الفصائل الفلسطينية تسعى للتوحد ميدانيا في مرحلة بالغة التعقيد

تسعى الفصائل الفلسطينية إلى التوحد ميدانيا عبر تفعيل “المقاومة” الشعبية ضد إسرائيل في مرحلة يصفها مراقبون فلسطينيون بأنها بالغة التعقيد بالنسبة لمستقبل القضية الفلسطينية وتتطلب المزيد من خطوات البناء عليها.
وتم الإعلان عن “القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية” في فلسطين كأول تجسيد عملي لقرارات مؤتمر الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية الذي عقد برئاسة الرئيس محمود عباس في الثالث من سبتمبر الجاري عبر الانترنت بين رام الله وبيروت.
وفي أول بيان لها، دعت القيادة الوطنية الموحدة إلى اعتبار يوم
الثلاثاءالماضي يوم رفض شعبي للتطبيع العربي مع إسرائيل وذلك بالتزامن مع توقيع الإمارات والبحرين على إقامة علاقة رسمية مع إسرائيل بواشنطن. وأكد البيان على “نبذ كل الخلافات وتجميد كل الأجندات والالتفاف والمشاركة في هذا الكفاح الشعبي التحرري ولا صوت يعلو فوق صوت المقاومة”. احتمالات التصعيد قائمة وصرح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية اليوم خلال الاجتماع الأسبوعي لحكومته، بأن متطلبات الوحدة الوطنية يتم ترجمتها على الأرض عبر مواجهة الاستيطان وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي. ولوح مسؤولون فلسطينيون باحتمال تدهور الأوضاع الميدانية وتأثير ذلك على العلاقة مع إسرائيل خلال الاحتجاجات الشعبية. وقال أمين سر اللجنة المركزية لحركة فتح اللواء جبريل الرجوب إن “تطور المقاومة الشعبية سيكون مرهونا برد الفعل الإسرائيلي والسعي فلسطينيا إلى تغيير لقواعد الاشتباك وفق اتفاق وطني موحد مع الاحتفاظ بكل الخيارات مفتوحة”. وأكد الرجوب للصحفيين في رام الله، على التوصل إلى تفاهمات مع حركة حماس وباقي الفصائل لتفعيل المقاومة الشعبية السلمية “وفق برنامج مشترك وقيادة وطنية موحدة لإفشال المؤامرات التي تهدد القضية الفلسطينية”. فيما أكد عضو المكتب السياسي لحماس حسام بدران ترحيبها بخطوة تشكيل “القيادة الوطنية الموحدة للمقاومة الشعبية”، وما يمثله ذلك من خطوة عملية لتحويل التوافق الوطني إلى إجراءات على الأرض. وأبدى بدران في بيان صحفي، الثقة في “قدرة الشارع الفلسطيني على المبادرة واجتراح خطوات تقلب الطاولة في وجه كل من يتعاطى مع المشاريع والأفكار الرامية لتصفية القضية الفلسطينية عبر حلول مفروضة لا تحقق تطلعات الشعب الفلسطيني وأهدافه الوطنية”. اختبار لرد الفعل الشعبي يؤكد المحلل السياسي من رام الله أحمد رفيق عوض أن الحديث عن استجابة شعبية واسعة من الفلسطينيين لتوجهات الفصائل بشأن تفعيل المقاومة الشعبية ستكون محل اختبار.
