الصحافي والكاتب الفرنسي جون دانيال: «استشاط بومدين غضبا وسبا وشتما عند ذكر الحسن الثاني الجزائر بالخير وإعلانه عن تنظيم المسيرة الخضراء»

سلط الكاتب والصحافي الفرنسي، جون دانيال، الضوء في مذكراته على قيمة تاريخية مهمة، تتجلى في حديثه عن حلقة قليلة الذكر، لم يتطرق إليها بالقدر الكافي، تخص العلاقات السياسية المغربية – الجزائرية، راويا في بضعة أسطر وبشكل حصري لموقع «ميديا 24»، تفاصيل لقائه بالرئيس هواري بومدين في سنة 1975، وكيف تلقى الأخير الإعلان المرتبط بتنظيم المسيرة الخضراء، قبل سويعات قليلة من لقائه به.


تأتي شهادة الصحافي الفرنسي، على إثر ما عاشه من أحداث، في تاريخ 16 من أكتوبر 1975 بالجزائر العاصمة، بعد بضعة ساعات من خطاب الراحل الحسن الثاني، في 16 من أكتوبر بعد ساعات قليلة من صدور قرار محكمة العدل الدولية، القاضي بإعادة الصحراء إلى المغرب لارتباطها القانوني به، قرار أعقبه الراحل الحسن الثاني بخطابه الشهير من مراكش، في تمام الساعة 18.30 مساء، حيث أعلن عن نيته تنظيم المسيرة الخضراء، وقبيل ساعات فقط وبالصدفة، من لقاء جون دانيال المبرمج مسبقا مع الرئيس السابق هواري بومدين.
يقول جون دانيال عن لقائه ببومدين: «دون سابق إنذار وبشكل مفاجئ، دعيت لإجراء مقابلة صحفية مع هواري بومدين، الذي كانت لي علاقة طيبة معه، حيث فضل التحدث بالفرنسية عن العربية، بلغة فرنسية صحيحة جدا. لقد استقبلني بومدين، في القصر الرئاسي بالعاصمة، في غرفة كانت الاستعدادات فيها قائمة على قدم وساق، لتحويلها من غرفة عادية إلى ما يشبه استديوهات التلفزة، حركة لم تكن شائعة في ذلك الوقت.
لم يتأخر بومدين عن لقائي به، لكنه لم يستثن هذه الغرفة من دخول مبهرج اعتاد عليه كل مرة، واضعا على كتفيه كما اشتهر به دائما معطفه الطويل الاسود، التقليدي المصنوع من الصوف والمعروف باسم «البرنوس»، الذي انضافت هيبته على تفاصيل وجهه الصارمة والهادئة، ما زاد ولوجه إلى الغرفة هيبة فوق هيبة، راميا من خلال حركاته السيادية إلى فرض حضوره وسط القاعة التلفازية وعلى الجميع بمن فيهم أنا.
منذ البداية، تبادلنا أطراف الحديث عن المسيرة الخضراء، التي تم الإعلان عنها وللمصادفة قبل سويعات من لقائي به، غير أن معالم وجهه قد تغيرت أثناء ذكر هذا الحدث، وأصبحت طباعه أكثر وحشية وغطت على حضوره الجاد، لكن السحب السوداء ظهرت مع بروز صورة الحسن الثاني على الشاشة، أثناء إلقائه لخطابه الشهير حول المسيرة الخضراء. هنا ولدهشتي، بدا على وجهه خليط من ابتسامة عصبية ووجه يغطيه الغضب العارم، في اللحظة التي تحدث فيها الملك الحسن الثاني عن جزائر تصالحية وودية، أظهر بومدين إصبع شرف في وجه الحسن الثاني، كما لو أن الواقف أمامي ليس بالرئيس، بل أحد «البلطجية» من باب الواد.
لقد اختفى من أمامي الرئيس الصارم، ليحل محله رجل آخر يمكن وصفه كقاطع طريق، مستعد للقيام بأي فعل مهما كانت عواقبه. وقف بومدين من على كرسيه، وبدأ يتحرك هنا وهناك دون توقف، لم يترك زاوية من الغرفة دون الوصول إليها، بطريقة هستيرية ومختلطة بمشاعر الفرح والغضب، غير أنني كنت أراقبه بحذر، وكنت أرى في حركاته أمامي وكأنه فقد سيطرته على نفسه، وتحديدا لما أبداه من ارتعاش نتيجة لهذه المشاعر، التي لم تثنه عن إلقاء وابل من الشتائم على شخص الملك.
اندهشت كثيرا لما يقع أمامي، فلم يسبق لي البتة أن رأيت رئيسا أو قائدا لدولة ما، في حالة مشابهة لما كان عليها هواري بومدين، إنه الآن أشبه بسيل عارم وهائج، من المشاعر السلبية والقدح والشتم، على مستوى لا يطاق ولا يغتفر من الوقاحة والبذاءة والابتذال، رافقته (أي السيل) موجة من التهديدات، من أبرزها «لن يأخذ كل هذا معه إلى القبر»، «لا يعلم ما الذي ينتظره» و«لن تكون الجزائر لقمة سائغة له». لقد دهشت أيضا، عند علمي بأن قضية الصحراء لا تزال تؤرق باله كما فعلت في الماضي ولمدة طويلة، خاصة مع ما ذكره الراحل محمد الخامس، عن كون سيادته لا تتوقف عند حدود الصحراء، بل تستمر إلى موريتانيا ككل.
لم ولن أنسى، على غرار بومدين، هزيمة الجزائر خلال حرب الرمال في أكتوبر 1963، ذكرى تمكنك من الشعور بطعم الانتقام في نفسية الرئيس الجزائري، وحاجته الماسة لمحو كل الذكريات السيئة الشبيهة بها. لا يمكنني أن أتذكر على وجه الدقة، ما صرح به ككل من مصطلحات وجمل سامة، غير أنني متأكد من أن جلها ينطوي تحت ظل الانتقام، والسعي وراء جعل المعتدي يندم على فعلته. غير أن ما علق في ذهني، هي الجملة التالية «لن أسمح بأن تداس الجزائر، بل سترد بكل وسائلها الممكنة، وسنرى من سيفوز في النهاية».
وللتذكير، فقد عرف جون دانيال، الصحافي والكاتب الفرنسي، المزداد بمدينة البليدة في الجزائر، بمواقفه المحايدة سواء للعلاقة الفرنسية – الجزائرية إبان وبعد فترة الاستعمار، أو في حالة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المستمر لغاية اليوم. لقد تعرض للكثير من الأذى بسبب أنصار الجزائر الفرنسية، وأيضا من جانب القوميين الجزائريين المتعنتين، على غرار كل من «البرت كامو» و«جاك ديريدا»، وعلى الرغم من تأكيده الدائم «أن هناك جزءا فرنسيا في التاريخ الجزائري، وجزءا جزائريا في التاريخ الفرنسي»، وأيضا، كما قال في رحلته الأخيرة إلى الجزائر ما بين 2004-2005 «أنا أعلم بأن جزائري القديمة، لم يعد لها وجود اليوم»، بحسب ما ذكره المؤرخ بنجامين ستورا.


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 23/02/2021