الفيلم الغنائي العربي : ما بين التألق والنكوص – نماذج شاهدة

1 – الزاوج البصري
بين السينما والموسيقى

تعتبر السينما من أقدر الفنون على التعبير الداخلي، وهي ُثاني الفنون بعد الرسم، و الموسيقى كما يقال لا تعبر عن النفس فقط، بل تخاطبها، فهي (الفن الذي تتوسله النفس للتأثير على النفوس) كما يراها البعض، وهي بديهية لا جدال حولها لما لها من فعل سحري على حياة الشخص وسلوكه، لذلك كانت الموسيقى من أهم الفنون التي تلتحم بها السينما لإغناء لغتها حتى في مرحلة صمتها حينما كانت عاجزة عن النطق، وذلك من خلال مصاحبة عازف البيانو للعروض بموسيقى تحاول الحيلولة دون سماع ضجة حركة آلة العرض، لكن أيضا خلق الجو العام الفرجوي بموسيقى تحاول مسايرة اللقطات،هكذا تكون الموسيقى قد رافقت السينما منذ نشأتها، حتى حينما نطقت سنة 1927 بشريط « مغني الجاز» نطقت موسيقيا، لقد أدرك السينمائيون الأوائل وهم يحاولون احتواء كل الفنون السابقة وتركيب لغاتها المختلفة في لغة مركبة جديدة هي لغة السينما ، بأن الموسيقى الوسط التعبيري المجرد هي اللغة الأمثل لترجمة المشاعر و الأحاسيس، خصوصا حينما تكتسب طابعها المادي بصريا، لدرجة أصبحت فيما بعد الرؤية الموسيقية غالبا ما تحدد الرؤية الفنية داخل مشهد ما أو أثناء تتابع اللقطات، خصوصا حينما يتم التأليف الموسيقي تبعا لبنية الشريط وليس بتوظيف مقاطع موسيقية معدة سلفا و إقحامها على تلك البنية، وهو ما نتج عنه مفهوم (السيناريو الموسيقي) كعمل قائم بذاته يمكن الاستمتاع بسماعه منفصلا على شرائط مختلفة،مما فرض على بعض المؤلفين الموسيقيين ملزمين بالبحث عن مقاطع قصيرة منسجمة مع المشهد ومساعدة على الانتقالات بينها من أجل توضيح أفكار الفيلم باللحن، وخلق الإحساس العميق بالصورة، يفيدنا كل هذا بأن الموسيقى في السينما ليست مجرد إضافة جمالية، بل هي إحدى دعامات توضيح المشهد البصري، وهو ما عبر عنه « موريس جوبير» في كتابه «موسيقى الأفلام» بالقول (لا نذهب للسينما لنستمع للموسيقى،بل ننتظر منها أن تعمق لدينا الإحساس البصري، ولا نطالب بشرح اللقطات، و إنما بالإضافة إليها خصوصية الواقع)، وهذا هو ما يعرفه البعض بالموسيقى الخالصة كما أسس لها الموسيقي الفرنسي «كامبل سان ساتر» منذ البدايات حينما ألف أول مقطوعات موسيقية للسينما، إن الإنزياح عن هذا المنطق قد تحكمه الرغبة في الاستفادة من شهرة موسيقى ما،لكنه يكون محفوفا بمنزلقات فنية قد تؤدي العمل الفني السينمائي، ما لم يكن المخرج على درجة كبيرة من استيعابه لشروط الانزياح الوظيفية والاستفادة منه قصد خدمة العمل السينمائي كما هي حالة المخرج «ستانلي كوبريك» بتوظيفه لموسيقى «ريتشارد ستراوس» في شريط «أوديسا الفضاء» ليس باعتبارها حشوا أو مجرد خلفية، بل باعتبارها وسيلة تعبيرية متممة لبنية الشريط أكثر منها وظيفية.
إن رهان السينما على الموسيقى يكمن في وعيها بوظائف الموسيقى المتعددة و التي تتراوح ما بين ما هو سيكولوجي لتحديد حالات الشخصيات العاطفية والنفسية وتجسيد الرغبات، وما بين ما هو تقني وفي صلب لغة السينما كالربط بين المشاهد، والتعريف بالمكان ……على أساس أن لا توظف لصرف انتباه المتلقي عن أخطاء
الربط بين اللقطات، لذلك يرى البعض ضرورة إيجاد تعاون كبير يين المخرج و المؤلف الموسيقي حتى تكون موسيقى الفيلم نابعة من خصوصيته، بل و في بعض الأحيان محددة لنوعه من قبيل موسيقى أفلام الويسترن.

