القطب الاقتصادي : دعم قدرة اقتصادنا على مواجهة المنافسة الدولية وحماية الفئات السكانية الأكثر هشاشة

دراسة السياسة الاقتصادية للمغرب خلال النصف القرن الأخير تعطي الانطباع أن بلادنا تشكل لغزا محيرا، ذلك أن نسب نمو الناتج الداخلي الخام (PIB) ظلت متقلبة وغير مستقرة بالمقارنة مع بلدان أخرى في طريق النمو، وأحيانا بمستويات أضعف من البلدان الأقل نجاعة بقارتنا.
وعليه فيمكن تصنيف نسب نمو الناتج الداخلي الخام المغربي عبر خمس مراحل مختلفة:
المرحلة الأولى الممتدة من 1960 إلى 1980 اتسمت بأرقام عالية نسبيا (بمعدل ٪6,2) مع تغيرات طفيفة للناتج الداخلي الخام .
المرحلة الثانية (بين 1980 و1990) عرفت نموا أقل أهمية بمعدل يقارب 4,2 ٪ سنويا وتذبدذب أكبر للناتج الداخلي الخام.
خلال المرحلة الثالثة المتعلقة بعشرية 1990 عرفت نسب النمو على عكس ما سبق تقلبات كبيرة مع تراجع ملحوظ، نتيجة لزيادة سنوية ضئيلة ٪3,5، وتسجل المرحلة الرابعة مرحلة عشرية 2000 اقلاع نسبة النمو لتصل إلى معدل 5 ٪ وذلك بفضل السياسات الاقتصادية الموجهة إلى العوامل المرتبطة بالطلب الداخلي أساسا، لكن وتيرة النمو تدنت بشدة مع بداية عشرية 2010 لتصل إلى معدل لا يتجاوز 3,5 ٪ وذلك بسبب عناصر ذاتية وأيضا خارجية .

 

I. نمو بوتيرة غير كافية
منذ 20 سنة

في ظل المنعطفات السياسة الاقتصادية وبفضل تحسن السياق الدولي، شهد مسار النمو بالمغرب تسارعا ملحوظا على امتداد عشرية 2000 حيث تمكن إيقاع نمو الناتج الداخلي الخام PIB من ربح نقطتين مقارنة مع العشرية التي سبقتها ليستقر حول معدل سنوي ب 5 ٪ وقد كان لهذا الإنجاز انعكاسات هامة على الدخل ومستوى العيش.
ونتج عن عملية إنعاش مسلسل النمو التي انطلقت مع بداية عشرية 2000 تحسن ملموس للأداء الاقتصادي على المستوى العام، وفي ما يخص كل قطاع على حدة، كما أن عملية الإنعاش هذه كانت تحصيل حاصل للتوجه الجديد الذي طبع السياسة الاقتصادية وبصفة عامة استراتيجية النمو المعتمد منذ بداية هذه العشرية، حيث عمدت السلطات العمومية في إطار هذه الاستراتيجية إلى تبني اختيار إحياء سلسلة النمو من خلال تطوير الطلب الداخلي ودعم الاستثمار العمومي 1، إذ أن عشرية 2000 اتسمت بأنشطة هامة تروم تحسين القدرة الشرائية ودعم استهلاك الأسر. ومن بين هذه الأداءات تجدر الإشارة، بصفة خاصة، إلى إعادة تقييم مداخيل الأجور والحد الأدنى للأجور وتعديل الجباية المتعلقة بالدخل والتحكم في التضخم المالي ودعم القدرة الشرائية بواسطة نظام المقاصة. كما تميزت هذه العشرية بتقوية الاستثمار العمومي وأيضا الخاص. وبينما انصب مجهود الاستثمار العمومي أساسا على تطوير البنيات التحتية وتحسين الخدمات العمومية الأولية، كانت تقوية الاستثمار الخاص تصب في اتجاه تنويع الإنتاج في القطاعات المعدنية، الطاقية والصناعية كما خصت نشاطات السياحة والمواصلات السلكية والبناء والأشغال العمومية.
وقد تميزت عشرية 2000 أيضا بتنوع الاقتصاد الوطني عبر ارساء استراتيجيات قطاعية في الصناعة والفلاحة والسياحة من جهة، كما سجلت من جهة أخرى انفتاح المغرب على المحيط الدولي من خلال توقيع عدة اتفاقيات للتبادل الحر ALE (الولايات المتحدة الامريكية ، الاتحاد الاوربي وتركيا، الخ) لكن هذه الاتفاقيات لم تفلح في تلافي التدهور المستمر للحسابات الخارجية حيث اضمحل الطلب الخارجي تجاه المغرب من جهة وارتفعت أسعار الواردات من جهة أخرى، كما ساهم التزايد المطرد في أسعار المواد الأولية و الطاقية في هشاشة ميزان الأداءات حيث وصل عجز الحساب الجاري إلى 6,9 ٪ من الناتج الداخلي الخام PIB في 2020 بما يعني التقهقر بـ 2,3 نقط بالنسب المئوية علاقة بالمستوى المسجل سنة 2019.
لهذا فيمكن الاقرار بانعطاف جوهري لتطور وتيرة النمو منذ بداية عشرية 2010، ذلك أن نموذج النمو المعمول به بالمغرب منذ ما يجاوز 21 سنة أظهر علامات تقهقر بارزة. فبينما كان الاقتصاد يتوجه شيئا فشيئا نحو ايجاد قدرات نمو على الأمد البعيد طيلة عشرية2000، تبدو وتيرة صعوده تميل نحو انعطاف خلال هذه العشر سنوات الأخيرة مع فارق نمو يتراوح بين 1.5 ونقطتين في ما يتعلق بمعدل مرحلة 2000 – 2010.
إضافة إلى تأثير العناصر المكونة يمكن استنتاج أن ضعف المنظومة الذي خلصت إليه المعاينات كان متفاقما في أواخر دورة النمو التي استنفدت كل طاقاتها التحفيزية، ويمكن إيجاد عناصر فهم كل هذا في طبيعة خصوصيات نموذج النمو الذي تم إطلاقه مع بداية سنوات 2000، إذ أن تركز النمو خلال هذه العشرية أساساً على عوامل الطلب الداخلية، الاستهلاك والاستثمار، أفقده قوته بسبب نقاط الضعف الجوهرية فيه. تباطؤ النمو، واستمرار عجز الحسابات العمومية، وفقدان القدرة التنافسية، وعدم كفاية فرص الشغل، وانخفاض الإدماج، كلها عناصر تثير تساؤلات حول استدامة الديناميكية الاقتصادية التي بدأت لأكثر من عشر سنوات وقدرتها على التجديد في المستقبل.

II. يواجه الاقتصاد الوطني تصاعدا في المخاطر الداخلية والخارجية التي تشكل العديد من التحديات التي يجب التغلب عليها:

استمر الوضع الاقتصادي لبلدنا في التدهور منذ عام 2011 وتميز بشكل أساسي بتباطؤ في النمو الاقتصادي، حيث انخفض متوسط ​​معدله من 5 ٪ خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين إلى متوسط ​​٪3.5. علاوة على ذلك، يظل هذا النمو «لغزا» بمعنى أنه على الرغم من تنفيذ عدد من السياسات القطاعية، فإنه يظل متقلبًا وغير مستقر وضعيفا وحبيس المخاطر المناخية إلى حد كبير. والأكثر خطورة أنه لا يزال غير شامل ولا يكاد يخلق فرص العمل2. فأصبحت البطالة عنصرا هيكليا مع كل المخاطر التي ينطوي عليها ذلك، لا سيما تلك التي تؤثر على الشباب حاملي الشهادات. في عام 2020، شهد وضع سوق الشغل، في ظل التأثير المشترك لوباء COVID-19 والسنة الفلاحية الجافة، تدهورًا تميز بتدمير مناصب الشغل، وانخفاض حجم العمل بالساعة وزيادة في البطالة والعمالة الناقصة وعدم النشاط.
يوضح هذا التشخيص أنه إذا كانت عملية النمو التي بدأت منذ عشرين عاما قد أتاحت تحقيق مكاسب كبيرة من حيث الإنتاج والدخل، فلا يمكن إنكار أن نموذج النمو المطبق لم يكن قادرا على تجاوز أوجه القصور الهيكلية التي أصابت حدوده. وبالفعل، فإن استهلاك الأسر الذي زاد بشكل كبير خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بفضل زيادة الدخل، يميل إلى الركود في العشرية الأخيرة بسبب انخفاض القدرة الشرائية للأسر إثر ركود الأجور. بالإضافة إلى ذلك، كان نموذج النمو هذا هو السبب الرئيسي للزيادة الهيكلية في عجز الحساب التجاري لميزان المدفوعات بسبب الزيادة في حجم الواردات (فاتورة الطاقة، التجهيزات، السلع الاستهلاكية). وبالفعل، فقد ساهم الاستهلاك الداخلي في تقوية الواردات لصالح شركائنا التجاريين، في غياب عرض إنتاج وطني قادر على استيعاب هذا الطلب المحلي.
تبعا لكل ما سلف، تتيح المرحلة التي تشمل الـعشرين سنة الأخيرة فرصة التفكير المتمعن ليس للقيام بتشخيص مفصل للدينامية الاقتصادية الجارية فحسب، بل أيضا من أجل تحديد الرهانات الأساسية التي تصاحب مسلسل النمو في المستقبل، وتتعلق هذه الرهانات بقدرة الاقتصاد على تحقيق أرباح إنتاجية كافية وفي مستوى التضحيات بخصوص تجميع رأس المال للدفع بمسلسل الإقلاع3. كما تشمل إمكانيات إعادة هيكلة النظام الانتاجي وتنوعه بالإضافة إلى التمكن من خلق فرص الشغل بما يستجيب للاحتياجات المتنامية والنوعية. ويكون الهدف الأسمى من تجويد الانتاجية واعادة الهيكلة وازدياد التشغيل الوصول إلى إدرار مداخيل كافية تساعد على تقليص فوارق مستوى العيش وإرساء دينامية مدمجة حقيقية.
وتجدر الاشارة رغم ذلك إلى أنه في ظل ندرة الموارد وتصاعد الاحتياجات المالية، لا يمكن تصور الاستمرار في العمل لتحقيق الأهداف المتوخاة دون الأخذ بعين الاعتبار ضرورة الحفاظ على التوازنات المالية وتحمل العجز العمومي. ويصير الحفاظ على التوازنات المالية للدولة في مستويات مقبولة داخل سياق مطبوع باتساع المديونية في هذه الظرفية تحديا رئيسيا كما هو الشأن في ما يتعلق بالإنتاجية والمداخيل والتشغيل.
وقبل التساؤل حول السيناريوهات المحتملة للنشاط الاقتصادي المستقبلي تكمن الضرورة القصوى في تقييم الرهانات الأساسية لحركية النمو اعتمادا على تشخيص شامل على ضوء الخلاصات الناتجة عما جرى خلال السنوات الاخيرة. وتبدو هذه الرهانات تحديا لآفاق اقتصادنا.

