الطفل محمد الحسن يُهدي للأسود أنشودة «المغرب فخر العرب»

كان عالِم النفس الأمريكي ستانلي هول يرى أن «الطفولة هي ولادة ثانية». ومعنى هذا أن الولادة تكون عندما يزداد أفراد جدد إلى العالَم، لكي يضخوا دماء حيوية في شرايينه، تعبيرا منهم عن وجودهم الثاني بعد الوجود الأول (الولادة الأولى). وفي نفس السياق، جاء الطفل المغربي محمد الحسن إلى عالمنا لكي يضيف إليه شيئا جديدا، بما تعلّمه في المدرسة وتربى عليه وسط الأسرة. لقد أبهرنا هذا الطفل بحوار فني بديع، وهو يتغنى بأناشيد الدول العربية التي شاركت في كأس العالم بقطر سنة 2022 (السعودية، تونس، المغرب، وقطر). وهو بذلك  يساهم من موقعه الذي ينتمي إلى «عالَم الأطفال»، ليشارك فرحنا التاريخي نحن المغاربة العرب والأمازيغ، وكذلك فرح الدول العربية والإفريقية بوصول المنتخب الوطني المغربي إلى المربع الذهبي. وإن المتلقي لشريط فيديو «المغرب فخر العرب»، يلمس وبحق، عمق المعاني وتكامل الدلالات، بلسان الطفل الصغير الذي أحبَّ وطنه وفريقه بكل فخر واعتزاز.
وبالنظر إلى المجهود الكبير الذي جسده شريط الفيديو الموجود بموقع اليوتوب؛ من حيث المكونات الفنية والتقنية التي أشرف عليها المخرج فيصل الحليمي باستوديو «باها» بطنجة، فإنّنا نجد براءة الطفولة وصدق الأحاسيس والمشاعر، بمجرد ما أن نشاهد الفيديو، وننصت إلى تلك الأناشيد. فنلمس معها جمالية الإخراج الواقعي من طرف المخرج وفريق العمل، فنستقري الأحداث المعاصرة الكونية والمشتركة لكرة القدم، ونسمع أناشيد الدول العربية المشاركة. وهنا يندمج الطفل ضمن المحتويات الجمالية للصورة البصرية التي يتوسطها اللونين الأحمر والأخضر للعلم المغربي ليطفو خفَّاقًا على السطح، شامخا كالجبال، ومُرفرفا كالطائر الحر في السماء.
هكذا يلتقي الشاعر إبراهيم خفاجي، والشاعر مصطفى صادق الرافعي، وأبي القاسم الشابي،  وعلي الصقلي الحسني، ومبارك بن سيف آل الثاني، في لقاء فني لم يتسن له أن يكون في أرض الواقع، لكنه تحقق بالفعل في دنيا الإبداع، وبلسان الطفل محمد الحسن، وأيضا داخل نصٍ منسجمٍ ومتكامل، يُطلعنا على عظمة اللغة العربية ومدى تأثيرها في الفكر والوجدان على حد سواء. ونفس الشيء يقال عن الألحان، ومدى تناغمها بهِتافات الطفل الذي أضحى مندمجا مع القالب الفني الملحمي للأناشيد العربيةِ المتلألأةِ بالرموز والمعاني الروحية والإنسانية التي تربط المواطن العربي بوطنه فكرا وروحا ووجدانا. كما يتضمن الفيديو مقاطع مصغرة من فيديوهات أخرى للمنتخبات العربية المشاركة، والتي أخذتْ من داخل الملاعب بقطر، فنجد الأسود وهم يزأرون ضد خصومهم وسط حضور المشجعين بهتافاتهم، وصور الفرح على محياهم، وبشائر السعادة والسرور على وجوه جماهير العالم التي جاءت لتساند المنتخب الوطني، وكذلك تضامن الأشقاء العرب…