ويرى عوض في تصريحات لوكالة أنباء الصينية ((شينخوا))، أن الفصائل مطلوب منها ردم الفجوة مع التحرك الشعبي الحاشد وتحقيق التفاف شعبي حول الخطوات العملية التي تعلنها بشأن التوحد الميداني. ويعتبر عوض أن البيان الأول للقيادة الوطنية الموحدة تم صياغته بعبارات “ناعمة” والتركيز فيه على التوحد بين الفصائل “لكن نجاح الأمر من عدمه سيكون مرهونا بترجمته على الأرض وحجم التفاعل الشعبي”. وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية مؤخرا عن مخاوف لدى الدوائر الأمنية في إسرائيل من انعكاس واقع الإحباط الذي يعانيه الفلسطينيون على الوضع الميداني في الضفة الغربية وشرق القدس. وتشير معطيات أمنية إسرائيلية إلى إحباط الجيش الإسرائيلي نحو 30 عملية في الضفة الغربية معظمها إطلاق نار مؤخرا ما يشير إلى إمكانية تدحرج الأوضاع نحو توتر ميداني أكبر. التوحد الداخلي أولوية يبرز الكاتب والمحلل السياسي من رام الله مهند عبدالحميد على الحاجة إلى التوحد فلسطينيا في وحدة القضية والأرض “كشرط لدفع مسار التحرر الوطني الفلسطيني”. وتعليقا على مساعي الفصائل للتوحد ميدانيا، يشدد عبدالحميد لـ ((شينخوا))، على أن وحدة الشعب ليس وحدة الفصائل ولا وحدة الأدوات الكفاحية وإنما وحدة الهوية والكيان والمصير. ويؤكد عبدالحميد على أنه ليس بوسع الشعب الفلسطيني “مواجهة المشروع الإسرائيلي إلا بمشروع واحد مهما اختلفت ظروف هذا المشروع وخصوصياته على أن يقوم في إطار وحدة الشعب الفلسطيني التي تجسد وحدة حقوقه وأهدافه ووحدة مصيره وهويته وكيانية وجوده”. وكان اجتماع الأمناء العامين للفصائل غير المسبوق منذ سنوات انعقد على خلفية المخاطر التي تهدد القضية الفلسطينية بما في ذلك إعلان الإمارات تطبيع العلاقات رسميا مع إسرائيل برعاية أمريكية وهي خطوة أقدمت عليها كذلك البحرين. ويرفض الفلسطينيون خطة السلام الأمريكية المعروفة باسم صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في يناير الماضي ويعتبرونها “مؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية”. ويعاني الفلسطينيون من انقسام داخلي مستمر منذ 13 عاما على إثر سيطرة حركة حماس بالقوة على قطاع غزة بعد جولات من الاقتتال الداخلي مع القوات الموالية للسلطة الفلسطينية. وتوصلت حركتا فتح وحماس لعدة اتفاقات للمصالحة لم يجر تنفيذها على الأرض وسط تناقض يسيطر على أداء الحركتين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. إذ تعتمد حماس منذ سنوات على العمل العسكري المسلح كأداة رئيسية في مواجهة إسرائيل، بينما تتبني فتح الكفاح الشعبي السلمي. وفي الأشهر الأخيرة أجرت فتح وحماس محادثات ثنائية أثمرت عن تقارب في خطابهما الرافض لخطة السلام الأمريكية ومخطط إسرائيل لضم أراض فلسطينية بما في ذلك تنظيم فعاليات مشتركة. كما تحدثت الحركتان مؤخرا عن توافقات داخلية لبلورة برنامج وطني مشترك يعتبر الفلسطينيون أن الحاجة إليه أصبحت شديدة الأولوية في مواجهة الأخطار التي تهدد قضيتهم.

