الكاتب والمترجم مراد الخطيبي: لابد من تجميع الجهود الفردية للمترجمين ضمن مؤسسة عمومية متخصصة في الترجمة

 

في هذا الحوار، يجيب الكاتب المغربي مراد الخطيبي عن خمسة أسئلة حول كتابه الأخير «الترجمة الأدبية .. الممكن والمأمول»، وعن خصوصيات هذا الفرع من الترجمة المتخصصة، والصعوبات التي تواجه المشتغلين به، إلى جانب المساهمة المغربية في حركة الترجمة الأدبية في العالم العربي وسبل النهوض بها.

 

p أصدرتم مؤخرا كتابكم «الترجمة الأدبية.. الممكن والمأمول»، ما هي أبرز الإشكاليات يعالجها هذا الإصدار ؟

n يحاول هذا المؤلف التطرق إلى مجموعة من المشاكل والصعوبات التي تواجه المترجمين في عملية الترجمة، وأيضا الحلول المقترحة من طرف المترجمين لتذليل هذه الصعوبات. كما يتناول المؤلف قيمة الترجمة وقدرتها على نفض الغبار عن بعض الكتب الإبداعية التي طالها النسيان وبالتالي بعثها إلى الحياة من جديد، وإعادة طرح ما جاء فيها للنقاش والتداول سواء على مستوى سماتها الفنية أو الفكرية والثقافية.
يطرح المؤلف، كذلك، سؤال الإبداع في الترجمة، وما إذا كان بإمكان الترجمة، بتعبير الفيلسوف الفرنسي موريس بلانشو، أن ترقى إلى مستوى الكتابة الإبداعية ؟
وكما هو معلوم، فنظريات الترجمة ساهمت، بشكل فعال، في اقتراح مجموعة من الآليات والاستراتيجيات الترجمية، والتي أثبتت الدراسات العلمية قيمتها وفعاليتها. وهناك عدد كبير من المترجمين يستعمل هذه الاستراتيجيات بدون إدراك أو وعي، نظرا لافتقارهم ربما إما لتكوين أكاديمي في مجال الترجمة، أو ربما لعدم اطلاعهم على النظريات الترجمية بشكل عام.
وللقيام بعملية نقدية لعملية الترجمة ومحاولة الإجابة عن إشكالية الترجمة بين الممكن والمأمول، يضم هذا المؤلف مجموعة من الدراسات تتوزع بين ترجمة الشعر وترجمة الرواية وترجمة «الهايكو». ولأن ارتباطا قويا يجمع بين الفلسفة والأدب، فإن الكتاب اقترح في البداية فصلا نظريا يبسط بعض الإضاءات ويقدم بعض الأسئلة حول الترجمة بين الطرح الفلسفي والتأويل الثيولوجي من خلال قراءة في مشروعي الفيلسوفين المغربيين عبد السلام بنعبد العالي وطه عبد الرحمان.

p تعتبر الترجمة الأدبية واحدا من أشكال الترجمة المتخصصة، ما هي خصوصيات هذا النوع من الترجمة، وما أبرز الصعوبات التي تعترض المشتغلين فيه ؟