1 – سياسة صناعية بنتائج
غير كافية:

يبقى النمو الشامل للاقتصاد رهين بقدرات القطاع الأولي الذي وبمساهمة متوسطة بحوالي ٪15 من الناتج الداخلي الخام PIB يسجل تذبذبا واضحا لسنوات متتالية،
ما يطبع دينامية النمو منذ بداية العشرية التوجه نحو غلبة القطاع الثالث في النشاط الاقتصادي التي تتجلى في تنامي أنشطة الخدمات في الناتج الداخلي الخام PIB.
يجد القطاع الصناعي صعوبة في تحقيق الزخم رغم المجهودات والتضحيات التي طبعت فترة زمنية تفوق ما يناهز 10 سنوات.

2. عرف الموقع الخارجي للبلاد تقهقرا كبيرا خلال عشرية 2010

سجلت التجارة الخارجية4 ازدهارا ملحوظا بازدياد مضطرد للتبادلات التجارية واستمر المنحى التصاعدي للمبادلات التجارية خلال فترة 2000 – 2010 على مدار النصف الأول من العشرية الحالية، ولكن بوتيرة جد بطيئة ولم يتوقف تصاعد العجز الهيكلي للحسابات الخارجية منذ بداية العشرية ليبلغ ذروته بمقاربته نسبة 10 ٪سنة 2012 مع تراجع النمو وضعف قدرات التصدير وغلاء أسعار المنتوجات المستوردة. ولم تكن العودة شيئا فشيئا إلى مستويات مقبولة لعجز الأداءات الخارجية خلال السنوات الاخيرة ممكنة إلا بفضل بروز سلاسل صناعية جديدة موجهة إلى أسواق التصدير وبسبب هبوط أسعار الطاقة والمواد الاولية.
منذ بضع سنوات وإلى حدود الأزمة الصحية لسنة 2020، بذل المغرب جهودا كبيرة لتجويد موقعه التنافسي من حيث التصدير وهكذا أظهر تطور المؤشرات الرئيسية للمبادلات الخارجية برسم سنة 2020 انخفاض العجز التجاري بنسبة 22,8 ٪ وربحت نسبة التغطية 4,3 نقط لتستقر في 62,2 ٪ وهذا على الرغم من الصعوبات الاقتصادية الكبيرة التي مرت بها البلاد.

المتوقع التنافسي للمغرب

بزيادة متوسطة تقدر بـ 7٪ سنويات خلال مرحلة 2010 – 2017 تبقى وتيرة ازدهار أسواق التصدير الملاحظة منذ بداية العشرية محدودة بالنظر إلى المجهودات المبذولة على مستوى تقوية عرض التصدير فيما يخص تنويع المنتجات، ويكمن السبب الرئيسي لهذه المحدودية في كون تقوية مسلسل النمو ونتائجه في ما يتعلق برفع الإنتاج والمداخيل وبتحسين مستويات العيش لم ترق إلى إحداث دينامية حقيقية من حيث التنافسية، ولهذا فإن الموقع التنافسي للمغرب بالقياس عبر الحصص السوقية على الصعيد الدولي لم يسجل تطورا ملحوظا منذ بداية العشرية. وتبرز التقييمات المجراة في هذا الشأن أن حصة المغرب السوقية انتقلت من 0,125٪ سنة 2010 إلى 0,145٪ سنة 2014 لتحقق فقط 0,02 كنسبة مئوية منذ بداية العشرية. كما يبرز ترتيب المغرب بحسب منهجية المنتدى الاقتصادي العالمي WEF ضعف تطور الإمكانات التنافسية للمغرب خلال السنوات الاخيرة، بنتيجة تقدر بـ 4,2 في مقياس مؤشر التنافسية الشاملة ICG لسنة 2016 احتل المغرب المرتبة 70 في مجموع 138 بلد رابحا فقط 5 مراتب منذ سنة 2010. ويبرز تقرير القدرة التنافسية العالمية لسنة 2019 أن المغرب حصل على نتيجة 60 على 100 بتحسين يقدر بـ 1,5 نقطة مقارنة مع السنة الفارطة ومع ذلك فإن ترتيبه راوح المرتبة 75.
وهذا المؤشر يعتبر قياسا للتنافسية الوطنية التي يتم تعريفها وقياسها على أساس «مجموع المؤسسات والسياسات والعوامل التي تحدد مستوى الإنتاجية». فالمغرب إذا كان قد بذل مجهودات في ما يخص المؤسسات والبنية التحتية والاستقرار الماكرو اقتصادي، فقط ظل متخلفا في ما يتعلق بمحاور الصحة واعتماد تقنيات التواصل وتطوير الكفاءات حيث احتل على التوالي المراتب 91 – 97 و111. وبهذا يحتل الاقتصاد المغربي موقعا تنافسيا وسيطا، في الانتقال من مرحلة النمو المعتمد على تراكم عوامل الإنتاج إلى مرحلة النجاعة.

3. إنتاجية عامة لعوامل الإنتاج تساهم بشكل غير كاف في النمو:

خلال عشرية 2000 حيث عرفت وتيرة النمو تسارعا هاما، ووصلت مساهمة الإنتاجية الإجمالية لعناصر الإنتاج في النمو إلى أعلى مستوياتها بأزيد من 30 ٪ في المجموع. على العكس تميزت فترات تباطؤ النشاط كما هو الشأن بالنسبة للنصف الأول من عشرية 2010 بضعف مساهمة الإنتاجية في وتيرة النمو، وقد تكون هذه الوتيرة تقلصت عمليا إلى الثلث لترسو حول معدل 10 ٪. وهنا يجب التركيز على أن العامل الأساسي المستخلص من هذه النتائج يكمن في كون أرباح الإنتاجية 5 تشكل أهم الرهانات في دينامية التنمية للسنوات القادمة. من جهة أخرى لم تتطور الإنتاجية العامة لعوامل الانتاج إلا بـ 1,7+٪ كمعدل سنوي طوال الـ 15 سنة الماضية. بينما كان تطور رصيد رأس المال أسرع، وهذا يدل على وجود مشكل مردودية وفعالية الاستثمار.