ينسجُ محمد الحسن فرحه بنصر المنتخب الوطني من خيوط تنتهي بنا إلى رسمِ تشكيلٍ جغرافيٍّ لجميعِ المباريات التي خاضها بكأس العالم. تبدأ تداعياتها وتطوراتها بالتوثيق الذي يبث في نفوس المتلقي اللَّذة والمتعة بحلاوة النصر. يبدأ محمد الحسن بالاحتجاج، وهو يشدو بطريقة تلقائية تدل على براءة سلوك الطفل. التلقائية نفسها التي نلمسها عند الأطفال في أنشطتهم المدرسية، وفي لعبهم، وأثناء استظهارهم للمحفوظات، وخلال أنشطتهم التربوية، وأثناء اللعب…
وتحقيقا لذلك ينصهر محمد الحسن، بوصفه ذاتًا داخل حماسٍ رياضيٍّ آخذٍ لكرة القدم، ودورها في الإحساس بالانتماء إلى الوطن، وفي التأثير الإيجابي عند المتلقي، بجس نبض عواطفه وانفعالاته، لتصل إلى أقواها على الإطلاق؛ وهي عاطفة الحب التي تُؤسس معنى الهوية الجماعية التي تذوب فيها الاختلافات، وتتحِّد في الأنموذج العربي الكوني المنشود الذي يُخيِّمُ على الجو العام للدول التي تنتمي إلى حظيرته وتعيش حيواتها بأكسجينه. وهي نفس الهوية التي تحضر فيها سيكولوجية الجماهير -كما وصفها غوسطاف لوبون- لكي تُعبِّر بانفعالاتها ودوافعها عن المعاني الجمعية للجماعات والعرقيات والثقافات المتعددة من داخل الهوية العربية والأمازيغية الإفريقية التي تروم تحقيقها.
لقد كان شالرز داروين يتمنى أن يطول عمره، لكي يعود من أجل أن يتصالح مع الموسيقي. ولِم لا؟ لكي يُعلمها للناشئة! لكن للأسف مات دون إتمام ذلك. وبهذا فإن للموسيقى والتربية عليها، أهمية كبيرة في تكوين شخصية الطفل، وأيضا في تنمية الذوق الفني عنده. ذلكم الذوق الذي نحن في أمس الحاجة إليه في سلوك أبنائنا. الموسيقى التي لا تنفصل عن الغناء والأناشيد التي تربطنا بنصوص القراءة والأنشطة المدرسية. النصوص التي تعود بنا قهقرة إلى الماضي، فنتذكر ما تربى عليه الجيل الذهبي على يد المربي الأستاذ أحمد بوكماخ رحمه الله في مؤلفاته المدرسية التي نحيا بها، والتي تعلم منها المغاربة معنى حب الوطن، والأخلاق، والمثل، والقيم العليا، وحقوق الإنسان…
ها هو الطفل محمد الحسن يذكرنا بهذا الجيل. ويوقظ بداخلنا مشاعر الطفولة المغربية فنتذكر: المعلم الصغير، وسعاد تستعير كتابا، والتلميذ المجتهد، وأيام الجد والنشاط، والله يرانا، والعامل يخدم الوطن، وتحرير الوطن، ونشيد العمال…
وفي ختام هذا المقال، أحببتُ أن أتساءل ما هو الوطن إذن؟ يجيبنا أحمد بوكماخ: «وطني هو كلُّ مَنْ أحببتُ: أمي وأبي، إخواني وأصدقائي؛ وهو كذلك كل ما أراه: المدن والقرى، والبحار والأنهار. والجيش الذي يحميني، واللغة التي أتكلمها، والمدرسة التي أتعلَّمُ فيها، والمعلِّمُ الذي يُهذِّبُني، كلُّ ذلك هو وطني! وبيتي الذي نشأتُ فيه، والطعام الذي آكله، والأعياد التي أحتفل بها، والهواء الذي أتنفسه، والدين الذي أتبعه، كل ذلك هو وطني. وأنا وطنيٌ لأنني أحبُّ وطني: شماله وجنوبه، وجميع المواطنينَ هم إخواني: ما يَسُوؤُهم يَسُوؤُني، وما يُسعِدُهم يُسعِدُني، لا فرق عندي بين ريفِيٍّ وفاسِيٍّ، ولا بين تطوانيٍّ وطَنْجيٍّ؛ لأنّنا جميعا أبناءُ وطنٍ واحد، هو المغرب! وديننا واحدٌ هو الإسلام! ولغتنا واحدة، هي اللُّغةُ العربيّة! ..».

أكاديمي وناقد فني.


الكاتب : محمد الشاوي

  

بتاريخ : 10/01/2023