الفلسفة .. إلى أين؟ الفلسفة في المغرب إلى أين؟ -23- عبد العلي معزوز: الآن، يستغاث بالفلسفة لمواجهة الأصوليات

طُرح هذا السؤال مطلعَ ثمانينيات القرن الماضي من طرف الجمعية الفلسفية التي كان يديرها الفقيد محمد عزيز الحبابي، وكان سياقه مرتبطاً بحضر الفلسفة في الجامعة المغربية. ونحن اليوم إذ نستعيد هذا السؤال، فإنّ قصدنا منه خلق نقاش جديّ حول الفلسفة اليوم وما يعتريها من انحصار في الفضاء العمومي، وانصراف الباحثين الجدد عن المشاريع الكبرى. لقد حاولنا في هذه الحوارات أن نسلط الضوء من جديد على الراهن الفلسفي وأسئلته في المغرب انطلاقا من التحولات الكبرى التي عرفها العالم كاكتساح العولمة، وتزايد التطرف والأصوليات المتعددة، وأن نفتح أفقاً رحباً لراهننا المغربي والعربي.
وإذا كان جيل الأساتذة الأوائل، مؤسسي الدرس الفلسفي في المغرب، قد قدموا مشاريع كبرى ودراسات في التراث، والفكر السياسي، والفكر العربي، والفلسفة المعاصرة؛ ومارسوا الترجمة وحرّضوا الطلبة على البحث والترجمة؛ فإن ثلة الباحثين الذين اخترنا محاورتهم على امتداد حلقات هذا النقاش المطوّل، قد نشروا بدورهم كتابات في الفلسفة، وما انفكوا منشغلين بهذا الميدان المعرفيّ تدريسا وتأليفاً. فهل ما تزال الفلسفة تتمتّع بالجاذبية نفسها التي كانت تتمتع بها فيما مضى؟ وهل هناك استمرارية أم قطيعة مع جيل الأساتذة ؟ أسئلة من بين أخرى طرحناها عليهم، آملين أن تكون استضافتنا لهم على منبر جريدة « الاتحاد الاشتراكي « مساهمةً في تحريك الأسئلة والنقاش في فضائنا العموميّ الذي ما انفكّ يرتكن إلى السكون والوثوقية.

 

o ألا تحن الى الزمن السابق،ألا ترى أن الطالب الذي تدرسه اليوم يختلف عما كنت عليه في السابق بمعنى كيف تنظر الى الفلسفة في زمن تلمذتك الجامعية والفلسفة اليوم عندنا؟
n في الحقيقة الفارق الزمني الذي يمكن أن نقدره بثلاثين سنة أو ما يزيد لا شك أنه له دور كبير في الفارق الموجود بين طلبة الأمس وطلبة اليوم، وانشغالاتنا وهواجسنا نحن ليست هي نفسها التي لديهم اليوم،إلا من رحم ربك من طلبة يحملون هموما فلسفية ووجودية وأنطولوجية قيمية وسياسية. إن وهج الفلسفة لا يمكن أن يخبو اليوم وهو الذي لم يخبُ قطُّ من اليونان إلى اليوم. لكن طلابها هم الذين خبا وهَجُهم حيث ينشغلون أكثر بالنجاح وبالتفوق وبالمردود المادي وبالترقية، أما في زمننا فكنا ندرس دون أن نعرف ما عسى أن يكون مصيرنا. فكان تَعَلُّمُنَا الفلسفة بمثابة نضال ولم نكن نعرف كيف سنجني قوت يومنا فيما بعد لولا أن وُظِّفْنَا في التعليم.كنا ندرس للمتعة والنضال واللذة والأمور الأخرى قد تأتي وقد لا تأتي،بينما اليوم فالطلبة يضعون الحصول على المهنة في سلَّم الأولويات.
