التداعيات الأخطر للأزمة تضرب الحق الدستوري للمواطن في الولوج للصحة والدواء
ربط استدامة صناديق التأمين الصحي بتخفيض أسعار الأدوية هو طرح اختزالي ومغلوط
أزمة القطاع في المغرب أصبحت تشكل خطرا وجوديا على الصيادلة ومستقبلهم المهني
يعرف قطاع الصيدلة غليانا كبيرا، انطلقت شرارته قبل مدة طويلة بإصدار بيانات وبلاغات تخاطب “الضمير الرسمي” للوزارة الوصية على القطاع من أجل إعادة النظر في طريقة تدبيرها للسياسة الدوائية والالتزام بما تم تسطيره من تحفيزات ترافق تنزيل سياسة تخفيض أسعار الدواء حتى يتم التمكّن من تأهيل الصيدليات وإنقاذها من الإفلاس، ويضمن استمرار خدماتها التي لا تقف عند حدود صرف الدواء للمريض وإنما تتعداها إلى التثقيف الصحي والتوعية والقيام بأدوار إنسانية واجتماعية بامتياز.
قطاع قام مهنيوه بإصدار بيانات، وخاضوا إضرابا وطنيا، ونظموا وقفات احتجاجية، وحملوا الشارة السوداء، وسطّروا هذه المرة وقفة غاضبة أخرى حددوا لها موعد التاسع من الشهر الجاري، كل هاته الأشكال الاحتجاجية كان الهدف منها إسماع صوت صيادلة الصيدليات الذين يحضرون في كل شبر من تراب المملكة المغربية لتمكين المريض من الدواء، ضدا عن كل الإكراهات والصعوبات التي تعترضهم، ورغم ذلك لم تجد أصواتهم آذانا صاغية، بل أن تداعيات هذا الوضع تعدّت المهنيين لتصل إلى المواطنين، بعد انقطاع عشرات الأدوية التي اختفت من رفوف الصيدليات، مما أضحى يشكل تهديدا للأمن الصحي للمغاربة، بسبب ما يصفه بعض المهنيين “سياسة عشوائية في تخفيض أسعار الأدوية” الأمر الذي أدى إلى “انقراض” العديد منها.
“الاتحاد الاشتراكي” ومن أجل تسليط الضوء أكثر على أزمة مهنة الصيدلة وواقع الصيادلة، وإشكالية قلّة الأدوية تارة وندرتها تارة أخرى، أجرت حوارا في الموضوع مع الدكتور حسن عاطش، رئيس الغرفة النقابية لصيادلة فاس، الذي أكّد على أن أزمة القطاع في المغرب أصبحت تشكل خطرا وجوديا على الصيادلة ومستقبلهم المهني، سيما وأن تكاليف الاستثمار مرهقة أمام ضعف المردودية وارتفاع التكاليف التشغيلية، مشددا على أن ربط استدامة صناديق التأمين الصحي بتخفيض أسعار الأدوية فقط هو طرح اختزالي ومغلوط، على أساس أن استقرار صناديق لا يمكن عزله عن السياق الاقتصادي العام للصيدليات.
وأكّد الدكتور عاطش في حواره مع الجريدة على أن أي إصلاح حقيقي يجب أن يكون شاملا ومتكاملا، وأن يعالج جميع اختلالات المنظومة الصحية والدوائية، بدل استهداف طرف واحد دون غيره، مشددا على أن التداعيات الحقيقية والأخطر لهذه الأزمة تمس المواطن المغربي مباشرة، وتضرب في العمق حقه الدستوري في الولوج إلى الرعاية الصحية والدواء. حوار توقف خلاله الفاعل الصيدلاني عند الكثير من التفاصيل الدقيقة المرتبطة بهذا الملف، وقدّم تشريحا لممارسة الصيدلة التي لم تعد تلك المهنة الآمنة التي توجد صورتها في أذهان الكثير من المواطنين. والذي ستنشره الجريدة كاملا في العدد المقبل.