العدالة الجهوية غائبة عن التوزيع الحكومي لـ 340 مليار درهم من الاستثمارات العمومية

 

كشفت مذكرة التوزيع الجهوي للاستثمار العمومي عن تفاوتات صارخة تعكس اختلالات عميقة في تدبير الموارد وضغوطات مركزية تعيق إرساء نموذج تنموي متوازن. ورغم الجهود المبذولة، فإن إكراهات عدة تظل تلقي بظلالها على نجاعة الاستثمار العمومي، ما يستدعي قراءة نقدية لمكامن الخلل ومساءلة النجاعة الاقتصادية والعدالة المجالية التي يفترض أن يحملها.
مع دخول سنة 2025، ووفقا لمذكرة وزارة الاقتصاد والمالية حول التوزيع الجهوي للاستثمار العمومي الصادرة حديثا، التزمت الحكومة بتعزيز الاستثمار العمومي، مخصصة له ميزانية تقدر بـ 340 مليار درهم، مسجلة ارتفاعا بنسبة 1.5% مقارنة بالسنة السابقة، حيث ارتفع من 335 مليار درهم سنة 2024. غير أن هذا الرقم، على أهميته، لا يعكس بالضرورة توزيع المشاريع والتمويلات وفق منظور يضمن التنمية المتكافئة بين الجهات. ففي الوقت الذي تشهد فيه جهات مثل الدار البيضاء-سطات، الرباط-سلا-القنيطرة، وطنجة-تطوان-الحسيمة استثمارات ضخمة في البنى التحتية والمشاريع الاستراتيجية، تظل جهات أخرى كدرعة-تافيلالت، وبني ملال-خنيفرة، والشرق تراوح مكانها في ظل ندرة المشاريع الكبرى وضعف الربط الطرقي واللوجستيكي.
تتجلى أبرز الإكراهات التي تعترض الاستثمار العمومي في مركزية القرار، حيث لا تزال العديد من الجهات رهينة سياسات مركزية تحدد أولوياتها بناء على معايير لا تأخذ دائما بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة. كما أن التعقيدات الإدارية والإجراءات البيروقراطية تثقل كاهل المشاريع الاستثمارية، ما يؤدي في أحيان كثيرة إلى تعثر إنجازها أو تأخرها عن الآجال المحددة.
وفي ظل التغيرات المناخية التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا، يبرز تحدي آخر مرتبط بالمشاريع ذات الطابع البيئي والمائي. فالمغرب، الذي يواجه أزمة ندرة الموارد المائية، يخصص جزءا هاما من استثماراته العمومية لإنشاء سدود جديدة ومشاريع لتحلية المياه، كما هو الحال في جهات سوس-ماسة، والعيون-الساقية الحمراء، والشرق. ومن بين المشاريع الكبرى في هذا الإطار، سد رباط الخير الذي رُصد له غلاف مالي يناهز 1.077 مليار درهم، وسد الرتبة الذي سيكلف 2.990 مليار درهم، إضافة إلى مشروع تحلية مياه البحر في العيون (480 مليون درهم) والداخلة (450 مليون درهم).
لا يقتصر الإكراه على الجانب التمويلي أو الإداري فحسب، بل يمتد إلى طبيعة المشاريع نفسها، إذ يلاحظ أن نسبة كبيرة من الاستثمارات العمومية تذهب إلى مشاريع البنية التحتية والطرق، حيث تم تخصيص 13 مليار درهم لمشاريع المستشفيات الجامعية، فيما سيتم إنشاء 181 مؤسسة تعليمية جديدة و2.094 قاعة دراسية بغلاف مالي يناهز 2.3 مليار درهم. أما قطاع التكوين المهني، فسيشهد استكمال إنجاز 12 مدينة للمهن والكفاءات، حيث تم إنهاء 8 منها بينما لا تزال 4 في طور الإنجاز.
وفيما يخص القطاعات الاجتماعية، يظل توزيع الاستثمارات في مجالات الصحة والتعليم غير متوازن. فبينما تشهد جهات معينة نهضة في المنشآت الصحية والجامعات، تجد مناطق أخرى صعوبة في توفير بنيات تحتية أساسية تضمن لمواطنيها الولوج العادل إلى الخدمات. فمثلا، رغم إعلان الحكومة عن مشاريع لبناء كليات الطب والمستشفيات الجامعية في مناطق كجهة بني ملال-خنيفرة ودرعة-تافيلالت، إلا أن الإنجاز الفعلي لا يزال متأخرا، ما يضطر طلبة وأطرا طبية إلى النزوح نحو المراكز الحضرية الكبرى.
ورغم هذه الإكراهات، فإن المغرب يراهن على إصلاحات جديدة لتحسين توزيع الاستثمار العمومي، من بينها تفعيل مبدأ الجهوية المتقدمة وإشراك المجالس الجهوية في بلورة القرارات الاستثمارية. كما أن الميثاق الجديد للاستثمار يهدف إلى تحفيز القطاع الخاص على ضخ استثمارات في الجهات الأقل حظا، من خلال تقديم حوافز مالية وضريبية.


الكاتب :   عماد عادل

  

بتاريخ : 04/03/2025