4. سوق شغل غير فعال يطبعه ضعف القدرة على إحداث مناصب الشغل:

مافتئ عرض الشغل يحرز تقدما ملحوظا يفوق نسبة تزايد السكان6، وقد ازدادت حدة هذا المنحى بفعل ظاهرة التوسع الحضري الذي ساهم بشكل كبير في ارتفاع الضغط على سوق الشغل بالمراكز الحضرية.وبالموازاة مع ضغط العرض تطور الطلب بوتيرة أكثر بطئا بالقياس مع حركية النشاط وهكذا يسجل نموذج النمو بعض التفاوت بين أداء النشاط الاقتصادي وتطور الشغل.
ويمكن تفسير ضعف قدرة خلق فرص الشغل عن طريق نمو قوي بطبيعة التركيبة نفسها لآلية الانتاج والاختلافات الهامة التي تطبع النشاط والشغل بين الوسط القروي والوسط الحضري،وبهذا الصدد تحدد إحصائيات التشغيل نسبة البطالة بالوسط القروي في مستوى يتراوح، بحسب الموسم الفلاحي، بين 3 و4٪ وهذا مستوى يعتبر عموما من طرف أغلب المحللين ضعيفا جدا بصفة غير عادية.
ويشابه هذا المستوى وضعية «العمالة الكاملة» (le plein emploi) بينما الشغل في العالم القروي يبقى، حسب الانطباع العام، مطبوعا بالأنشطة الموسمية والعمالة الناقصة (le sous-emploi) والبطالة المقنعة. والحال أن نسبة البطالة بالعالم القروي، كما هو مبين في احصائيات الشغل، تحتل مراتب جد متأخرة كما لا تتأثر كثيرا بالتقلبات الاقتصادية وتنعكس على المعدل الوطني بتحفيظ النسبة الإجمالية، وهذا يساهم في بروز بعض حالات التلاشي في ما يتعلق بتوجهات النشاط ودورات الإنتاج.

5. على المستوى الاجتماعي يبقى الانفراج بطيئا وغير كاف بالنظر لتحسين مستوى عيش السكان والقضاء على الفوارق:

تشير المعطيات المتضمنة في آخر استطلاع هم الأسر إلى منحنى بطيء لكن حقيقي في اتجاه تقليص الفوارق في ما يخص المصاريف بين الفئات السوسيواقتصادية بالعالم الحضري كما بالعالم القروي. ومع ذلك فإن الاتجاه نحو تقليص الفوارق من حيث الاستهلاك يبقى بارزا وسط الساكنة الحضرية بالاستناد إلى تطور مؤشر تركيز الانفاق حيث تقلصت قيمة مؤشر جيني (Gini) بنقطة واحدة فقط على المستوى الاجمالي في بحر 12 سنة7 وأكثر من نقطتين لدى الساكنة الحضرية خلال نفس الفترة.
ويبدو الانعطاف الملحوظ لمؤشر تركيز الانفاق الذي سجل توجها واضحا نحو تقليص الفوارق بين المجموعات السوسيواقتصادية مصحوبا من جهة أخرى بتراجع ملموس للفقر8 بالمقارنة مع معطيات الدراسات السابقة.

6. على المستوى المجالي تبرز تفاوتات مستويات العيش بين مختلف الجهات.

يتبين من خلال ترتيب الجهات من حيث الإنفاق المتوسط الفردي، أن النصف عاجز عن تخطي عتبة المعدل الوطني للانفاق الفردي. حسب هذا الترتيب يبدو أن الجهتين الأفقر هما درعة تافلالت وبني ملال خنيفرة.
وتجدر الإشارة إلى أنه، إلى جانب التقدم المسجل من حيث المداخيل ومتسويات العيش على الصعيد الوطني، عدة جهات تبدو منخرطة في مسلسل تقارب متين مما يمكنها من تقليص فوارق مستويات العيش مقارنة مع جهات أغنى منها. ويتعلق الأمر خاصة بجهات فاس مكناس ومراكش آسفي والجهة الشرقية. لتسريع هذه الوتيرة وجب توطيد هذا المسلسل عبر نمو أكثر قوة وأكثر إدماجا.

7 . تبقى الحسابات المالية للدولة مطبوعة باختلالات ملحة:

عجز الميزانية

بخصوص التوازنات المالية كانت دينامية النمو في عشرية 2000 مصحوبة باستقرار نسبي لحسابات الدولة، وذلك رغم الجهود المبذولة من حيث الاستثمار العمومي. إذ أن عجز الميزانية المتعلق بالناتج الداخلي الخام استقر خلال النصف الأول من العشرية في حوالي 3.6 ٪.
إن التوجهات نحو استقرار حسابات الدولة البارزة، إلى حدود نهاية عشرية 2000، عرفت اضطرابات مهمة في بداية العشرية الحالية بفعل ضعف النمو المصحوب بعدم استقرار الأسواق والتذبذبات القوية لأسعار الطاقة والمواد الأولية، وطفت على السطح قطيعة مع التوازنات التي ظهرت طيلة عشرية 2000 لتبدو واضحة سنة 2021 حيث بلغ عجز الميزانية ذروته إلى 7.5 ٪ من الناتج الداخلي الخام.
أمام هذا الاختلال المهول، اتخذت عدة إجراءات من ضمنها خاصة التخفيضات الكبيرة التي أجريت في ميزانية الاستثمار للدولة، مقايسة أسعار المواد النفطية وتقليص نفقات المقاصة عبر رفع دعم اسعار بعض المنتوجات.
لكن العمل بهذه الاجراءات كان له أثر محدود جدا بفعل انكماش النشاط مع عواقبه الوخيمة على مداخيل الدولة وأيضا بفعل جمود بعض نفقات التسيير. ويلاحظ أن عجز الميزانية بقي يراوح مكانه منذ سنة 2013 إلى متم سنة 2015 في أعلى من 6 ٪من الناتج الداخلي الخام وفتح الباب على مصراعيه لأكبر حجم للمديونية العمومية. وبقي تخفيف عجز الميزانية في ما بعد متواضعا منتقلا من 4 ٪من الناتج الداخلي الخام سنة 2016 إلى 3.8 ٪سنة 7102 و 5.3 ٪سنة 2018 وازدادت هوة هذا العجز سنة 2020 كنتيجة للآثار السلبية للأزمة الصحية. فقد وصل العجز ذروته إلى 7.6 ٪من الناتج الداخلي الخام وذلك تحت وطأة الانفاق الذي قامت به الدولة لتوفير التجهيزات الطبية والأدوية واللقاح وإنقاذ النسيج الاقتصادي الوطني والحفاض على القدرة الشرائية للمواطنين.

المديونية العمومية

بعد تطورٍ نسبيا متواضع خلال عشرية 2000 عادت المديونية العمومية بقوة الى حالتها في السنوات الأخيرة. وهذا راجع إلى الانحرافات المتتالية المسجلة على مستوى حسابات الدولة.
لا يمكن عزل التطورات الظرفية التي طبعت مرحلة السنوات الأخيرة عن التوجه التصاعدي الذي تلا الانعطاف الكبير لمنحنى المديونية سنة 2008 ويستنتج خاصة أن تباطؤ النمو وطبيعته المتذبذبة منذ بداية العشرية كانت له عواقب وخيمة على عائدات الجباية المباشرية وغير المباشرة. واستلزم استمرار مجهود الاستثمار الذي قامت به الدولة والمؤسسات العمومية تعبئة موارد هامة على مستوى السوق الداخلي كما على مستوى الاسواق الخارجية وازدادت حدة الضغط على الميزانية في إطار السياق الظرفي للنصف الأول من العشرية بفعل الارتفاع الكبير لنفقات المقاصة تحت تأثير اشتعال أسعار النفط والمواد الأولية.

8. قطاع خاص يبقى على هامش التنمية الاقتصادية الوطنية.

عموما، إن القطاع الخاص المغربي لم يتمكن من لعب دور المرافقة الفعالة لمختلف السياسات العمومية للتنمية التي وضعت ببلادنا منذ أكثر من 40 سنة. ويكمن السبب في عدم القدرة على تطوير المقاولة والتحرر من وصاية الدولة ودخول غمار التحرر والاستقلال الذي يمكنه من امتلاك القدرة على الابتكار وتحمل المخاطر وإعطاء دفعة حقيقية لعجلة الاقتصاد وتسريع تحوله.
إن المغرب ورث إثر خروجه من الحماية بورجوازية تجارية لم تنجح في التحول إلى بورجوازية صناعية مقاولة بالمفهوم الأوروبي أو الشمال أمريكي. وهكذا نجد من عناصر فهم هذه الحالة التخوف من المخاطر، رفض تحقيق هوامش ربح أقل أهمية، استمرار اقتصاد الريع والزبونية.
ختاما، بعد تحديد نقاط اليقظة في اقتصادنا التي تشكل كل التحديات التي يتوجب رفعها للتوصل الى وضع اللبنات الاساسية لاقتصاد ناشئ حقيقي، حيوي، ومبتكر وشمولي، يبدو من البديهي ضرورة تغيير نموذج التنمية.
إن النموذج الحالي المرتكز على العوامل المرتبطة بالطلب الداخلي، ورغم الإنجازات التي لا غبار عليها كما أسلفنا، قارب حالة الإشباع، فأضحى يعاني من بعض الإنهاك في ما يتعلق بوتيرة النمو. إنه نموذج يفتقر إلى الشمولية ويعجز عن تلافي الفوارق الاجتماعية والمجالية. وهو أيضا نموذج يتسم بعدة نقائص في ما يتعلق بالحكامة على اعتبار ان الدولة لم تلعب دورها بطريقة فعالة، خاصة:
كمنضم وضامن لحسن سير اقتصاد السوق. وقد كان لهذا الاخلال آثار وخيمة منها تطور اقتصاد الريع والزبونية والوحشية الاقتصادية وتقوية الممارسات اللاتنافسية.
كاستراتيجي حامل لنظرة مستقبلية على الأمد البعيد، قادر على التخطيط ووضوح الرؤية الشمولية.كحام بشبكات اجتماعية وآليات للحماية الاجتماعية للساكنة الهشة والمعوزة.
إن هذا النموذج التنموي لم يستطع إضفاء دينامية حقيقية قادرة على دعم نشأة طبقة متوسطة كما لم يمكن من تجويد الانتاجية العامة من خلال التحول الهيكلي لاقتصادنا والتنوع وتركيب نسيجنا الصناعي، وهي مقومات أساسية للتنافسية.