2 – في فك الاشتباك المفاهيمي

يوجد تشابك مفاهيمي عميق بين الفيلم الموسيقي والفيلم الغنائي، فإذا كان الفيلم الموسيقي تطورا طبيعيا للمسرح الموسيقي تزامن ظهوره مع ظهور السينما باعبتار أن الموسيقى كانت منذ البداية مكونا أساسيا من مكوناته، فإن الفيلم الغنائي بمعناه الدقيق عرف تأخرا تاريخيا عن ظهور السينما، حتى و إن كان البعض يعتبر شريط « مغني الجاز» فيلما غنائيا، لأن هذا الشريط كان مجرد احتفاء السينما بالموسيقى لا بالكلام، ينتج عن هذا و بالبداهة اعتبار كل فيم سينمائي فيلما موسيقيا ، مادامت الموسيقى (التصويرية) كامنة في بنيته التركيبة، ومن ثمة يمكن اعتبار الفيلم الغنائي فرعا من فروع الفيلم الموسيقي sous genre)) إدا اتفقنا على أن الفيلم الموسيقي نوعا مستقلا بذاته، قد يهتم بالموسيقى لذاتها بعيدا عن علاقتها بالجوهر الدرامي ولا توظيفه للأغاني، قبل أن تنتبه السينما إلى أمكانية نسج علاقة نفعية متبادلة بين الفيلم الموسيقي والفيلم الغنائي من جوانب الاستثمار والانتشار، ليصبح الفيلم الغنائي في العديد من الفترات واقعا بصريا ماديا، ومؤثرا في التراث السينمائي العالمي، خصوصا بعد نجاح اليعض من مثل «فرنك سيناترا» في تقديم الأغنية السينمائية بشكل جد منظور، وظهور أفلام – تحفا – غاصت في وجدان المتلقي نذكر على سبيل المثل لا الحصر أفلام من طينة: «قصة الحي الغربي» للمخرج «روبيترو ربرت»، «كباريه»، «الطاحونة الحمراء»، ورائعة «لارنس فان تراير» فيلم «راقصة في الظلام»…….
لقد حققت العديد من الأفلام الغنائية نجاحات مبهرة، وقدمت إلى الواجهة مغنون في عباءة ممثلين، لكنها في الآن ذاته أربكت تصنيفها من جديد خصوصا بعد احتضان الفيلم الغنائي من طرف السينما الرومانسية وارتباطه بها بشكل وثيق، وهو ما دفع بعض النقاد إلى محاولة تحديد بعض المعايير و الخصوصيات النافذة التي برفع اللبس عن مفهوم الفيلم الغنائي كنوع مستقل لذاته، من مثل أن يحقق الشريط رقما مهما من الأغاني، وان تسند أدواره الأساسية لمغنين أو مغنيات،و أن يحضر الغناء في الفيلم بوصفه موضوعا، كل هذا من أجل رفع الضبابية في التصنيف ما بين الفيلم الذي يحضر فيه الغناء كجزء من الأحداث والمواقف،والفيلم الذي يحتفظ فيه بكل عناصر الفيلم وأضافة فواصل غنائية.