o دشن الجيل الأول للفلسفة في المغرب مشاريع فكرية كبرى، هل جيلكم بدوره يمتلك مشاريع فكرية مماثلة؟
n إنَّ ما شَغَلَ الجيل الأول كما قلت سابقا هو توطين الفلسفة عبر تأسيس فلسفة مغربية مهتجسة باشكالية المصالحة بين الماضي والحاضر مع الانفتاح على مجريات الفكر الفلسفي الغربي من ابستيمولوجيا وأنثربولوجيا وبنيوية الخ. نجد أن هذه المشاريع توزعت بين الاهتمام بالتاريخ العربي الاسلامي بخاصة في مناراته الكبرى كابن خلدون وابن رشد،فكان الاعتقاد أنه لكي نلج الحاضر علينا أن نمر عبر هذه المنارات التي نسيت في عصر الجمود الفكري وفي عصر عودة «الديني». أما ما يخص يومنا هذا فقد تناسلت إشكاليات أخرى بحكم أن الحداثة وما بعد الحداثة فرضت مواكبة التغيرات الفكرية فظهرت إشكاليات وأسئلة جديدة مثل الديمقراطية والتواصل والصورة والطفرات التكنولوجية،أي أننا أمام إشكاليات لم يقل فيها الأولون كلمتهم فأصبحنا مضطرين إلى بناء مشاريع فكرية جديدة وإن لم تكن بذاتِ النفس الطويل الذي ميز عموما الجيل الأول ولكن كان علينا وضع لبنات مشاريع كل في مجال اهتمامه:مثل الجسد والصورة والسلطة،الفن،الانترنت…الخ ومع ذلك لابد من الاعتراف بمجهودات الجيل الأول الذين أعْفَوْنَا من بذل مجهود آخَر في كيفية التعامل مع التراث،لكن ينبغي الخروج من جُبَّتِهِمْ وطرح إشكاليات جديدة.
o اتخذ الجيل الأول طرقا ثلاث في الفلسفة:طريق الابستيمولوجيا وطريق التراث وطريق الفلسفة المعاصرة.وقاموا بمجهود كبير في الترجمة وتحريض الطلبة على التراث.ولكن عندما نعود إلى تجربتكم يمكننا أن نتساءل انطلاقا من اهتمامكم بالصورة والسينما والموسيقى والأنترنت كيف يمكن أن تفيدنا مثل هذه الدراسات في قرءاة الصور التقليدية والمتناسلة في الاعلام والشارع؟
n إن موضوعات وأطروحات الفلسفة لم تظل هي نفسها وإلا سقطنا في التكرار والاجترار فكل جيل اهتماماته وانشغالاته،فقد ورثنا نحن العرب والمسلمين متخيلا فقهيا وتراثيا ضخما ومهما ولكن يبقى علينا وضْع هذا الموروث على محك الحاضر والعصر ومن تم فأنا لا أقيم فرقا مصطنعا بين ما نهتم به في العالم العربي و الإسلامي وما يطرح على الساحة العالمية. كل شيء ينتظر منا التسلح بإرادة تجديد للمفاهيم لمواكبة ما هو ما مستجد في الفكر والثقافة والفن.ولهذا أرى أن الصورة لوحدها تكثف المقموع والمكبوت وآن الأوان لكي نميط اللثام عن هذا المسكوت والمنسي بما استجد من أدوات ومناهج.فالصورة كمتخيل وكاستيهام كانت دائما حاضرة في التراث العربي:يمكن أن نجد في فكر ابن عربي وجودا قويا للصورة،لكن هل ستسعفنا تأملاته في تناول طفرات التكنولوجيا؟ ويمكن مقاربة الصورة من منظور أنثربولوجي كشيء مقموع في الثقافة العربية ولعل سؤال حَظْرَ أو منع أو إهمال الصورة في متخيلنا الاسلامي العربي يواجهنا اليوم: فهل ما زلنا نرزح تحت هذا المنع؟ هل فككنا فعلا السؤال الآتي «لماذا هذا المنع»؟بل هل هناك فعلا حظر وتحريم وإن لم يكن فلماذا وقع فيما بعد؟الشيء الذي لا يمكن مقاربته إلا بالانفتاح على مناهج فكرية جديدة.فالصورة الافتراضية اليوم مثلا صار لها شأن وغدت السلطة تهابها فكيف يمكن فهم ذلك دون أدوات فكرية جديدة؟والجسد مثلا الذي ظل مقموعا في الثقافة العربية وضمن مجال المحرم،أصبح يغزو صورنا وثقافتنا في السينما والفيديو والتشكيل الشيء الذي نحتاج فيه لوسائل لمعالجة هذه القضايا بجرأة جديدة.ولا أرى أن هناك هوة،إلا في أذهان بعض الباحثين،بين التفكير في التراث العربي والإسلامي والصورة وتكنولوجيا العولمة. ينبغي التفكير فيما يدعونا ويسائلنا دون عقدة.