الفلسطينيون يبحثون
عن حلفاء جدد

و يرى محللون أن القضية الفلسطينية كانت تجمع دولا ذات مصالح متباينة في الشرق الأوسط، لكن تبدل التحالفات الإقليمية وحد صفوف الولايات المتحدة وإسرائيل ودول الخليج ضد عدوها المشترك إيران، ما جعل الفلسطينيين أكثر عزلة ويبحثون عن حلفاء جدد.
فبعد اتفاق تطبيع العلاقات بين اسرائيل والإمارات، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجمعة عن اتفاق مماثل بين البحرين وإسرائيل. وتحدث عن حصول “اختراق تاريخي”.
وفشل وزراء الخارجية في اجتماع افتراضي لجامعة الدول العربية الأربعاء في دعم دعوة فلسطينية لإدانة اتفاق التطبيع الذي توسطت فيه الولايات المتحدة الشهر الماضي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
وستصبح الإمارات والبحرين ثالث ورابع دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية مع الدولة العبرية، بعد مصر في 1979 والأردن في 1994.
واثار اتفاقا التطبيع الجديدان غضب القيادة الفلسطينية في رام الله.
فغردت القيادية حنان عشراوي قائلة “إسرائيل تلقت جائزة من الإمارات عبر تطبيع العلاقات معها من خلال مفاوضات سرية”. واضافت “من فضلكم لا تقدموا لنا معروفا (..) نحن لسنا ورقة تين لأحد!”.واعتبر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتيه اتفاق تطبيع العلاقات الإماراتي الإسرائيلي “طعنة مؤلمة في الظهر”.
وقالت الإمارات إن اتفاق التطبيع الذي توصلت إليه مع اسرائيل سيسمح بوقف ضم أي أراض في الضفة الغربية ولكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أكد أن الأمر لا يعدو كونه تعليقا موقتا.
وفي الاشهر الاخيرة حذرت جامعة الدول العربية وتركيا ودول أوروبية مثل فرنسا، إسرائيل من عملية الضم التي من شأنها أن تقوض ما يسمى بحل “الدولتين” أي دولة إسرائيل إلى جانب الدولة الفلسطينية.
ومع أن الدول العربية وقفت ضد مشروع الضم، رحب الحلفاء العرب التقليديون للفلسطينيين باتفاق التطبيع .قال سري نسيبة المفكر الفلسطيني والمسؤول السابق في منظمة التحرير الفلسطينية إن “القيادة الفلسطينية غاضبة جدا”. وأضاف “لكن في الواقع لطالما اشتكى الفلسطينيون من قلة الدعم من العالم العربي “.ويقول المحلل الفلسطيني غسان الخطيب أن هذا “النقص في الدعم” يتجلى أكثر فأكثر في منطقة الشرق الأوسط التي عانت من اضطرابات “الربيع العربي”، والاستقطاب الإيراني السعودي والقتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية. ويضيف أنه بسبب “الثورات والحروب الأهلية والخلافات الإقليمية الأخرى، يجد العرب صعوبة في الاتفاق على أي شيء بما في ذلك على كيفية دعم القضية الفلسطينية” .
وأضاف لوكالة فرانس برس أن “الفلسطينيين يدفعون ثمن تدهور الوحدة العربية”.
وأورد مثلا على ذلك “فشل الفلسطينيين يوم الاربعاء في إقناع شركائهم في جامعة الدول العربية بإدانة الصفقة الإسرائيلية الإماراتية”، على حد تعبيره. لكن في رام الله لا يزالون الفلسطينيون متمسكين بشرعية “الإجماع العربي” ويرفضون فكرة أن الفلسطينيين معزولون دبلوماسيا.
كان الإجماع العربي لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني شرطا لا غنى عنه للتطبيع مع اسرائيل. والمطالب الاساسية هي انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في الخامس من يونيو 1967. والموافقة على دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل لملايين اللاجئين الفلسطينيين.
ويقول القيادي الفلسطيني جبريل الرجوب لوكالة فرانس برس إن “الذين ينتهكون الإجماع العربي هم الذين سيجدون أنفسهم معزولين على المدى الطويل”.
رأى مصدر دبلوماسي غربي أنه “ليس أمام الفلسطينيين مخرج حقيقي في الواقع. إنهم عالقون”. واضاف أنهم “عالقون من جانب الذين يريدون الاستحواذ على قضيتهم ، سواء كانت تركيا أو إيران.”
وتقيم إيران علاقات وثيقة مع التنظيمات الإسلامية المسلحة في غزة، وبدرجة أقل مع السلطة الفلسطينية.
وقالت غاليا ليندنشتراوس من المعهد الوطني الإسرائيلي للأبحاث الأمنية إن “تركيا لديها طموح لقيادة القضية الفلسطينية وتشير إلى نفاق الدول العربية والغرب في عدم الدفاع عن هذه القضية بشكل كاف “.
وقال الرجوب “نحن لا نتجاهل أي دولة. تركيا قوة إقليمية عظمى ، إنها دولة مسلمة ونحن على علاقة جيدة بها. سنواصل التعاون مع الجميع”.
لكن الخطيب قال إن “على الفلسطينيين الابتعاد عن تركيا وإيران وقطر” التي تتعارض بشدة مع القوى الخليجية الكبرى الأخرى. وأضاف أنه “ليس من الحكمة أن يقع الفلسطينيون في خضم التوترات الإقليمية والمنافسة بين القوى الإقليمية العظمى”.
وأوضح الخطيب “إذا اقتربوا من إيران فإنهم يخسرون السعودية وإذا اختاروا تركيا فسيخسرون آخرين “، معتبرا أنه “من الأفضل للفلسطينيين أن يبقوا على مسافة آمنة من هذه القوى الإقليمية العظمى المختلفة”.
لكن في سؤال حول ما إذا كانت القيادة الفلسطينية ستسعى للبحث عن تحالفات جديدة، قال وزير البيئة الفلسطيني عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير أحمد مجدلاني ” واقع الامر يدفعنا الى إعادة تقييم اوراقنا وعلاقاتنا سواء على المستوى الثنائي العربي الفلسطيني أو على المستوى الاقليمي”.


الكاتب : (الاتحاد الاشتراكي)

  

بتاريخ : 17/09/2020