3 – الرومانسية حاضنة
الفيلم الغنائي العربي

إدا كانت السينما الهندية من خلال «بوليود» عرفت هيمنة الأفلام الغنائية حتى ساد الاعتقاد بأن كل فيلم هندي تقريبا هو فيلما غنائيا، فأن السينما العربية عرفت بدورها هذه الموجة منذ بداياتها ن السينما ، وهو ما أكده الناقد سمير فريد بقوله (يبدو السينما المصرية نطقت لكي تغني)، وهي إحالة إلى أول شريط سينمائي مصري ناطق « أنشودة الفؤاد» سنة 1931، لمن أيضا إلى شريط الوردة البيضاء) لمحمد عبد الوهاب الذي يعتبر الولادة الحقيقة للفيلم الغنائي الغربي ،لأنه كان مكتوبا بأسلوب يناسب المشاهد السينمائية، ليعرف هذا المد قمة النجاح والازدهار في الأربعينيات والخمسينيات، من خلال تحقيق أرباحهائلة في المداخيل، مستتمرا في ذلك شهرة العديد من نجوم الغناء من قبيل : محمد عبد الوهاب، أم كلثوم ،ليلى مراد، فريد الأطرش، اسمهان، صباح، شادية، عبدالحليم حافظ وغيرهم، قبل أن تتشكل ملامح إعلان فض هذا التزواج البصري بين السينما العربية والأغنية العربية بداية الستينيات لأسباب متعددة منها: منافسة التلفيزيون للسينما ببرامج موسيقية وحفلات غنائية، ظهور الفيديو كليب، لكن أيضا لأسباب سياسية واجتماعية إثر تنامي الحركات السياسية.
إن الحديث عن السينمائية الغنائية العربية هو الحديث عن الفليم الغنائي المصري بالأساس، لأنه ولأسباب إيديولوجية كانت العديد من السينمات العربية في العراق وسوريا والجزائر والمغرب تميل بدرجة أولى إلى سينما صراع المواقف والأفكار معتبرة الرومانسية بشكل عام والفيلم الغنائي بشكل خاص نوعا من ثقافة التدجين والتخدير، وهو ما لم يسمح بظهور الاتجاه الرومانسي في السينمات العربية خارج السينما المصرية، علما أن الفيلم الرومانسي في مصر كان الحاضنة الأم لظهور الفليم الغنائي، لأن بدايات السينما المصرية كانت رومانسية بأفلام أصطلح عليها «رومانسيات الصحراء» كما عبر عن ذلك الدكتور «ناجي فوزي»في مقال تحت عنوان (العصر الذهبي للحب في السينما المصرية)، وهذا ما ستحتفظ به السينما المصرية لما يزيد عن نصف قرن وهي تتعامل مع الرومانسية، لدرجة يصعب معها أن نجد معها مخرجا منذ سنة 1927 لا يحمل تاريخه فيلما رومانسيا،»فيوسف شاهين» ظل يعتز بفيلمه الرومانسي «أنت حبيبي»، ورائد الواقعية العربية «صلاح أبو سيف» سجل امتيازا بافلام رومانسية من طينة «هذا هو الحب» و«الوسادة الخالية»، ليستمر هذا الحال حتى مع مخرجي الموجة الجديدة المصرية كالمخرج «عاطف الطيب» في شريط «الغيرة القاتلة»، وللحقيقة التاريخية فأن نجاح هذا الاتجاه الرومانسي في مصر لم يكن فقط نتيجة توفر السينما المصرية على الإمكانيات الإنتاجية الهائلة ، بل لتوفرها على نجوم غناء كبار تتوفر فيهم شروط الممثل الرومانسي واللذين غزت أصواتهم قبل وجوههم الوجدان العربي نخص بالذكر محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، على اعتبار الأول مؤسس الفيلم الغنائي العربي، والثاني من أكثر المغنين نجاحا و رواجا في السينما عن سواه، وقد يكون هذا الاستثمار الذكي للسينما المصرية في هذه الهامات الغنائية ، هو ما ساعدها في فترة تاريخية معينة من الهيمنة على الأسواق العربية.

