الفيلم الغنائي «لا لا ند» الحائز على جائزة أفضل الأوسكار: تراجيديا الفراق واللقاء بلغة شوبنهاور

يعتبر فيلم «لا لا ند» (2016/ 127 دقيقة / انتاج أمريكي) للمخرج المدلل لهوليود دامين شازيل ذو 31 عاما،علامة فارقة في تاريخ السينما الهوليودية وإعادة لعصرها الذهبي.
حطم الفيلم أرقاما قياسية في عدد الجوائز، 13 جائزة وشارك في 13 مهرجانا دوليا فقط خلال 2016. فيلم حاز على سبع جوائز غلوب من أصل سبع ترشيحات. واعتبر الحدث السينمائي الأكثر جدلا خلال هذه السنة. بثلاثة أفلام صنع هذا المخرج الشاب مجده السينمائي وهو في بداياته السينمائية.. في فيلمه للتخرج من جامعة هارفارد بعنوان «شاذ ومادلين » (2009/ بالأبيض والأسود) يحكي قصة بالموسيقى والرقص. ثم فيلمه الغنائي الثاني «ويبلاش» (2014).
منح هذا المخرج الشاب دفعة قوية لهذا الجنس السينمائي الغنائي الممزوج بالدراما مشعلا بذلك طاقة من الحيوية والعاطفة والحزن والرغبة.

عالمان من التمثيل والموسيقى:

يمكن تقسيم فيلم «لا لا ند» / «مدينة النجوم» « إلى عالمين.. عالم من الحضور والتجسيد والواقعية وعالم ثان من الموسيقى والرقص والغناء.
يمنح كل من الممثل رايان غوسلين والممثلة إيما ستون الحياة لفنانين، الأول عازف جاز على البيانو والثانية ممثلة. ويبحث الاثنان على تحقيق قصة حب غريبة وصعبة لتبرير حياة أبدية. يتعلق الأمر بالوفاء بتحقيق رغبة دون اعطاء أهمية قصوى للشهرة والمال وجمهور ساذج.
يقدم المخرج فكرة قديمة تستند إلى فلسفة شوبنهاور تضفي على الموسيقى قيمة أسمى مع الاقتراب من الرغبة الخالصة دون الإبتعاد عن الواقع. « هذا الجنس السينمائي يسمح بفصل الواقع عن الفنتازيا. إنه الجنس المركب والذي يقترب كثيرا من سينما الرغبة « يعلق المخرج.
يضع شوبنهاور الموسيقى كأسمى الفنون ويعتبرها الطريقة المثلى للقبض على إرادة الإنسان. لذا سعى مخرج الفيلم أن يضع الموسيقى الماهية التي يتأسس عليها الفيلم وهمه الأول والأخير. تحضر الموسيقى في جانب الفنتازيا والغرابة كوسيلة للتعبير.
بطل الفيلم يحدوه الأمل أن يقنع الناس بجدوى الجاز التقليدي و الشابة ميا تريد فقط أن تكمل « بروفتها» دون انتظار عبارات المجاملة والشكر على مشاركتها. ولا أحدا منهما كان يعتقد أنهما سيجتمعان معا بعد لقائهما الأول صدفة وسط زحام في طريق سيار.
ما المعنى أن تصنع فيلما بشخصيتين حالمتين، مدفوعين بأحلام هائلة، والأحلام هي التي توحد بينهم وهي التي تفرق شملهم. منذ متى تتماثل الحياة مع الحلم؟ بهذا المعنى يتحول الحلم إلى واقع وحقيقة داخل الفيلم ودلالاته.
«فيلم ( مدينة النجوم) مختلف جدا عن فيلم (ويبلاش)، لكن كلا الفلمين يعالجان تيمة تهمني جدا بشكل شخصي: كيفية تحقيق التوازن بين الحياة الشخصية مع الفن، الأحلام مع الواقع، وبشكل أكثر تحديدا، كيف يوازن الفنان علاقاته مع الفن والأخرين. بهذه المناسبة كل ما رغبت أن أحكيه من خلال الموسيقى والأغاني والرقص. وأعتقد أن هذا الجنس الغنائي هو وسيلة رائعة للتعبير عن لعبة تمزج بين الحلم و الواقع ». يعلق المخرج.. مضيفا، هذا الفيلم عربون وفاء لمدينة لوس أنجلس، قبلة السينما ومصنع الأوهام حيث تتوارى خلف قذارتها و ضجيج سيارتها أحلام سكانها المبهورين…
فكرة الفيلم هي مواجهة الوهم مع اليقين الثابت باستخدام أدوات ولغة شوبنهاور لتفكيك الثوابث.

تراجيديا الفراق واللقاء:

