العرب والجنس من منظور تواصلي

تحويمة خفيفة حول المواضيع الأكثر إيثارا وجاذبية على منصات التواصل الاجتماعي من خلال محركات البحث على الشبكة «النسخة العربية «تجعل الباحث يشهق مرتين بعمق ، محاولا أن يبقي دماغه هادئا ،بعد أن يكون قد اصطدم لتوه بجبال جليدية من الكبت العربي المتجمد.
كان واضحا أن العروبة قاطبة بشيبها وشبابها تقفز طائشة لترتمي في أحضان الشهوة والجنس . وبدت الثقافة الجنسية ، وكل ما يدخل في نطاق الشهوة، خاصية عربية بامتياز، دون شعوب الأرض الأخرى .كان البحث الشبقي الجنسي ،أشبه بعظام مدفونة تحت الأرض،والكلاب تشم تنبش وتهرش دون انقطاع. إلى هذا الحد ، يبدو الأمر مرعبا وغبيا تماما. لقد سقطت أطروحة ضبط النفس عند العرب ،ومالت جهة الشهوة الجنسية دون رادع أو وازع أخلاقي.لكن هل الحياة محبطة ومأساوية إلى هذا الحد ؟
الآن ،لابد أن نمتلك ما يكفي من الجرأة والسؤال: فالثقافة الجنسية، لم تكن يوما مجرد تسلية افتراضية، أو لعبة تواصلية على المنصات. إننا نتحدث هنا عمن نكون نحن العرب ؟ومن أين جئنا كعرب؟ وفي أي مدرسة تعلمنا وتربينا كعرب ؟
إن الحيوانات تُولد حيوانات،أما الإنسانُ فلا تلِده إنسانا،بل تُربيه ليصبحَ كذلك، كيْ يغدُو كائنا عاقلا سويّ الرغبات ،متوازنٓ الطموحات ، ضابطًا للشهوات . فالتربية هي التي تجعل الإنسانَ إنسانا.
ولا شك أن العملاق كوكل ، يتوجّع ويقلبُ ملاييرٓ الصفحات في أجزاء من الثانية، ليعرض أمام أنظار الباحث» العربي « آلاف الصفحات، مرقمة ، ومبوبة ،حسب الأولويات ، حسب طبيعة الوسوم البحثية.
هكذا نجد كل مكونات البحث الشبكي ،تطوف حول كل ما يخص أسفل الحزام ، شكل الجنس الناعم اللطيف ، مستجدات حياته الخاصة، حميميته ،رغباته ،مُتعه الظاهرة والمشفرة ،أخباره علاقاته ،مع محيطه القريب والبعيد ، مظاهرهُ الجمالية المبعثرة بين مستحضرات مراكز التجميل ، ووصفات خبراء التجميل المنبثقين والمنتشرين كالفطر من الموروث الشعبي التقليدي الزاخر بالأعشاب والطلاسم والتمتمات، هي كلها مواضيع تستحوذ على معظم اهتمامات البحث الشبكي عموما، والشبابي منه على نحو خاص، فجاذبية أخبار مثل فلانة تكشف مفاتنها ، النجمة تَظهرُ بفخذٍ عاري تماما ، النجمة الفلانية بمايو تثير الجدل على المنصات
النجمة وعشيقها تستمتع بالرومانسية على الشاطئ، هذه الوسوم وغيرها هي الأوفر حظا ، وفي صدارة ما تبحث عنه لغة الضاد عموما، وبشكل خطير للغاية.
ولما كانت الكليكات والكبسات وما ينجم عنها من مشاهدات قياسية، أحد أهم ما تطمح إليه المواقع الإخبارية الزائغة والصفحات المنفلتة ، فإن أخبارا من قبيل الطلاق والزواج واندهاشات الغرف الحمراء، و وارتعاش الهجران وجموح المناطق الحساسة للنجمات وفنانات آخر زمن، تتصدر قوائم البحث كما لو كانت قدرا عربيا مستعجلا.