4 – نماذج عربية لا تنسى
أ – محمد عبد الوهاب: المؤسس

لا مجال للريب في أن محمد عبد الوهاب أو موسيقار الأجيال أو فرعون السينما المصرية كما يصطلح عليه البعض قد تربع على عرش الموسيقى العربية ونال من خلالها جوائز عديدة وأوسمة و تكريمات من العديد من الدول والهيئات العربية والدولية منها حصوله على الدكتوراه الفخرية من جامعة لوس أنجلوس، هذا الفنان الذي عاش في قلب السياسة وانتمى لحزب الفن فقط – كما يقال – سيكون أول مطرب مصري يظهر في السينما من خلال فيلم «الوردة البيضاء» سنة 1933، وبذلك تكون السينما المصرية غنت لأول مرة بصوت عبد الوهاب بفيلم استمر عرضه لسنوات لدرجة يحكى معها أنه خصصت تسعيرة مختلفة لأفلامه عن ما كان سائدا في ذلك الوقت، لقد وضع كل من «محمد كريم» و«محمد عبد الوهاب» الأسس التي تحكم الفيلم الغنائي العربي، ومهدا الطريق للعديد من المطربين لاقتحام السينما، وبذلك يكون المؤسس الأول و واضع هيكل الاندماج بين السينما المصرية و الغناء،وصاحب الفضل الكبير على انتشار الفيلم الغنائي ، بالرغم من قلة الأفلام التي قام ببطولتها مقارنة مع باقي المطربين، وبالرغم ن قناعته بأن الغناء وحده لا يصنع المجد بل لابد من التمثيل،فإنه إظطر للتخلي عن التمثيل بعد أخر أعماله « لست ملاكا « معللا ذلك بقوله ( من الصعب أن أعود الآن،لأن المشاهد رسخ في ذهنه أنني موسيقي، فإذا لعبت دور مهندس أو طبيب لن يقتنع بذلك).ومع ذلك فقد اعتبرت أفلام محمد عبد الوهاب السبعة بمثابة بوابة الشهرة والانتشار للعديد ممن سيصبحون نجوم السينما المصرية فيما بعد من مثل، ليلى مراد التي قدمها في فيلم «يحيا الحب»، أو فاتن حمامة في فيلم «يوم سعيد» لتصبح بعده سيدة الشاشة العربية، أو «مديحة يسري» التي ستظهر لأول مرة في فيلم «ممنوع الحب» سنة 1942 وهوو كما يرى بعض المؤرخين لتجربته أول شريط توظف فيه الأغاني ضمن النسيج الدرامي للفيلم منها أغنية «يا مسافر وحدك»، ليعرج على التعامل مع الأدب سنة 1944 من خلال فيلم «رصاصة في القلب» المأخوذ عن رواية للكاتب توفيق الحكيم الذي علق قائلا بعد الفيلم (من الظلم السهو عن ذكر المجهود الذي بدله الأستاذ عبد الوهاب خلال عامين لإعداد الفيلم)، وفي وقت كان المنطق التجاري ومنطق طموح الانتشار أكثر لاسم محمد عبد الوهاب ولأغانيه يفيد بالمزيد من الأفلام، سيقرر عبد الوهاب تقديم النفي الفعلي لذلك المنطق بعد آخر أدواره كممثل في شريط «لست ملاكا» ربما بسبب المشاكل السياسية و التي أجلت عرضه إلى سنة 1964، وربما هذا ما دفعه لتبرئة أدوار أفلامه من كل شك حول واقعيتها والتزامها بالقول (إن أفلامي لم تكن غنائية وعاطفية فحسب، بل كانت أفلاما اجتماعية تعكس صورة المجتمع الذي ظهرت فيه).

ب – عبد الحليم حافظ :
نجم الفيلم الغنائي فوق العادة

حينما خطى عبد الحليم حافظ أولى خطواته في عالم الفن من بداية الخمسينيات دخل مثقلا بطفولة جريحة، وواقع اجتماعي غير مريح، وكان على هذا (النموذج الكلاسيكي للفتى القادم من الريف) على حد تعبير الناقد كمال رمزي ، أن لا ينزع إلى التقليد في زمن كانت فيه الأغنية المصرية في أوجها، وأن يحافظ على شخصيته الحقيقية التي قد تفيده في التميز ،وهو ما ثم فعلا سنة 1954 من إحدى مسارح الإسكندرية حينما ثم الإعلان عن ميلاد نجم جديد في الغناء اسمه عبد الحليم حافظ، قبل أن تنتبه السينما لبداية تميزه بين نجوم الغناء، ويستقطبه المنتج الرحل «رمسيس نجيب» لبطولة فيلم لم يكتب له نهاية التصوير تحت عنوان «دعني لولدي»، علما أن صوته سبق صورته في السينما من خلال فيلم « ظلموني الناس» للمخرج «حسن الإمام» سنة 1957، لم يكن عبد الحليم حافظ ممثلا بالمعنى الاحترافي، لكنه دخل السينما من باب الغناء، متسلحا بالموهبة والصدق في الآداء، وهي خصائص كانت كافية لخلخلة مواصفات البطل وتكسير كل القواعد والقواميس السائدة أنداك التي تفترض الوسامة و القوة كما عرفت عند «رشدي أباضة» أو «احمد رمزي» أو «عمر الشريف»….
لم يكن رأس المال الإنتاجي السينمائي ليغامر في تقديم عبد الحليم حتى يرى استقبال الجمهور له كممثل،وهو ما دفعه إلى الالتجاء للمنتجة المغامرة «أسيا داغر» من أجل أول فيلم «لحن الوفاء» لتبدأ مسيرته السينمائية بفيلم « «أيامنا الحلوة»، سمحت هذه التجارب حتى وأن لم تخصص لعبد الحليم دور البطولة المطلقة ،من الاندماج بخبرة الكبار من الممثلين والممثلات، لتتوالى بعد ذلك نجاحات أفلامه السينمائية محققة دفعة قوية للفيلم الغنائي المصري، وهي الأفلام التي مزج فيها بين التمثيل والغناء، بفيلموغرافية شخصية متنوعة نذكر منها على سبيل المثل: « دليلة» لمحمد كريم ،ى» الوسادة الخالية» لصلاح أبو سيف، «فتى أحلامي» و«معبودة الجماهير» لحلمي رفلة، «الخطايا» لحسن الإمام ، و«أبي فوق الشجرة « لحسين كمال…..، وهي الأفلام التي يعزو النقاد والباحثين نجاحها لأسباب متعددة و متداخلة:
ب – أ: كان عبد الحليم يجسد حالة اندماج تام مع الشخصية التي كان يؤديها، لأن الكثير من أفلامه كانت قريبة إلى قصة حياته الحقيقية وقريبة من سيرته الذاتية لأنها تتحدث عن أحد أبناء الطبقة الفقيرة المصرة على النجاح كما في شريط « شريط الحب» سنة 1957 للمخرج «عزالدين دو الفقار» وهي الأفلام التي قال عنها المخرج «حسين كمال» (توجد بها مجموعة من قصص الحب شديدة الجرأة و الخصوصية و الرومانسية، وهو ما جعل العديد من الشباب البسطاء يتعلقون بها)
ب – ب: قدرة عبد الحليم حافظ على تقمص الأدوار التراجيدية في خليط بالرومانسية التي يبدو انه خلق من أجلها وهو ما أكده الناقد «كمال رمزي» بالقول (في مجمل أفلام عبد الحليم حافظ تختفي الأشواق والهموم الجماعية، لتبرز القضايا الفردية الذاتية و التي تدور غالبا حول ذلك الفتى الآتي من أسفل السلم الطبقي، والذي يريد بكفاءته الشخصية أن يثبت موهبته وأن يفوز بحبيبته التي تنتمي إلى العالم الأرستقراطي….)
ويضيف ( ربما مرجع هذا يعود بالأساس لكون السينما المصرية الواقعة كأداة في أسر تقاليد البدايات لم تستطيع أن تتخيل مغنيا في صورة تختلف ذلك الشاب الرومانسي الذي يحب من أول نظرة).
ب – ج: تعود أسباب نجاح الرومانسية في أفلام عبد الحليم حافظ من جهة إلى توازي مسيرته الفنية مع مسيرة معاناته مع المرض مما خلق حالة من التعاطف الوجداني للجمهور معه مفعمة بالعطف قبل التعاطف مع مبنى أشرطته الغنائية، لكن من جهة ثانية حضور هذه الرومانسية في أطار تاريخي بصمته نكسة 67.
وهو ما ولد لدى المواطن العربي عموما رجة ونفسية عميقة، وارتجاجات وجودية كانت الرومانسية في السينما ملاذا مثاليا من ثقل المعانات، وبصيص شعاع للأمل ، خصوصا و أن ريبرتوار عبد الحليم الغنائي يضم من العديد من الأغاني التي أداها بشعور وطني كأغنية «لله يا بلادنا»، كما يضم أغاني لقضايا مصر وحشد الجماهير مما جعل الرئيس جمال عبد الناصر يعتبره صوت الثورة الذي يعبر عن معاركها، وهو ما أومأ أليه الكاتب «أحمد بهاء الدين بالقول (عبد الحليم حافظ غنى للأيام الكبيرة والأيام الكسيرة، غنى للجلاء، غنى للصناعة الوطنية، غنى للسد العالي و غنى للعروبة).
لقد ساهم عبد الحليم حافظ في إعطاء بعد ثالث للفيلم الغنائي من خلال مزجه بهموم رومانسية تمتح وجودها من بنية قضايا المجتمع الذي عاشه و عايشه ، و ساهم في تألق وانتشار السينما المصرية على طول خريطة الوطن العربي، كما ساهم في شهرة من مثل بجانبه من ممثلين و ممثلات ،من مثل الممثلة « ميرفيت أمين» التي شاركته البطولة في شريط «أبي فوق الشجرة» والتي وقعت شهادة اعتراف و امتنان لعبد الحليم بالقول (إدا كان البعض قد عرفني من خلال فيلم نفوس حائرة، فإن الملايين ليست في مصر فقط ولكن في كل الوطن العربي قد عرفوني بمجرد مشاركتي لعبد الحليم في فيلم أبي فوق الشجرة).
رغم كل هذه النجاحات ، فقد رحل وغصة أمنيه تمثيله لفيلم فيه دون غناء لم تتحقق ، لأن الموت لم يمهله، لكنه وبكل تأكيد ترك ميراثا غنائيا لازال حاضرا في المخيلات، وتركة سينمائية شاهدة على مروره من هذا الزمان.


الكاتب : عبد الجليل لبويري

  

بتاريخ : 27/11/2021