III. الحالة الراهنة والحصيلة وآفاق نمو الاقتصاد المغربي لسنة 2021.

خصوصية الأزمة الصحية التي يمر بها العالم منذ يناير 2020 هي أنها تمارس صدمة مزدوجة، على العرض وعلى الطلب. على الرغم من بقاء عدد قليل من القطاعات في مأمن، هذا الانكماش يرجع أساسًا إلى انخفاض إنتاج السلع والخدمات، وانخفاض الصادرات، وتعطل سلاسل القيمة العالمية، فضلاً عن انخفاض السياحة بسبب إغلاق الحدود والتدابير التي تقيد التنقل. في ما يتعلق بالشغل، شهدت سوق العمل في ظل التأثير المشترك لوباء COVID-19 الموسم الفلاحي الجاف تدهورًا يتميز بتدمير الوظائف وانخفاض حجم العمل بالساعة وزيادة البطالة والعمالة الناقصة وعدم النشاط.
من ناحية أخرى، من الواضح أن صدمة الطلب لها عدة أسباب تراكمية. مداخيل جزء من السكان يتناقص بشكل كبير، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة، والاستهلاك الذي يعتبر غير ضروري يتم تأجيله، استهلاك آخر أصبح مستحيلاً بسبب الحجر. هذه هي الدورة المعروفة للركود. كما أن تزامن صدمات العرض والطلب هو ما يجعل الوضع الحالي استثنائيًا وخطيرًا للغاية. وقد تمت استجابة الدولة من خلال سياسات لتعزيز إجمالي العرض والطلب.

1. ردة فعل السلطات العمومية في مستوى الرهانات.

أمام جسامة الأزمة وطبيعتها غير المسبوقة التي باغتت مجموع العالم، لا يسعنا إلا أن نثمن ما قامت به بلادنا تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس. فبالفعل، منذ الإغلاق التدريجي للحدود الجوية في بداية مارس 2020 إلى وضع برنامج للتلقيح وتخفيف إجراءات الحجر وعمل الدولة المتعدد الأبعاد كان نموذجا على اعتبار القدرة على رد الفعل واتخاذ تدابير قوية على مستويات مختلفة.
على الصعيد الاقتصادي والمالي والاجتماعي تم إرساء عدة تدابير منذ انطلاق لجنة اليقظة الاقتصادية الاستراتيجية. وهكذا كانت أهم هذه التدابير تشكيل صندوق دعم لمحاربة كورونا بأمر من جلالة الملك محمد السادس، فاق 53 مليار درهم، مما جعل المغرب يحتل المرتبة الرابعة عبر العالم في مكافحة الوباء من حيث الإنفاق المخصص بالنسبة للناتج الداخلي الخام.
كان الهدف من إنشاء هذا الصندوق مساندة عمل الدولة في ما يخص تحديث البنيات التحتية الصحية من جهة ودعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة التي تعيش مصاعب مالية وتقوية القدرة الشرائية للأسر المعوزة (مأجورون فقدوا شغلهم، منخرطون في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أشخاص يشتغلون بالقطاع غير المهيكل يتوفرون أو لا يتوفرون على التغطية الصحية راميد)
ما يقارب18.000 مقاولة استفادت من قروض بنكية مضمونة من طرف الدولة كما استفادت المقاولة من دعم الدولة واستفاد 590.000 مأجور مسجل بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من تعويضات فقدان الشغل. هذا بالإضافة لأربع ملايين من الأسر المعوزة التي حصلت على مساعدات مالية مباشرة.

2. آفاق مظلمة

التوقعات التي يمكن استخراجها من المراجعة الحالية للسيناريوهات المتعلقة بالفترات المالية لسنتي 2021 و2022 تبدو مؤشرا إيجابيا تنبئ بنسبة نمو للناتج الداخلي الخام بالأرقام المحلية تصل الى ٪6,5 لسنة 2021 و2.3 لسنة 2022. وهي توقعات بعيدة عن الأداء الجيد بل لا تعد إلا انتعاشا طفيفا للأنشطة تمكن بعضها من تدارك مستوى إمكانيات النمو ل 2019 علاوة على هذا تكون النقطة القاتمة في هذه الآفاق الاقتصادية المتواضعة هي استمرار الضغوطات الشديدة التي تجري على سوق الشغل حيث أن اختلال هذا السوق وفقدان الشغل المترتب عن الأزمة الصحية قد يطول أمده رغم المجهودات الرامية إلى الانتعاش والهادفة إلى تخفيف وطأة توترات طلب الشغل.

IV. عن ضرورة إعادة صياغة

نموذجنا التنموي

إن نموذج التنمية الجديد الذي نقترحه يجب أن يستند على مقاربة مختلفة تشمل في نفس الوقت سياسة استباقية للعرض وسياسة تحفيزية للطلب.

الرهان من حيث العرض هو وضع:
سياسات عمومية استباقية داعمة للبحث والابتكار ومهارة المشاريع بواسطة منظومة جبائية تحفيزية عادلة و سياسات قطاعية واضحة ذات أثر كبير.
أدوات تمويل مخصصة لمناخ أعمال سليم، آمن وشفاف وجذاب نحو الاستثمار الخصوصي الوطني والأجنبي.
والهدف المتوخى هو تعزيز دور القطاع الخاص، رفع استقلاليته، تغيير ثقافته الاقتصادية بالتصدي لكل أشكال اقتصاد الريع والامتيازات وبث ثقافة المواجهة المعقلنة للمخاطر. فالرهان يتمثل في تطوير النسيج المقاولاتي المتكون من المقاولات الصغيرة والمتوسطة من الجيل الجديد وزيادة الإنتاج الوطني عامة ومساهمة القيمة المضافة المنجزة محليا في مجموع صادراتنا خاصة.
وبعد تحديد سياسة العرض هذه يجب مواكبتها بسياسة للطلب مدعمة بسياسة فعالة للمداخيل وباستراتيجيات للشغل ومحاربة البطالة. هذا الطلب الإضافي يجب توجيهه إلى الإنتاج الوطني مع أثر الزيادة المستدامة والمضطردة لاستهلاك الأسر مع تسريع وتيرة نمو الاقتصاد. ويجب أن يستعمل هذا الترابط المتزامن لسياسة للعرض وللطلب كإطار مرجعي لإرساء نموذج تنموي ذي أثر قوي مع أهداف تسريع وتيرة نمو الاقتصاد وزيادة مداخيل الأسر وتسهيل الصادرات وتخفيض نسبة البطالة.

1. أي نموذج للتنمية لإنجاز
إقلاع المغرب؟

طبقا لتطلعات جلالة الملك محمد السادس الذي نادى، بمناسبة الخطابين الأخيرين لافتتاح الدخول البرلماني، إلى إقامة نموذج جديد للتنمية، فقد جند الاتحاد الاشتراكي طاقاته وكفاءاته وعرض أمام الرأي العام خلال يوم دراسي منظوره للتنمية بالمغرب تحت عنوان: «دولة قوية وعادلة … مجتمع حداثي ومتضامن» وذلك في أبريل 2018. الرؤية هاته عرضها بعد ذلك الحزب أمام اللجنة الخاصة لنموذج التنمية.
في مشروعه الذي يرتكز على برامجها الانتخابية وخبرته في تدبير الشأن العام، رافع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على المستوى الاقتصادي من أجل إرساء استراتيجية جديدة للتنمية تكون شمولية ومرتكزة على العدالة الاجتماعية والإنصاف والتضامن. تنمية مدفوعة بالاستثمار الخصوصي والعام الوطنيين ومدعومة بنظام جبائي عادل ومنصف يضع كشرط أساسي مسبق القطيعة التامة مع اقتصاد الريع والزبونية وحالات الاحتكار الفعلي.
إننا نطمح بواسطة تغيير النموذج والقطائع المترتبة عنه إلى تغيير عتبة التنمية من أجل فعالية أكبر. ويتعلق الأمر بالقيام بإصلاحات هيكلية تسمح بالدفع بالبلاد في مسلسل تنويع الإنتاج ورفع الإنتاجية. وتقليص التبعية للعوامل الخارجية التي يصعب التحكم فيها كالطقس والمناخ الدولي.
إن إنجاح هذه التغييرات يستلزم قبل كل شيء استرجاع ثقة المقاولة عبر تجويد مؤسسات دعم التنمية وتقوية المصالح العمومية والاستثمار في الرأسمال البشري وتحديد أولويات إعادة الهيكلة.
وتستلزم هذه الاستراتيجية التنموية المدمجة وتيرة للنمو سريعة ومستدامة في آن واحد. لكي يحقق الحد الجذري للفقر وتخفيف التفاوتات الاجتماعية بين مختلف فئات السكان. إن استدامة واستمرارية وتيرة النمو تستوجب توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد من خلال وضع سياسات عمومية في مجموع قطاعات النشاط حيث يتم خلق مناصب الشغل الجيدة وتجويد التنافسية الشاملة للاقتصاد وأيضا تعزيز وتيرة النمو. أما المؤشرات المستعملة في هذه الحالة فهي عدد ونوع مناصب الشغل التي يوفرها كل قطاع ونسبة الزيادة من حيث خلق فرص العمل ونسبة الانتاجية… إلخ.
وينطوي هذا النموذج التنموي على التركيز في المراحل الأولى على العقبات وأوجه الجمود الهيكلية التي تعيق سير الاقتصاد وتنافسيته وتمس هذه المعيقات سير عمل سوق الشغل، نظام التربية والتكوين، الجباية، مناخ الأعمال، العدالة، الولوج للتمويل، البحث والابتكار … إلخ. والخلاصة أن التنمية المدمجة تعني أن كل المكونات المجتمعية تستفيد بطريقة منصفة من ثمرات هذه التنمية.
وباعتماد استراتيجية تنمية متكاملة وطموحة من أجل النهوض بالتنمية والتشغيل، سيتمكن المغرب من الاستفادة المثلى من المناخ الدولي الجديد.