يقدم الفيلم اجابات غير متحيزة لأشياء مثل النوستالجيا والحمى والحسرة والنسيان.
من المثير للسخرية أن يكتمل حلم ميا وسباستيان باللقاء وأن يفترقا، « ما أردته بالتدقيق أن يكون روح الفيلم هو تراجيديا اللقاء و الفراق » يعلق المخرج.
إيما وريان لهما لغتهما الخاصة ليس فقط كشخصيتين بل أيضا لقوة حضورهما على الشاشة. من الصعب في هذا الفيلم أن يتحول جنس واقعي إلى خيال، لكن ممثلين من عيار ثقيل يمنحان هذا الانطباع بنجوم ينتمون إلى الواقع.
الفيلم بحاجة لفكرة الفرح، على أن يكون مشرقا وبهيا خصوصا عندما يلتقي بطلي الفيلم وينصهران مثل كأس خمر معتق. ففي نظر المخرج :
« الرقص هو وسيلة رائعة ليحكي قصة اثنين من الناس يقعان في الحب، للتعبير عن العاطفة الجياشة التي يرغبان بحدوثها « .
الحنين إلى الماضي،الحنين إلى موسيقى هوليوود الكلاسيكية، إلى سينما سكوب إلى الألوان الأساسية المشرقة، إلى الشفق، إلى عشاق يكتشفون أمانيهم وإحباطاتهم طيلة أربعة فصول، الشتاء، الربيع، الصيف، الخريف والشتاء مرة أخرى. في مدينة النجوم، مدينة لوس انجليس.
تطمح إيما أن تصبح ممثلة وهي تعمل نادلة في كافتريا الأستوديو الكبير. سيباستيان عاشق لموسيقى الجاز، حلمه الكبير أن يصبح صاحب مبنى حيث تنقل حفلات الجاز على الهواء مباشرة، على الرغم من أوضاعه الصعبة إلا أنه عاشق للموسيقى الجميلة التي تحمل الكثير من المعاني. بالصدفة يلتقيان في أكثر من مكان : في اختناقات مرورية، في المقهى، في إحدى الحفلات…لكنهما يفتقران للجرأة لمواجهة بعضهما البعض رغم ما يشتعل من حب بداخلهما. والحماس الذي يدفعهما للدعم المتبادل لأحلامها على الرغم من أن الأمور ليست بهذه البساطة واليسر. لماذا هذا الفيلم الغنائي ليس مثل باقي الأفلام الغنائية السابقة في السينما العالمية وفي ماذا يختلف عنها؟
ليس فيلما غنائيا مثل فيلم «البؤساء» (2012) للمخرج طوم هوبر ولا فيلم «شيكاغو» (2002) للمخرج روب مارشال. ولا يماثل أفلام المخرج بيسنتي منيللي ولا أفلام المخرج المخضرم وملك الموسيقى ستانللي دونين ولا الراقص جين كيلي ولا يشبه أفلام القاص والمخرج جيروم روبنس ويبتعد كثيرا عن أفلام القاص والمخرج جاك دومي لكن هذا الفيلم بشخصيته الخاصة وقدرته الكبيرة على مزج الفنتازيا والغرابة بالواقع. مشهد الإزدحام في الطريق السيار، مشهد طويل حيث يلتقي بطلي الفيلم يذكرنا بفيلم « قصة الجانب الغربي » (1961) للمخرجين جيروم روبنس وروبير وايز.

فيلم بلغة السينما التقليدية:

يفتتح الفيلم على الشاشة الكبيرة كسيل في سينما سكوب، بسلسلة متوالية من المشاهد في مشهد واحد طويل لتحقيق دوامة لا نهاية لها.
تصل فكرة الفيلم الأساسية من خلال التعبير، والإيماءات، ولغة الجسد، ولا يحتاج الفيلم كثيرا إلى الحوار. في البحث عن حكي قصة وتقديم ممتع وجيد للشخصيات من خلال الموسيقى والرقص نجحت إيما ستون في ذات الوقت أن تكون امرأة مدهشة وحقيقية من لحم وعظم بقدرتها التجسيدية.
تهيمن على لقطات ومشاهد الفيلم خلفيات بألوان فاقعة وحضور اللون الأزرق على طول الفيلم. والملابس الخفيفة ذات الألوان الربيعية الزاهية وكذلك حضور المصابيح التي تعكس نفسية الشخصيات الباحثة عن النور والأضواء والضياء. يقول المخرج « يهمني استخدام اللون، الديكورات، الملابس، كل الوسائل التعبيرية للمدرسة السينمائية التقليدية لحكي قصة راهنة «
في فيلم «لا لا ند» تتحول المدينة إلى مدينة ملحمية، مدينة بشاشة بانورامية. لذلك تم التصوير بلقطات بانورمية أطرت العمل الفيلمي وظلت مركزة على الإستعراض الغنائي بموسيقى كلاسيكية هوليودية.
يشكل مشهد التعارف داخل ازدحام حركة المرور على الطريق السيار مشهدا مركزيا تتأسس عليه باقي المشاهد …
ينظر المخرج لهذا المشهد بهذه الطريقة طارحا السؤال : ما الذي تفعله داخل السيارة؟ تضع الموسيقى وتحلم. كل حالم له حلم وكل شخص يعيش داخل أغنيته المفضلة. في هذا المشهد العام يتعارف سباستيان إلى ميا. موسيقى السيارة تخلق خلفية موسيقية والجميع الذين كانوا في الطريق السيار يجتمعون شيئا فشيئا في هذه اللحظة.
أعطى ليونوس سان غرين كأكبر مدير للتصوير بهوليود و خبير بتحريك الكاميرا في تاريخ السينما لحركات الكاميرا انسيابا وجمالية كبرى وجاذبية مصحوبة بإيقاع اللحن والنغمات لكنها لم تتداخل مع حركة الراقصين، لكنها جزء لا يتجزأ من حركات الرقص.
لعب الموسيقي جوستين هورت ويتز في تأليف موسيفى الفيلم وهو صديق المخرج تعرف عليه حينما كانا يدرسان بنفس الجامعة هو أيضا الذي ألف موسيقى فيلم «ويبلاش» .
بعبارة ختامية بسيطة يحكي الفيلم عن أحلام جميلة في واقع صعب. فيلم غنائي لا يقاوم بالنسبة لكل الأذواق في انفتاحه على العالم… لكنه فيلم بصناعة ومقاسات هوليودية…حاز الفيلم جائزة الأوسكار عن أفضل إخراج وعن أفضل ممثلة لإيما ستون ذات 28 ربيعا…


الكاتب : عبد الله الساورة

  

بتاريخ : 01/04/2017