n لا يختلف اثنان حول أهمية الترجمة وصعوبتها في الآن نفسه. فالترجمة تؤدي أدوارا ثقافية واجتماعية وسياسية وحضارية وتساهم في الحوار والتواصل في شتى المجالات المعرفية والفكرية والسياسية والدبلوماسية وغيرها. بيد أن صعوبتها تتجلى، أساسا، في ما هو لغوي وثقافي وسياسي وقد تتجاوز هذه الحدود فتصبح بالتالي عملية معقدة يصعب فك رموزها وحل خيوطها الملتبسة. وفي المقابل، تبقى الترجمة، على الرغم من هذه الصعوبات والحواجز عملية ممكنة كما يقول الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي الذي يؤكد أيضا على أنها ليست «انتقالا من محتوى دلالي قار نحو شكل من التعبير مخالف، وإنما هي نمو وتخصيب للمعنى بفعل لغة تكشف، بفضل عملية التخالف الباطنية، عن إمكانيات جديدة».
وتعتبر الترجمة الأدبية التي تشكل محور هذا المؤلف، من أهم وأصعب أنواع الترجمة لأن إشكالياتها تتجاوز في بعض الأحيان المبنى والمعنى والوقع أو الأثر لتصبح عملية الترجمة ذات رهانات أقوى لأن الكتابة الإبداعية تنحاز نحو ماهو جمالي وفني تحديدا، ويصبح رهان المترجم هو كيفية المحافظة على العناصر الجمالية الموجودة في النص الأصلي مع مراعاة الخصوصيات الثقافية للغة المترجم منها واللغة المترجم إليها.
وينبغي التأكيد على أن الترجمة الأدبية تنكب على جميع الأجناس الأدبية من شعر ورواية وقصة ومسرح من لغة معينة إلى لغة أخرى. وتكمن صعوبة الترجمة الأدبية في أن المترجم لا يتعامل مع نص عام بل مع نص إبداعي له مبدئيا مقومات فنية متمثلة في جنوحه أحيانا إلى الرمزية، والاستعارة وإلى الغموض أحيانا أخرى. فالفيلسوف الألماني نيتشه مثلا يحدد صعوبة الترجمة من لغة إلى أخرى، ومن ضمنها الترجمة الأدبية بطبيعة الحال، في الإيقاع الأسلوبي, وهذا الإيقاع يختلف بالتأكيد من لغة إلى أخرى.
وتتحدد الترجمة الأدبية ضمن عدة مستويات وأنساق وتعترضها عدة صعوبات وتحديات أهمها على الخصوص المحور الثقافي، والمحور اللغوي ومستوى بناء النص المراد ترجمته. وهذه المستويات كلها متقاربة ومتشابكة ولا يمكن الفصل بينها، فهي أساسية باعتبارها خصوصيات للنص الأصلي وأيضا باعتبارها إشكالات ينبغي أخذها بعين الاعتبار مجتمعة في عملية الترجمة وإلا فستصير الترجمة مثل ترجمة نص عام ليس إلا.
بيد أن هذا التعامل الخاص ينبغي أن يرافقه اطلاع ومعرفة من قبل المترجم لأهم النظريات في الترجمة وأهم الحلول التي أتى بها الباحثون من أجل تذليل الصعوبات أمام المترجمين. لهذا فالمترجم مكون أساسي في مدى نجاح عملية الترجمة أو فشلها. وهذا ما يوضحه مثلا الفيلسوف الألماني، وولتر بنيامين، الذي يؤكد على أن المترجم الأدبي لا ينقل فقط معلومات، وإنما مقومات شعرية وإبداعية، ويجب عليه هو أيضا أن يكون مبدعا لكي يحافظ على قيمتها الجمالية في اللغة الهدف، كما أنه لا يمكن الحديث عن ترجمة معينة دون الرجوع إلى النص الأصلي ومقارنتها معه.
وبهذا، يساهم المترجم في المجهود الإبداعي الذي قام به الكاتب الأصلي ويعيد إنتاج البنيات والرموز عبر تكييف نص اللغة الهدف مع نص اللغة الأصل. ويحتاج في هذا إلى ليس فقط المحافظة على القيمة الأدبية للنص الأصلي ولكن أيضا لمقبوليته لدى للقارئ المنتمي للغة الهدف، وهذا يحتاج إلى معرفة عميقة للتاريخ الأدبي والثقافي للغة الأصل ولغة الوصول معا.

p هناك من يجد صعوبة في فهم كثير من الأعمال الأدبية العالمية المترجمة إلى اللغة العربية وكأنها ترجمت على عجل، ولا تعدو أن تكون رصفا للفقرات لا روح فيه ويحتاج لإعادة الصياغة. ما تعليقكم على هذه الظاهرة ؟

n لا بد من الإقرار بأن هناك استسهالا لمجال الترجمة وللترجمة الأدبية بدرجة أكبر. ذلك أن البعض يتعامل مع النصوص الأدبية والإبداعية وكأنها نصوص عامة، ويتم تغافل إشكاليات السياق والثقافة وخصوصيات اللغة الأصل واللغة الهدف، بالإضافة إلى إشكالية المحافظة على السمات المجازية والجمالية للنص الأصلي.
وبالفعل، فإن هذا الاستسهال ينتج بطبيعة الحال نصوصا مفككة البناء ومبتورة المعنى وفاقدة للروح، وكذا للأثر الجمالي الذي يعتبر بطبيعة الحال من الخصائص المهمة للنص الإبداعي، وغالبا ما يتم الاستناد إلى الترجمة الحرفية التي لا تكون دائما استراتيجية ناجحة.