وفي ما يلي الأهداف الهامة المتوخاة من هذه الاستراتيجية:

‌أ. تسهيل تزايد التنافسية على الأمد القصير باعتماد عدد من الإجراءات الهادفة إلى تقليص كلفة الإنتاج في القطاعات الكثيفة من حيث اليد العاملة ومواصلة المجهودات الرامية إلى تحسين هذه الأخيرة.
‌ب. تعزيز المبادرة الخاصة في قطاعات الإنتاج التي ستسمح للدولة بتسريع تحديثها الاقتصادي والمنافسة في الأسواق الدولية للسلع والخدمات ذات الكثافة التكنولوجية العالية والعمالة الماهرة.
‌ج. إعادة النظر في الدور الذي يجب أن تلعبه الدولة لتسهيل هذا الانتقال خاصة في ما يخص التحفيزات المعطاة للخواص لدفعهم إلى الاستثمار على شكل خدمات عمومية تسمح بزيادة إنتاجية عوامل الإنتاج الخصوصية داخل القطاعات الحيوية الاستراتيجية ومن حيث دعم الإنتاج الخاص داخل القطاعات الحيوية الاستراتيجية ومن حيث دعم استراتيجية التكامل الجهوي.
‌د. ضمان التنمية الاجتماعية لمجموع فئات الساكنة، خاصة الفئات الأكثر هشاشة عن طريق إقامة شبكات اجتماعية لهذا الغرض.
‌هـ. حماية أنظمتنا البيئية ومواردنا.
‌و. ضمان استمرار التنمية الاقتصادية للمغرب من خلال تمتين مرونة عوامل الإنتاج.

2. استراتيجية النمو المقترحة
من طرف الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.

من أجل كل ما سلف يقترح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية استراتيجية تنمية كلية متكاملة ومدمجة تدخل بطبيعة الحال في إطار التوجهات العامة للنموذج التنموي الجديد الذي يرغب فيه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في شقه الاقتصادي. ومن أهم أهدافنا تسريع التحول الهيكلي لاقتصادنا وتنويع المنتوج من جهة، والانتقال من اقتصاد مدفوع بتراكم عوامل الإنتاج إلى اقتصاد مدفوع بفعالية عوامل الإنتاج من جهة أخرى. ومن أسس هذه الاستراتيجية الإصلاح الجبائي ومواكبة وتقوية نسيج المقاولات الصغيرة والمتوسطة لضمان تنافسية أحسن لهذا الأخير.
وتتجلى الرافعات العملية في تحول أدوار الدولة من خلال تقويتها كمدبر استراتيجي، حامي ومنضم وايضا تأكيد اختيار الانفتاح التجاري المعتمد من طرف المغرب من حيث تحكم أمثل لهذا الأخير من أجل العمل على أن يكون هذا الانفتاح اختياريا وليس مفروضا واستغلال الإمكانات المتاحة بفضل الجهوية.
في هذا الصدد يقترح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وضع «ميثاق التنمية المسؤولة» يُلزم مسؤولية مجموع الفاعلين والجهات المعنية بمسألة تنمية المغرب والذي يتوجب حمله من طرف رئيس الحكومة.
ويتكون هذا الميثاق من أربع محاور وهي ملخصة كالتالي:
أولا سياسات اقتصادية قوية وطموحة واستباقية. هذه السياسات الاقتصادية تقترح بواسطة الآليتين التي تحدد شكل السياسة الاقتصادية للدولة وهي الميزانية والجباية، مواكبة إرساء النموذج الجديد للتنمية في ما يتعلق بشقه المالي. وعلى هذا الأساس رحب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية باعتماد القانون الإطار الجديد بشأن النظام الجبائي مؤخرا، هذا القانون الذي أفرزته المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات التي انعقدت بالصخيرات سنة 2019، وإذ ينخرط الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في توجيهات هذه المناظرة فإنه سيسهر بكل أمانة على ترجمة هذا القانون على أرض الواقع مع الحرص خاصة على احترام مبادئ الإنصاف الجبائي في تحصيل الضرائب والعدالة الاجتماعية باستخدام العائدات الجبائية في الإصلاح المنشود.
يتعلق المحور الثاني بالسياسات القطاعية من خلال تنسيق محكم مع تحقيق انسجامها وتماسكها. وفي هذا الصدد، تم اقتراح آليات جديدة للحكامة كنظام قيادة قطاعية ومتعدد القطاعات مندمج (مؤشرات التتبع، نظام معلوماتي) علاوة على هذا يتوجب على هذه السياسات القطاعية أن تأخذ بعين الاعتبار الوضع الجديد للاقتصاد العالمي والرؤية الجديدة العالمية للعمل التي أفرزتها الأزمة الصحية. وللمغرب في هذا الإطار عدة جوانب قوة بالنظر لسياق تشكيلة سلاسل القيم العالمية وإعادة التوطين الصناعي (بأوروبا خاصة).
فبالفعل أظهرت الأزمة الصحية لكوفيد 19 قدرات المغرب وضرورة إعطاء الأولوية للإنتاج المحلي عبر بديل الاستيراد خاصة والابتعاد تدريجيا عن الواردات غير الضرورية. وفي هذا الشأن يتضح أن تطوير شبكات صناعية في ميدان الصحة والأدوية والصيدلة مسار يجب أن نوليه أهمية كبرى لتقوية السيادة الطبية للبلاد. وهنا يجدر تثمين التزام المغرب في هذا الاتجاه من خلال التوقيع مؤخرا في حضرة صاحب الجلالة محمد السادس على سلسلة من الاتفاقيات التي تروم توفر المغرب على طاقات صناعية وبيوتكنولوجية كاملة ومندمجة مرصودة لصناعة اللقاحات ببلادنا. وفي نفس التوجه يعتبـر تطوير مهن جديدة في الاقتصاد الرقمي، الاقتصاد الاخضر والازرق (اقتصاد البحر) في صميم مجالات المستقبل حيث تحتوي على خَزانات عديدة للفرص فيقترح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عددا هاما من السياسات القطاعية في ميادين الفلاحة والصيد البحري والاقتصاد الرقمي والسياحة والتجارة والصناعة التقليدية… إلخ.
المحور الثالث يخص تطوير المقاولات الصغرى والمتوسطة بواسطة عدة ميكانيزمات تسعى إلى متابعة عصرنة الاقتصاد الوطني ورفع مستواه وتقوية تنافسية النسيج الصناعي للبلاد والرقي بالمقاولات المبتكرة. ويتعلق الأمر بالقطيعة الضرورية والعاجلة مع اقتصاد الريع والزبونية والاحتكار الذين يقوضون القدرات المقاولاتية للمغاربة. وقد تم في هذا الصدد اقتراح عدة آليات وميكانيزمات منها «قانون عصرنة الاقتصاد» قانون «ستارت أب – الابتكار»، أدوات تمويلية ملائمة، لخلق الرجة المقاولاتية… إلخ.
وأخيـرا يتعلق المحور الرابع بالتهيئة المجالية والموارد والتنمية المستدامة. ويتطلع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذا الصدد إلى المساهمة في المجهود الوطني الرامي إلى الاستغلال الأمثل للموارد المائية والطاقية والبيئية التي تزخر بها البلاد باعتماد تصور يطبعه ترشيد استغلال الموارد والوسائل وفعالية واستمرارية الخدمات. وهذا تماشيا مع تجويد كل الأشكال المرتبطة بالحكامة الجيدة على المستويات النظرية والمؤسساتية والقانونية والتنظيمية والعملية، انطلاقا من التخطيط الاستراتيجي وتدبير المجالات الترابية المعنية.
إن «ميثاق التنمية المسؤولة» هذا الذي يندرج في إطار النموذج الجديد للتنمية يجب أن يُعرض داخل ترسانة تشريعية وتنظيمية (قوانين، مراسيم، قرارات) واضحة ومنسجمة من أجل ضمان فعالياتها وسرعة تنفيذها.

أ – السياسات الاقتصادية
سياسة المالية العامة

لقد كانت السياسة المالية العامة دائما مسايرة للتقلبات الدورية، فإلى حدود الأزمة المالية لسنة 2008 كان الانشغال بالتوازنات الماكرون اقتصادية مصحوبة بسياسة مالية تقشفية مصبغة أساسا بتقليل الطلب العمومي وخفض الاستثمار العمومي، وكانت آخر ترجمة لهذه السياسة المالية في شكل حذف 15 مليار درهم من ميزانية الاستثمار لسنة 2013 فبممارسة سياسة مالية على شكل «توقف وانطلق «بفاصل سنوي (سنة على أخرى) أظهر التدبير المالي غياب أي إطار توقعي على المدى المتوسط (إطار الإنفاق المتوسط الأجل) وهكذا من سنة إلى أخرى يتم تدمير مجهودات الانطلاق لسنة خلال السنة الموالية في غياب مخطط سنوي متجدد على المدى المتوسط إذ الهدف من هذا التخطيط المالي يكمن في إقامة ممارسة معاكسة للدورات الاقتصادية على المدى المتوسط وليس السنوي.
وبالفعل نظرا للإجراءات المعاكسة للتقلبات الدورية لا يخشى المغرب الرواج المحسوم على اعتبار ضرورة سن سياسة مالية باهظة الكلفة في ما يتعلق بالاستثمار فعدم احتساب الانتاج الملازم للقطاع غير المهيكل يسمح بهامش عجز ومديونية لا يهدد التوازنات الماكرو اقتصادية إلا إذا اندرج الإنفاق العمومي في تزايد نمط عيش الدولة. وعلاوة على هذا فان تاريخ التضخم على مدى السنوات الست الأخيرة يبرز أن الخطر التضخمي يكون ضئيل الاحتمال. فقد تراوح منذ 2009 بين ٪0,2 و ٪1,9.
إن سياسة مالية معاكسة للتقلبات الدورية كما هو معمول بها في انتعاش ما بعد كوفيد 19، يجب أن ترتكز على تسييل الديون (monétisation de la dette) التي يمثل عبئها ما يناهز ٪13 اي قرابة 30 مليار درهم. فمن الجدير الابتعاد عن جمود السياسة النقدية الحالية وإلا فإن تدابير الإنعاش لن تؤتي أكلها أمام جسامة الرصيد السلبي ب 32 مليار دهم المسجل سنة 2020 الذي تنضاف إليه 20 مليار درهم كرصيد إيجابي متوقع بقانون المالية لسنة 2020 لم يتم تحقيقه. إننا أمام عجز التمويل من 54 مليار درهم. وردة فعل التراجع تبقى هي نفسها: تباطؤ الطلب العمومي.
لكن إذا كانت الدولة تحتاج لموارد فان بنك المغرب يفترض أن يكون ذراعها المسلح لكبح المديونية بشراء سندات الخزينة التي يجب إصدارها. ولن يكون المغرب لا أول ولا آخر بلد يداول دينه لدى بنكه المركزي، وهذا الأخير يتوجب أن يتقبل تخفيف الارتدوكسيا النقدية ليتيح استئناف النشاط.
وعليه فإن السياسة المالية المنشودة يجب أن تكون جريئة واستباقية لتتمكن من مواجهة الآثار السلبية للأزمة الصحية على الاقتصاد الوطني. إن إرساء مخطط واسع للاستثمار العمومي، استباقي وجريء يروم تحديث البنيات التحتية الاجتماعية الاساسية (قطاع الصحة كأولوية) والمتقدمة (مجال الرقمي خاصة) أضحى ضرورة قصوى للمغرب. فمن بين الدروس المستخلصة من هذه الازمة القناعة بضرورة إعادة تثمين قطاع الصحة بتحريره من الاختلالات التي تسيء الى تدبيره. اما فيما يتعلق بتهيئة ميزانية السنوات القادمة فمن الحكمة برمجة عجز مالي يدور حول نسبة يمكن تداركها (٪5 على سبيل المثال) ولا نقترح الانخراط في سياق محموم للإنفاق العمومي والتعاطي للتبذير والتبديد، بقدر ما ننشد تخطيط هذا الانفاق بحسب أولويات البلاد وخاصة القطاعات وترشيد ما يمكن ترشيده.
في ما يخص تمويل هذا العجز، يمتلك المغرب هامشا للاشتغال من حيث المديونية وهذا على الرغم من أن مستوى الدين العمومي مقارنة بالناتج الداخلي الخام يمكن، حسب التقديرات أن يتخطى عتبة 80٪. لذا من الاجدر اللجوء الى الدين العمومي الداخلي من خلال استخدام جزء من التوفير الوطني على سبيل المثال وإقامة عملية واسعة للاقتراض الوطني.

السياسة الجبائية

إن التظلمات التي تتوجه نحو النظام الجبائي الوطني معروفة للجميع : مثل الاقتطاع الجبائي المجحف (بالنسبة للأسر والمقاولات الصغرى والمتوسطة)، والاثقال المتوالية للضغط الجبائي على عامل الشغل، التركيز الشديد على الضريبة على الأُجراء المصرح بهم ومقاولات القطاع المهيكل وشعور دافعي الضرائب بعدم الثقة في الادارة الجبائية بل و انخراطهم في موقف تحد لها. وفي هذا الشأن يثمن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إقرار القانون الإطار الجديد للجباية.
ويجب على وجه الخصوص العمل على تطبيق بعض التدابير ومنها: مراجعة جداول الضريبة على الدخل (IR) (خفض الضغط الجبائي على الشرائح الوسيطة ورفع سقف الاعفاء مع إضافة شرائح جديدة بالنسبة للدخل المرتفع)، إدماج ضريبة تدريجية على الممتلكات والإرث، إعادة النظر في الملاذات الضريبية التي تكبد الدولة خسائر تفوق 35 مليار درهم.
إصلاح الضريبة على القيمة المضافة (TVA) ووضع أدوات تحفيزية لدعم البحث والتطوير وابتكار المقاولات (قروض ضريبة للتطوير والبحث مثلا). فمجموع هذه التدابير يمكن أن تمد ميزانية الدولة بمبالغ قد تصل الى 30 – 40 مليار درهم إضافية كل سنة 9، يمكن استعمالها كما يلي: 3/1 للاستثمار العمومي، 3/1 لتمويل الحماية الاجتماعية المعممة، 1/3 لتمويل حفظ تكاليف المقاولات الصغرى والمتوسطة والأسر. ويقترح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بهذا الصدد تنزيل مقتضيات القانون الإطار الجديد الذي ينظم الجباية مع التأكيد بالخصوص على تقوية القدرة الشرائية للأسر (الطبقات الوسطى) ودعم تنافسية المقاولات الصغرى والمتوسطة عبر نظام التحفيزات والإعانات.

ب. تعزيز السياسات القطاعية وتحقيق تماسكها

بشكل مستعرض ترمي استراتيجية النمو إلى وضع سياسات تهدف(بادئ ذي بدء) إلى القضاء على قيود التنمية والى الرقي بالابتكار في القطاعات الاساسية كالقطاع الفلاحي والصناعة والطاقات المتجددة والقطاع المالي. من جهة أخرى يتوجب تقوية جانب حكامة هذه الاستراتيجيات من خلال العمل على تنزيل وتعزيز وتسريع تنفيذ الاستراتيجيات القطاعية.
في القطاع الصناعي على وجه الخصوص، هذا القطاع الذي نراهن عليه لإحداث القطيعة، من الضروري إعادة النظر في تصور السياسة الصناعية على ضوء التحولات والأنماط الجديدة التي تستقر على مستوى سلاسل القيمة العالمية. في بعض القطاعات (صناعة السيارات، الطائرات مثلا) والاستفادة من إعادة التوطين الصناعي القادم من أوروبا. ويتوفر المغرب على مكامن قوة لا يستهان بها (القرب من الاتحاد الأوروبي، خلاصات التجربة، أبواب إفريقيا…) ليتمكن من الانخراط بصفة مستديمة في رفع قيمة وتجويد نسبة اندماج اقتصاده.
وبالموازاة مع تطوير هذه القطاعات الحيوية واعتبارا لما خلفته الأزمة من عواقب وخيمة على هذه الأخيرة، يجب السهر على التنويع اقتصادي وتطوير السلاسل الصناعية الجديدة داخل القطاعات التي يتوفر فيها المغرب على مكاسب تنافسية. فالأزمة أظهرت بكل تأكيد أن المغرب يملك مكامن قوة خاصة في بعض السلاسل ويستند على آثار التجربة التي يتوجب الاستفادة منها. ويتعلق الأمر، للإشارة، بالقطاع الزراعي الغذائي (الترويج للعلامة التجارية المغرب بالنسبة للمواد الموجهة إلى التصدير، المنتجات المحلية، سلاسل الفلاحة العضوية «بيو»، إلخ.)، قطاع النسيج (صنع الكمامات)، والقطاع الصيدلاني (الأدوية) وصنع الأجهزة والوسائل الطبية. وكذلك قطاع الخدمات المبتكرة مثل التسليم إلى المنزل، تجارة القرب، المنصات الرقمية للمهنيين والحلول التعاونية والمنصات الرقمية للتعليم عن بعد.
إن المقاربة الصناعية المتوخاة يجب ن تندرج في إطار «بديل الاستيراد» برفع الانتاج الوطني قدر المستطاع في ما يخص السلع المستوردة عادة من طرف المغرب. من أجل ذلك يجب السهر على إرساء سياسة الافضلية الوطنية ويبدو من اللازم في نفس الاتجاه القيام بمراجعة بعض اتفاقيات التبادل الحر لجعلها عادلة ومتوازنة أكثر لبلادنا. عقد اتفاقيات جديدة للتبادل الحر منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية ((ZLECA والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (CEDEAO) على سبيل المثال، فالتوقيع على مثل هذه الاتفاقيات أضحى ضروريا في إطار توطيد العلاقات المغربية – الافريقية وبهدف تثمين التكامل بين الطرفين.

ج .تدعيم مناخ الأعمال وإنعاش المقاولات الصغرى والمتوسطة والابتكار

99,4٪ من المقاولات المغربية، مقاولات صغرى، ومتوسطة منها 86٪ مقاولات صغيرة جدا برقم أعمال لا يتعدى 3 ملايين درهم. ولهذه المقاولات خاصيات متناقضة فهي، من جهة، تمثل 73 ٪ من مجموع المأجورين المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وفي النقيض لا تساهم إلا بأقل من 37 ٪ في تكوين القيمة المضافة لمجموع المقاولات المغربية ولا تشارك إلا ب 27 ٪من الصادرات. وتعرض عوامل ضعفها الهيكلي لخسائر متزايدة ونسبة وفيات عالية حيث تختفي كل سنة أكثر من 5000 مقاولة و ٪50من تشطيبات المقاولات تجري خلال الخمس السنوات التي تلي ولادتها.
أما في ما يتعلق بالمساهمة الجبائية فأقل من 1 ٪ من المقاولات تضطلع بما يقرب من 80 ٪ من عائدات الضربة على الشركات. وهذا يبرز ضعف المساهمة في المنتوج الجبائي من طرف النسيج المقاولاتي المغربي. هذه النسبة لا تعود بنا فقط إلى التهرب الضريبي، بل تعكس خاصة مستوى الهشاشة في الوسط المقاولاتي في ما يخص تراكم رأس المال. بالفعل، رغم عدد من الإنجازات الهامة التي بوأت بلادنا مواقع محترمة في الترتيبات العالمية مثل ممارسة الأعمال التجارية للبنك الدولي، يبقى مناخ الأعمال بالمغرب يرزح تحت ثقل الخصاص الذي يشكل إكراهات كثيرة بالنسبة للمستثمرين كالولوج للتمويل، العقار، الجبايات، القضاء، والأعباء الإدارية.
لهذا يجب التعجيل بالإصلاحات على صعيد جميع الميادين. ونقترح بهذا الخصوص خمسة محاور تتعلق بتطوير وتعزيز بقاء المقاولات، خاصة الصغرى والمتوسطة:
إحداث صدمة مقاولاتية من خلال إطلاق برنامج مكثف يهدف الى بروز 200000 مقاولة صغيرة ومتوسطة و10000 مقاولة صغير جدا على مدى 5 سنوات وذلك بالإنشاء المباشر أو مواكبة المشاريع الصغرى التي تتوفر على إمكانيات التطور. نقترح ترسانة قانونية وتنظيمية لمواكبة المشاريع الناشئة (start up)، التمويل والولوج إلى الاسواق والتكوين والحماية الاجتماعية… الخ. وتقدر الميزانية الممكن تخصيصها لهذا البرنامج ب 10 ملايير درهم من الميزانية العامة و40 مليار درهم بواسطة القروض المضمونة من طرف الدولة.
إصلاحات تنظيمية ومؤسساتية تروم تبسيط المساطر الادارية للمقاولات. يقترح الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية «قانون عصرنة الاقتصاد» ويهدف المحور الأول من هذا القانون الى تحقيق صدمة تبسيط تنظيمي لصالح المقاولات تشمل وضع مجموعة من المساطر الإدارية الرامية إلى إلغاء معظم التراخيص والأذونات وتعويضها بدفتر تحملات والتزام بالنتائج، بالإضافة إلى رقمنة هذه الأخيرة. أما المحور الثاني لهذا القانون فينص على وضع ميثاق جديد للاستثمار يحل محل ميثاق 1995 الذي أصبح متجاوزا وإصدار ميثاق وطني للمقاولات الصغرى وتحسين الولوج إلى عدد من عوامل الإنتاج (خاصة العقار) وإصلاحات مؤسساتية ومحاربة حقيقية للفساد والجريمة المالية.
تجويد الولوج إلى الطلبية العمومية وخلق ميكانزمات الأفضلية الوطنية عبر تقاسم فرص السوق.
تجويد الولوج إلى التمويل البنكي. والهدف منه هو التوصل إلى معدل أحسن للرساميل المستديمة للاستثمار ولصندوق رأس المال المتداول. ونقترح في هذا المجال:
إنشاء بنك عمومي للاستثمار (BPI) للمقاولات الصغرى والمتوسطة. بنك يرافق المقاول من النشأة الي النضج والبقاء والاستمرارية.
تشجيع الأبناك الخصوصية على تمويل الاقتصاد من خلال توسيع تشكيلة منتوجات التمويل الموجهة للمقاولات الصغرى والمتوسطة. وملاءمة ومراجعة نظام الضمانات من أجل توجيهه إلى حاجيات وقدرات الفاعلين.
إعادة تنشيط سوق الرساميل واستراتيجية جذب الادخار الخصوصي.
نقترح لتحقيق جذب ادخار الأشخاص الذاتيين إطلاق وسائل أكثر جاذبية من أجل توفير السكن مثلا، الانخراط في التقاعد الاختباري والمكمل والتأمين على الحياة. في ما يخص تمويل المقاولات توجد فرص حقيقية جذب الادخار على شكل سندات بالأمد المتوسط والطويل التي يبدو عرضها لا يرقى إلى الطلب. وبصفة عامة، يجب أن تستفيد تعبئة التوفير من اتساع رقعة استخدام الحسابات المصرفية لتطوير سوق ثان يمكن للمدخرين الصغار من الحصول على عائدات أحسن من تلك التي تنتج عن الودائع لأجل. هذا التوجه يجب أن يستند على التكنولوجيا المالية (fintech) 10 التي تتيح مزيد من فرص جذب الادخار أكثر مما توفره الشبكة البنكية التقليدية.

د – تهيئة المجال والموارد والتنمية المستدامة

من المؤكد أن التحكم في المصدر المائي والمصدر الطاقي، وتدبير المجال الترابي عامة والفضاءات القروية يكتسي صبغة هامة ويقتضي اختيارات استراتيجية على جميع المستويات، خاصة في ما يتعلق بالسياسات العامة التي تصب في الأنظمة الفلاحية والاختيارات الطاقية والمعدنية وتدبير الأنظمة الايكولوجية، والمناطق المناخية الاحيائية الكبيرة، بالخصوص التي تصنف في الطبقات القاحلة وشبه القاحلة.
ومن حسن الحظ أن المغرب يعد من البلدان القليلة التي تحظى بامتلاكها سلسلة مواردها المائية كاملة حيث يوفر عليها هذا كل نزاع مرتبط بالمياه الإقليمية العابرة للحدود11، ولكن لا يجب أن يحجب هذا الامتياز حقيقة الإجهاد المائي التي نواجهه.

