهاليزها السرية. ولفت أخريف إلى أن ترجمته لهذا الكتاب لم تتم إلا بعد اطلاع عميق ومعرفة تامة بعوالم بيسوا الشعرية، هو الذي عرف بظاهرة الأنداد الشعريين، أنداد يعيشون داخله، ولكن كل شاعر منهم مختلف عن الآخر، مشيرا – بخصوص هؤلاء الأنداد الثلاثة: ألفارو كامبوس، ريكاردو رييس، وألبرتو كايرو ، الى أن شعر كايرو يشبه بيسوا فيما كامبوس فيه تأثير من والتمان، أما رييس فكان «مُلَتْنَنا» يكتب الشعر اللاتيني الموزون.
هذا التعدد البيسوي يعتبره أخريف ظاهرة فريدة في التاريخ البشري برمته، وهو ما وقف عليه من خلال لقاءاته مع العديد من أقاربه وأصدقائه، وهو التعدد الذي يجعل قراءه لا يكفون عن قراءته والعودة إليه باستمرار.
وبخصوص ترجماته للعديد من الأعمال الأجنبية، يرى أخريف أنه بالممارسة اكتشف أن القصيدة المترجمة تحظى بحياة جديدة خارج لغتها الأصلية وربما تنكتب بشكل أقوى، إذا ما وجدت مترجما قادرا على ضخ «إيقاع معادل ومواز» والتجاوز بها الى آفاق شعرية أرحب.


الكاتب : حفيظة الفارسي

  

بتاريخ : 23/11/2021