o انخرطتم منذ مدة في خرق الحدود بين التخصصات في كلية الآداب والعلوم الانسانية عبر خلق ورشة بمعية الأستاذ والناقد السيميائي عبد اللطيف محفوظ اهتمت بتنظيم ندوات حول الصورة والسينما والأدب والفلسفة،وربما واجهكتما مقاومة وكوابح التي رغم ذلك لم تعقكم عن متابعة هذه التجربة الجميلة في الحوار بين تخصصات مختلفة؟
n لعل أهم سمات الفلسفة اليوم هو عدم وضع حدود قارة بين التخصصات،بحيث تستفيد وتتغذى الفلسفة من روافد عدة وأظن أن الرهان الأساسي للفلسفة في المغرب اليوم هو الانفتاح على تعدد المناهج التي من شأنها مدها بالمواد الفكرية الجديدة مثل التفكير في التلفزيون،وبالأخص في تلفزة الواقع وقضايا اليومي مثلما فكَّرَتْ الفلسفة الفرنسية والألمانية في المذياع والصورة.هذا الخرق يصرف الفلسفة عن مجرد الاهتمام بالمتون لوحدها والانفتاح على كل ما صغر شأنه وشاذ.ففي كتابي عن السينما وجدت تقليدا ضخما كبيرا فكر في السينما مثل دولوز ورانسيير وباديو وستانلي-كافيل…الخ حيث وجد الفيلسوف في الصورة السينمائية تعمل وفق مفهومين فلسفيين هما الزمن والحركة،فمن ذا الذي يمكنه مدنا برأي نقدي إن لم تكن الفلسفة ذاتها.لذا على الفلسفة أن تتسع دائرة اشتغالها وتخرق الحدود بين التخصصات حيث ينبغي أن تلتقي الفلسفة بالتحليل النفسي والسيميائيات والسوسيولوجيا…حول وسيط مهم هو السينما مثلا.لذلك نظمنا ندوات بمثابة ورشات للتفكير شارك فيها باحثون من تخصصات مختلفة من نقاد وأدباء وفلاسفة وفنانين للتفكير في سؤال الجمال والسينما وفي مفهوم التمثيل والتقنية المعاصرة وكذا الاهتمام براهنية فلاسفة كبار مثل هايدغر ودريدا وفوكو…
o لدينا في المغرب مفكر استثنائي،تتلمذتم عليه،هو عبد السلام بنعبد العالي تميزت الكتابة لديه بشكل شذري مهتم بقضايا الصورة والتلفزة واليومي في كتب مثل:»ثقافة العين»و»بين بين»…الخ التي تعد بمثابة ومضات عابرة عن مشاريع فكرية ونظرية تعطي للباحث والطالب فرصة تعميق البحث.
n إن فضل الأستاذ عبد العلي علينا كبير جدا لأنه يسر لنا كثيرا دراسة الفلسفة وقَرَّبَ لنا فلسفات معاصرة مثل التفكيكية والاختلاف كما نبهنا إلى أهمية اليومي ليس باعتبارها موضوعات نافلة مثل التفكير في ثقافة الجماهير والبوب والعولمة والميديا والشأن السياسي إلى جانب طبعا محمد سبيلا، واللذين شكلا ثنائيا نادرا متفطنا ومتنبها لمثل هذه الأمور التي تمس اليومي.لذلك تهتم الفلسفة اليوم في المغرب والعالم بالميكرولوجي والميكروفيزيائي وبكل ما هو دقيق ومجهري الذي رغم دقَّتِهِ ومِجْهَريَّتِهِ يحدد نظرتنا للعالم.
o لكن هناك عيب تعيشه الفلسفة المغربية هو انعدام المؤسسة يعني بعد رحيل مثقف أو فيلسوف مثل الخطيبي أو الجابري تتجمد أفكاره ولا نجد له تلاميذ ومفكرين يتممون ما بدأه على عكس فرنسا مثلا.