لذلك فندرة الموارد المائية بالمغرب والتبعية الطاقية حيال السوق الخارجية (95 ٪ من الحاجيات المستوردة) بالإضافة لسياسة تهيئة المجال الترابي، تعتبر الرهانات الاستراتيجية الكبيرة الثلاثة التي يتوجب على المغرب مواجهتها خلال السنوات القادمة.
إن تقوية تنافسية كل فضاء وفعالية جميع أنشطة التنمية يجب أن تكون مصاحبة لهدف التنمية العادلة وهذه الأخيرة تقتضي إعادة تنشيط جميع أشكال التضامن بيـن المجالات الترابية وبداخلها.
لذا فإن الجهود المبذولة والتنسيق المرتبط بها يجب أن تستجيب للتطلع إلى نظرة شمولية واستكشافية معا للتوصل إلى غايات التنمية الاقتصادية والبشرية المستدامة المنشودة. إن تهيئة الفضاءات لا يمكن أن تندرج في المواصلة التاريخية لأنشطة الإنسان وآثارها على الأرض ما لم تعتمد على تشاور واسع لتحكم جماعي في المستقبل.
ختاما، يجب التأكيد، في سياق كل التحولات التي يعرفها الاقتصاد العالمي المؤثرة يقينا في اقتصادنا، على الجانب الرئيسي للسياسة الاقتصادية التي سيتم اقتراحها: اعادة صياغة دور الدولة في شقه الاقتصادي، فمهامها كمنظم واستراتيجي ومخطط يتوجب تقويتها. فالدولة مطالبة بسن سياسة «التدخل الذكي» الذي يجب ان يسهر على دعم قدرة اقتصادنا على مواجهة المنافسة الدولية وحماية في الفئات السكانية الاكثر هشاشة.
وهذا يقتضي في البداية القيام بسلسلة من الإصلاحات المتعلقة بمكونات الإطار الماكرو اقتصادي كالسياسة المالية والسياسة الجبائية والسياسة النقدية. وهذا يستوجب أيضا إصلاحات لتحسين اليد العاملة ومهاراتها ومناخ الأعمال والنهوض بالابتكار ودعم القطاعات الاستراتيجية عبر سياسة صناعية ملائمة تطوي بالخصوص إنعاش انفاق الاستثمار من بنية تحتية متقدمة وتشجيع نسيج اقتصادي مركب.
إن لهذه الإصلاحات ضرورة أساسية في سبيل الدفع بالمقاولات الخاصة إلى الاستفادة من الفرص الجديدة المتاحة من طرف الاسواق العالمية. ونجاح البلاد في بلوغ ذروتها. نخص بالذكر تسريع مجهودات تحسين مناخ الأعمال التي سييسر نشأة وتطور المقاولات الصغيرة والمتوسطة الأكثر قدرة على خلق مناصب شغل مؤهلة. وهذا يؤثر أيضا بصفة إيجابية في تدفق الإستثمارات الأجنبية.

السياسات الاقتصادية والمالية

بالموازاة مع الضغط الذي تعاني منه المالية العمومية بسبب انخفاض الموارد وارتفاع الانفاق، جاءت آثار الوباء على التدبير المالي للبلاد لتفرض إعادة تكييف الأولويات قصد وضع المسائل الحرجة لنموذجنا التنموي في الواجهة، ويتعلق الأمر بالسياسة الاقتصادية وهيمنة الاقتصاد غيرال مهيكل والضعف الهيكلي للنظام الجبائي العاجز عن تعبئة موارد إضافية.
بالفعل، رغم التوافق بين مختلف الفاعلين خلال الدورة الثالثة للجباية المنعقدة في ماي 2019 ارجعت الازمة المترتبة عن تفشي وباء كوفيد – 19 إلى الأمام إلى التساؤل للوقوف على سبب تأخر الإصلاحات الجبائية على فقدان نظامنا الجبائي لفعاليته وجدواه.

I. التشخيص

1. النظام الجبائي

يعتمد النظام الجبائي الوطني على الموارد المستخرجة من ضريبة القيمة المضافة للضريبة على الدخل والضريبة على الشركات إضافة إلى الموارد الجبائية غير مباشرة. فتتعدى الموارد الجبائية بالفعل 88 ٪ مداخيل الميزانية العامة.
لقد تمكنت المجهودات المبذولة من طرف الإدارة المالية من توسيع القاعدة وتحسين المردودية وتطوير موارد الخزينة وهكذا عرفت الموارد الجبائية منحى تصاعديا ما بين 2007 و2017 مع فارق متوسط من 6,7 ملايير درهم، إضافة إلى ازدياد عائدات الضرائب غير المباشرة على عكس استقرار نسبة المداخيل الجبائية المباشرة وانخفاض الدخل المرتبط بالضريبة الداخلية على الاستهلاك في نفس الفترة.
رغم الإنجازات الهائلة من حيث تحسين مناخ المالية والأعمال وتطوير التدبير المالي عموما والتدبير الجبائي بالخصوص، لايزال نظامنا الجبائي يرزح تحت ثقل المشاكل الهيكلية التي تعيق توسيع الوعاء وتقلص التركيز الجبائي والاستعمال الأمثل للقدرات الحقيقية التي يتوفر عليها الاقتصاد الوطني. وواقع الحال أننا لم نتمكن من ادماج عدد من أنشطة القطاع غير المهيكل ولا من تحقيق الانصاف والعدالة الجبائية.

أ. الضريبة على القيمة المضافة (TVA)

تشير الأرقام المتعلق بالضريبة على القيمة المضافة على أهميتها في بنائنا الجبائي، وعلى ضرورة استحضار تأثيرها على الموارد المالية للدولة في أي إصلاح مرتقب. كما يُستشف من هذه الأرقام، حجم التملص الضريبي والصعوبات التي تعتري الإدارة الضريبية سواء في ضبط الوعاء أو في التحصيل. ذلك أن نشاطات اقتصادية عديدة تبقى غير مشمولة بهذه الضريبة، بفعل اتساع رقعة القطاع غير المهيكل. كما يتبين أن إصلاح الضريبة على القيمة المضافة، سيكون له الوقع المباشر والسريع، موازاة مع تدابير إصلاحية أخرى، في إعطاء دفعة لعجلة الاقتصاد، من خلال تشجيع الاستهلاك الداخلي.
تذكير ببعض الأرقام الرئيسية 12:
150 مقاولة تؤدي 50 ٪ من رسوم القيمة المضافة.
الضريبة على القيمة المضافة تشكل القسط الأكبر في النفقات الجبائية (13,6 مليار درهم سنة 2020).
وصلت مجموع مداخيل الضريبة على القيمة المضافة ما يفوق 67.2 مليار درهم (قانون التصفية لسنة 2019).
الإيرادات الصافية المتعلقة بالضريبة على القيمة المضافة بلغت 31,8 مليار درهم سنة 2019.

ب. الضريبة على الدخل ( IR)

إن نظام الضريبة على الدخل يعاني من اختلالات كبيرة بالمغرب من حيث انعدام المساواة في التطبيق بين مختلف الدخول كما من حيث عدم ملاءمة التكاليف الضريبية لقدرات دافعي الضرائب الحقيقية، مما يبرز ضرورة مراجعة نظام الضريبة على الدخل لتحقيق العدالة الجبائية والحفاظ على الطبقة الوسطى التي تتأثر بطريقة مباشرة من فوارق التكاليف هذه.
بعض الأرقام لتوضيح الأزمة المتعلقة بالضريبة على الدخل:
73 ٪ من الضريبة على الدخل متأتية من الاقتطاعات على الأجر، في حين أن الدخل المهني يمثل نسبة 5 ٪.
معدل مساهمة الأجير تتجاوز 5 مرات مساهمة المهني.
3 % من المهنيين يؤدون 50 % من الضريبة على الدخل المهني.
126 مقاولة تمثل 50% من الضريبة على الدخل المفروضة على الأجور.
95 % من مداخيل الضريبة على الدخل متأتية من 11.47 ٪ من الملزمين (CESE 2019).
وصلت المداخيل الصافية الخاصة بالضريبة على الدخل 44.5 مليار درهم برسم سنة 2019.

ج. الضريبة على الشركات (IS)

بقراءة دقيقة لأرقام الضريبة على الشركات نستنتج للأسف مستوى المطابقة الجبائية لدافعي الضرائب مع هشاشة النسيج المقاولاتي الوطني. وتبرز جسامة التركز الجبائي. وهذه الوضعية تغذي أيضا تبرير السلطات المالية لارتباطها بنظام الحد الأدنى للضريبة على الشركات.
1 ٪ من المقاولات تؤدي 80 ٪ من ضريبتها على الشركات.
84 مقاولة تؤدي 50 ٪ من الضريبة على الشركات، وهذه المقاولات لا تمثل إلا 28 ٪ من مجموع رقم الأعمال (2019).
95 ٪ من إيرادات الضريبة على الشركات تصدر عن 6,12 ٪ من دافعي الضرائب.
شركة من أصل ثلاثة خاضعين للضريبة على الشركات تصرح بعجز دائم (2019).
بلغت المداخيل المتعلقة بالضريبة على الشركات 54 مليار درهم سنة 2019.

د. الضريبة الداخلية للاستهلاك (TIC)

تمثل الضريبة الداخلية للاستهلاك المورد الثاني من مجموع المداخيل الجمركية (32 ٪ برسم سنة 2020). ومع ذلك فقد انخفضت مداخيل الضريبة الداخلية للاستهلاك ب 8,4 ٪ سنة 2020 مقارنة مع السنة السالفة لتبلغ 26,9 مليار درهم.
تبرز هذه المعطيات مستوى مساهمة الضريبة الداخلية للاستهلاك في الموارد المالية للميزانية والهوامش التي يمكن استغلالها لرفع العائدات المحصلة في هذه الفئة. هذا بدون إغفال العواقب المباشرة لاحتمال رفع نقصان استهلاك المواد المضرة بالصحة.


بتاريخ : 30/08/2021