لدرجة تبدو معها صورة النجمة الفلانية وهي تشيد بإخلاص زوجها الثالث …الراقصة الشهيرة تقضي إجازتها مع زوجها وأطفالها بالبيكيني … والنجمة ابتسام بطمة تكشف عن صدرها للعموم ، مايو النجمة فاتي جمالي يظهر منطقتها الحساسة ، مريم حسين تكشف مفاتنها بإغراء فاضح ، والنجمة حاولت بتر جزء حساس من جسم زوجها ..إلى غير ذلك من العناوين اكثر جاذبية وواحدة من المكبوتات العربية الأكثر تجليا وانغماسا في الشهوانية والكبت والشبق الجنسي . بل ، هي الأولى في تصنيفات البحث الشبكي دون منازع .
ولعل تقاسم مختلف ما تجود به مراكز التجميل من مستحضرات ومساحيق هاجس الشباب الأول ، فيما تستحوذ التسريحات الشيطانية واللوكات المتناسلة ،ومقادير الشفط والنفخ والحقن على مساحة شاسعة من اهتمامات الشباب العربي بعيدا عن وجع الفكر وتدوير عجلة الوعي ، والصادم، أن متابعي هذا الهبل التواصلي الجنعي، قد يتجاوز الأرقام القياسية المألوفة في المشاهدة والتتبع ، ليقفر إلى أرقام خرافية من المتابعين الأوفياء ، وهو ما يشجع العديد من التافهين ويستعجل هوسهم لاستضافة هؤلاء المارقين الهبل من قبل المواقع والصفحات الشبكية التي تملأ سماوات الله المفتوحة، بل وتتألق وسائل الاعلام والحفلات والسهرات والمهرجانات التي تتناسل كالفطر بهذا الظهور التواصلي المنحدر المريب .
والنتيجة، انحدار قيمي أخلاقي فضيع ، وتوجه استراتيجي نحو ترسيخ ثقافة التسطيح،والميوعة ، ما يهيئ الظروف المناسبة، لخلق أجيال عربية قادمة، سمتها الضياع كامل الدسم.
.لكن ،ما يجب على نشطاء التواصل الاجتماعي فهمه اليوم ،لا سينا أولئك المهووسين بجمال المظاهر ،والمفتونين بشهوانية الجسد حينما يكشف مفاتنه ،وما يثيره من حساسيات الشهوة الجنسية ،أن يفهموا أن الجمال الناعم الرقيق المبثوث على المنصات، في الجزء الكبير منه مصطنع ،وبالتالي ، ليس دائما وأبديا ،كما أن الهوس المفرط به ،قد يكون ناجما عن كبت مريب ، ومرتبطا بضعف في التربية ،وناتجا عن نقص فادح في التكوين ،وضيق في الأخلاق، وانحسار في فهم المخاطر والمشاكل النفسية والعقلية التي يتخبط فيها الكائن ذاته.
ويرى علماء النفس ،أن عدم المساواة الاقتصادية والفروق الاجتماعية في التعامل بين الذكر والأنثى في المجتمعات ، يؤدي حتما إلى زيادة اهتمام النساء بمظهرهن ، ويزيد في رغبتهن بالكشف عن مفاتنهن. وتسويقها للمتعة عبر المواقع التواصلي. ويضيفون أمرا آخر ، إذ من خلال إبراز مفاتنهن والكشف الموضعي على المناطق الحساسة من جسدهن، فإنهن بذلك يفجرن القلق الساكن في أعماقهن بهذه الطريقة ،ويحاولن إعلانه للعموم.
يبدو واضحا أن حسابات والصفحات الشخصية لجزء كبير من شبابنا العربي على السوشل ميديا ،تتسم بنكهة واحدة ،وتشترك في ميزة تكاد تكون ماركة مسجلة ،الشهوة ، الرقص المرح ،والترفيه بكامل تجنيساته ،والرغبة المحمومة بأحدث تقليعات نجوم الغناء والعري، وتنمية ثقافة الإغراء داخل غرف النوم . إنه الاهتمام بالمظاهر الشكلية لحياة الإنسان المعاصر، منها المستنسخ و المتوارث والآتي أسوأ.


الكاتب : عزيز باكوش 

  

بتاريخ : 10/09/2022