n فعلا هناك مثقفون كبار ذهبوا في صمت مع أنهم حاوروا جهابذة الفكر الغربي مثل الخطيبي الذي كتب عنه دريدا وبارث،فلا نجد بعد موته مؤسسة تهتم بفكره،أي مؤسسة تجمع باحثين ودارسين يهتمون بفكره…فبورديو مثلا ترك باحثين تمكن من دفعهم إلى كتابة مؤلف جماعي أشرف عليه هو كتاب»بؤس العالم»،وهو فعلا ما ينقصنا أي أن يجتمع باحثون تحت اشراف أستاذ مؤطر لكي لا تبقى المشاريع فردية ومعزولة وضعيفة التأثير وهو ما أحاول مقاومته بتأطير طلبة لهم اهتمام بالفكر المعاصر ومابعد الحداثة مثلما كان شأننا مع ذ.سبيلا حيث لم يكن يحدد موضوعات لطلبته ولكن اهتمامات…ولقد اهتمت مثلا شعبة الفلسفة بكلية الآداب بنمسيك بتنظيم ندوات وأعمال جماعية حول مفكرين وفلاسفة منهم من قضى نحبه ومنهم من لازال حيا مثل الجابري والعروي وأومليل وناصيف نصار وسبيلا…ولكن يبدو لي أنه في الوقت الذي تبدو فيه هذه اللقاءات محمودة ومطلوبة لكن في الآن نفسه لا تشتمل على الاهتمامات المعاصرة، وفي وقت ما كان مطروحا مثلا تنظيم ندوة حول الدستور عقب الثورات العربية فطرح سؤال هل هذه الدساتير مواكبة لتطلعات الشعوب وملبية للاحتياجات العصر وتجيب عن مطالب الاحتجاجات العربية،التي بالنسبة إلي ليست ثورات وإنما احتجاجات اختطفت من لدن الأصوليات فكانت الحصيلة ضد تطلعات هذه الأمم.ولكن حينما نريد التفكير في قضايانا الراهنة،كالصورة مثلا،لابد لي أن أستحضر جيلي السابق كموليم العروسي الذي عالجها من منظور خاص ومن زاوية إستتيقية لكن كان همي أيضا أن اشتغل على نفس التيمة من زاوية مدرسة فرانكفورت مثلا.فأظن أن الحصيلة تكون أفضل حينما لا نتبع أساتذتنا ونحذو حذوهم بل لابد من البحث عن إضافة شيء ما لمجال خصب وبكر وأن ندفع الطلبة للتفكير في قضايا السينما والتلفزيون،حتى وإن بدا للبعض تفاهة مثل الموضوعة الأخيرة لكن كيف يمكن تفسير تناسل القنوات الترفيهية والثقافية والدينية؟ما هي القواعد والقوى الايديولوجية التي تقف خلفها؟وكيف يمكن تأزيم مثل هذه القضايا فلسفيا؟
o من بين القضايا التي طرحت عالميا وعربيا منذ صعود الأصولية يمكن الحديث عن نكوص للعقلانية والفلسفة التي راهن عليها مثلا الجيل الأول.ألا يمكن أن تؤدي عودة الديني للفضاء العمومي والجامعي مثلا اضطهادا للفكر العقلاني والقيم التي رفع الكثير شعاراتها مثل الديمقراطية والحرية والوعي،ليس فقط في المغرب لكن في الغرب أيضا الذي عرف عودة تيارات اليمين المتطرف(فرنسا أمريكا …)؟
n يبدو أنه من مفارقات التاريخ أن العالم فيما مضى تمتع بحركات تحرر واحتجاجات طلابية وواكب ذلك أدب يثمن المتخيل في العالم الثالث لكن اليوم وقعت انتكاسة للمثل العليا وشهدنا صعودا لأصوليات مختلفة اسلامية وصهيونية ومسيحية ويمين محافظ …نحن إذن أمام مشهد جهنمي كارثي رغم وعود العولمة المختلفة التي تبشر بالرفاه الرقمي وحقوق الانسان والمهاجرين،فنحن أمام مآس ترجع بنا القهقرى الشيء الذي يعود في معظمه إلى أسباب متشابكة ومركبة أولها التوحش الرأسمالي،وبالضبط رأسمالية المال بعد ان كانت الرأسمالية مشروعا تحرريا بورجوازيا،وصارت الرأسمالية خاضعة للتَّغَوُّل المالي والإيديولوجي.لكن عودة الديني ليست عودة وإنما كان الدين دائما موجودا في أشكال من التدين المعتدل والمتزن لكنه اخْتُطِفَ واسْتُثْمِرَ في السياسي وتحول الاسلام من تعبد وابتهال للخالق إلى شأن سياسي وايلاء الأهمية للتدين لأن هؤلاء الأصوليون وجدوا أنفسهم أمام عالم متوحش تقوده النيوليبرالية فتكون الأصولية إذن مجرد ردة فعل تراجيدية.في الوقت الذي تعد فيه تيارات الاسلام السياسي بمستقبل لمجتمعاتها فهي تقوض بعض مكتسبات هذه المجتمعات بعد الاستقلال:الحداثة في التعليم والفكر والسياسة.فهي حركات تهدم وتقوض أكثر مما تبني وتشيد.إنها ردة فعل انفعالية لا غير ولا تملك بديلا عن الاخفاقات التي شهدها العالم العربي الاسلامي ولا تملك مقومات طرح بدائل مغايرة وتقوم في مجملها على العنف والمقاومة العنيفة للغرب المتخيل،لأن الغرب ليس كثلة واحدة ففيه جوانب تنويرية وتحررية وأيضا امبريالية…الخ لكن هذه الأصوليات توحده لكي تخلق منه عدوا وفي المقابل يكون الغرب بدوره في حاجة إلى عدو جديد فكان أن منحته الأصوليات هذه الفرصة.لكن موقع الفلسفة يكون خارج كل هذه الاعتبارات،فقد فرض عليها لزمن أن تنحشر إلى جانب الايديولوجيات مثل الماركسية مثلا وتبين فيما بعد تهافت هذا الرأي،أما الآن فيُسْتَغَاثُ بالفلسفة لمواجهة هذه الأصوليات لأن الفلسفة لا تواجه أحدا بل هي ملك للإنسانية هي فكر نقدي تحرري ولها أدوار كبيرة غير التخندق في تيار ضد آخر.وليست أداة لشقاء الإنسان بل وسيلة لسعادته.
o لقد منعت الفلسفة في 1980 في الجامعة لكن سمح بها بعد احتجاجات صيف السنة نفسها لاعتبارات سياسية وأمنية ،ثم ظلت مهمشة (بقيت في فاس والرباط فقط)إلى غاية حكومة التناوب حينما أعيد لها الاعتبار وأعتقد ان انتشار الأصوليات مرده إلى إبعاد الفلسفة،فما رأيكم؟
n تكلمنا سلفا عن الفلسفة والسلط فقلنا أن الفلسفة بجانب الحق والحقيقة وضد التسلط والحجر كيفما كانت ايديولوجياته وبناء على هذا التعريف تظل الفلسفة ضد السلطة لكن ليس بشكل فوضوي عدمي لكنها نقد بناء للسلطة أي دفاع عن الانصاف والعدالة والديمقراطية،والتعامل الذي طبع العلاقة مع الفلسفة في المرحلتين السابقتين يمكن وصفه بأنه تأديتInstrulmentalisation للفلسفة.لذا عليها الحذر من هذا الاستغلال وَوَجَبَ الحفاظُ على استقلالية القول الفلسفي لكي تحافظ على كيانها وأن لا تقع ضحية هذا الطرف أو ذاك.إن الفلسفة محبة للحكمة وخطابها يدعي أنه فوق العصور فالهم الأفلاطوني والأرسطي لازال مصاحبا لنا رغم كل هذه العصور،الشيء الذي لا يعني أنها جامدة بل هي متجددة لكنها خالصة من الايديولوجيات،إنها دفاع عن الحكمة،ودفاع عن الخلود بالحكمة.
o الأستاذ معزوز أنت من القلائل،ليس في المغرب فقط وإنما في العالم العربي،الذين اشتغلوا مبكرا بسؤال الصورة،فهل هذا الانشغال استجابة لميل طبيعي خاص يجعل منكم أقرب إلى نقاد الفن أم أنه استجابة لوعي بضرورة سد الفراغ الحاصل في هذا الباب؟
الجواب: الأمران معا، فقد كان اهتمامي بالصورة «المرسومة» أو «الصباغية»(l’image picturale) مبكِّراً من منطلق محاولة فهم العملية الإبداعية لدى كبار الفنانين أمثال «هنري ماتيس» و«بابلو بيكاسو» و«كلود موني» و«إدوار ماني» و«فان كوغ» باختلاف اتجاهاتهم وتياراتهم. وشيئا فشيئا انبثق لديَّ سؤال الصورة الآلية أو الميكانيكية: كيف يتم إنتاجها وما الآليات المتحكِّمة فيها وما النظام البصري المُؤَثِّثِ لها؟ واكتشفتُ أن الصورة الآلية أنواع: منها الإشهارية والدعائية والسياسية ومنها الفنية والإبداعية. فقادَتْني أبحاثي إلى أنّ ثمة أنماط من الصور تبعاً للوسائط الفوتوغرافية والسينمائية والتلفزيونية والافتراضية. ومن هنا عَنَّ لي أن أُرَسّخ في الثقافة العربية مسائلة الصورة فلسفيا وجماليا، لا أقول لملئ فراغ- لأن هذا سيكون من باب الاّدِّعاء- ولكن على الأقل لتمرين فكرنا الفلسفي على تناوُلِ موضوع طالما تُرِكَ للتقنيين والمصمّمين والمهندسين.


الكاتب : حسن إغلان

  

بتاريخ : 14/06/2018