p يشكل التكوين الأكاديمي في مجال الترجمة حلقة أساسية لتخريج مترجمين أكفاء. هل تجدون أن المؤسسات الجامعية المغربية تقدم عرضا شافيا للتكوين في مجال الترجمة الأدبية ؟

n لا أظن ذلك، قد توجد بعض المبادرات الفردية لبعض الأكاديميين الذين يحفزون طلبتهم على الاشتغال على مشروع ترجمة جماعية لرواية أو لجزء منها مثلا، أو ترجمة مجموعة شعرية أو ترجمة بعض النصوص منها خلال فصل دراسي. وهي مبادرات غالبا ما تأتي من أكاديميين أدباء أو عاشقين عموما للترجمة الأدبية. وبالتالي، لا بد من إعطاء اهتمام أكبر للترجمة الأدبية من طرف الجامعات المغربية والاشتغال على ترجمة كتب إبداعية خلال السنة الدراسية دون إغفال تدريس أهم النظريات في الترجمة الأدبية.

p ما تقييمكم لمساهمة المغاربة في حركة الترجمة الأدبية في العالم العربي، خصوصا وأن الكثيرين يرون أنها عبارة عن مبادرات فردية بالأساس، وجزء كبير منها قائم على ما تطلبه السوق؟ ماذا تقترحون للنهوض بهذه المساهمة ؟

n لا بد من الإشادة بالمساهمة الفعالة التي يقوم بها المترجمون المغاربة في حركة الترجمة الأدبية في العالم العربي. ونؤكد هنا أن الأمر يتعلق بمبادرات فردية تندرج إما ضمن اهتمامات المترجمين بأعمال أدبية معينة وإما ضمن اقتراح من كاتب النص الأصلي أو ضمن اقتراح من الناشر في بعض الأحيان. ولكن، للنهوض بهذه المساهمة، لا بد من تجميع هذه الجهود الفردية المتفرقة ضمن مؤسسة عمومية متخصصة في الترجمة تسخر لها الدولة الإمكانيات المادية والبشرية اللازمة، وتضطلع بإعداد برنامج سنوي خاص بترجمة الأعمال التي يتم اختيارها حسب أهميتها وقيمتها الفنية من وإلى اللغة العربية.
وأرى أنه لا بد من الاشتغال على مشروع في الترجمة من أجل معرفة ما يكتبه الآخرون ومن أجل التعريف أيضا بما نكتبه نحن. فالترجمة، كما يقول الأستاذ عبد السلام بنعبد العالي، تنفخ الحياة في النصوص، وبالتالي، لا بد من إعطاء أهمية أكبر للترجمة في المغرب ومن ضمنها الترجمة الأدبية.


الكاتب : (و.م.ع: عبد اللطيف أبي القاسم)

  

بتاريخ : 06/03/2021

أخبار مرتبطة

روني شار يقول بأن على الشاعر أن يستيقظ قبل أن يستيقظ العالم لأن الشاعر حافظ وجوه الكائن اللانهائية.شعراء أساسيون مثل

رَفَحْ جرحٌ أخضرُ في مِعْصم غزَّةَ، وَنَصْلٌ في خاصرة الريحِ. ماذا يجري؟ دمُ عُرسٍ يسيلُ أمْ عروسُ نِيلٍ تَمْضي، وكأنَّ

– 1 – هل الرمز الشعري الأسطوري ضروري أو غير ضروري للشعر المغربي؟ إن الرمز الأسطوري، اليوناني، خاصة، غير ضروري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *