الكتابة والصحراء قراءة في مؤلفات فردية وجماعية -14- الشرفاء الركيبات دراسات أناسية تاريخية اجتماعية 2/1

ماهي العلاقة بين الكتابة والصحراء؟ وكيف تلازمتا منذ زمن بعيد؟ ألم تكن الكتابة مرتبطة بالصحراء، هل هناك حدود للكتابة في الصحراء أم لا حدود لها مثل كثبان الرمال؟ وأيهما أقرب إلى ثقافة الصحراء: الكتابة أم الشفاهية؟
إنها تساؤلات عميقة تنبعث ونحن نتأمل المتون والمؤلفات التي اتخذت من الصحراء تيمة لها. فلقد شكلت الصحراء دوما فضاء غنيا بامتياز وباعثا على الإبداع والتدوين. بإرثها التاريخي العميق ،وبتنوع تضاريسها، وغنى مواردها الطبيعية التي تجمع البحر والبر في التحام وتناسق جميلين ،كما شكلت ملتقى للحضارات المتعاقبة على المغرب ، لذلك نبغ منها شعراء عديدون ومفكرون كانوا من رموز زمانهم ، ومثقفون ألفوا وأنتجوا كتبا ما يزال بعضها رهين خزانة المخطوطات ينتظر التنقيح وإخراجه من ركام الأتربة ليستفيد منه الأحفاد بعدما أنتجه الأجداد منذ زمن غابر

يندرج هذا الكتاب في إطار التعريف بقبيلة الركيبات لأهميتها التاريخية والديموغرافية في النسيج المحلي بالصحراء .
فالتعريف بالقبيلة – يعتبره د الناقوري- وبتاريخها عبر لحظاته المتعاقبة والمتفاوتة قوة وضعفا علوا وانحدارا أو العكس، هو في الوقت ذاته تعريف بالمنطقة وساكنتها وبإسهامها القوي في بناء المغرب الموحد والقوي والمشارك في تشييد صرح الحضارة وإعلاء كلمة الحق والعدل والخير .
وقد وزع الباحث الكتاب إلى أربعة اقسام متكاملة
القسم الاول :خصصه كمدخل للحديث عن أهمية البداوة في ثقافة الصحراء ، مشيرا إلى انشغال الباحثين عربا وغربيين على دراستها(البداوة) ومقاربتها بمناهج وأدوات علمية مختلفة، ولأغراض تتنوع بتنوع مقاصد الباحثين والدارسين .
و يؤكد الباحث أن البداوة رغم كونها مفهوم عربي عريق له تاريخ ذو رجع بعيد، فهي الأصل والحضارة طارئة ،و مقوم من مقومات العقلية العربية والإسلامية بمعانيها ودلالاتها النقية وقيمها الأصيلة التي تشمل الحلم والكرم والنبل والشجاعة ،فمن المؤسف أن تتعرض هذه الصورة الجميلة للتشويه والتمزيق من قبيل كثير من الباحثين الغربيين والمستشرقين الذين حرفوا مفهوم البداوة ووظفوه توظيفا انتربولوجيا وسياسيا يخدم أهدافا واستراتيجيات مكشوفة ومعلنة، بل ضمنوا تصوراتهم أطروحات سياسية وانتربولوجية استعمارية وعنصرية مؤداها أن العرب بدو رحل لا يقر لهم قرار ولا يرتبطون بأرض أو وطن . كما أشار الى تجاوز عدد المؤلفات والدراسات والأبحاث والمقالات التي تتكون منها بيبليوغرافيا الدراسات الغربية حول البداوة في الأقطار الغربية 3400 مادة علمية كتبت بمختلف اللغات وتوزعت الى ثقافة البداوة و ثقافة الابل وثقافة الرعي وثقافة الصحراء والإنسان (القبائل) والفنون، والأعراف، والعلوم البدوية والقوانين.
وكل هذه الجهود يؤكد الكاتب أنها تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر، وإلى تقويم وتصحيح لإزالة ما تحتويه من عيوب وما يشوبها من نواقص وتحريفات، لأن معظمها كتب في ظل ظروف سياسية وتاريخية تميزت بالتسلط الاستعماري على الدول الضعيفة وتسخير الأنظمة الغربية لعدد من العلماء لخدمة أهدافها التوسعية ومخططاتها العدوانية الرامية إلى إخضاع الشعوب واستغلال خيراتها وثرواتها.
كما تطرق للإبل ومسارها عبر التاريخ بدءا من التأكيد أنها عرفت في حياة الانسان منذ قرون قبل ميلاد المسيح ، و في سيكولوجيتها وخصائصها ومختلف أسمائها ومكانتها في الحياة البدوية ومنافعها العلمية والعملية والعلاج ببولها قبل التطرق لعلاقات الرقيبات بالإبل لأنهم عرفوا في تاريخهم بكونهم أصحاب إبل لا يستغنون عنها في مختلف أمور حياتهم .
في القسم الثاني من الكتاب ناقش الباحث الرقيبات في المراجع والدراسات الغربية ، حيث تناولتها من زوايا مختلفة وبلغات متنوعة انطلاقا من أهمية القبيلة في النسيج الاجتماعي، أو انطلاقا من دراسة الصحراء أو البداوة، وتتمثل الكتابات في المونوغرافيات وكتب الرحلات والتقارير والببليوغرافيا التي أنجزها كتاب غربيون وأوروبيون، لذلك جرد الكاتب بعض الدراسات العلمية قبل أن يتطرق خصيصا لجرد المراجع الخاصة بالرقيبات وعددها81 ثم جرد بعض الملاحظات حولها :
+إن تلك المراجع تطرقت لمناحي مختلفة تشمل التكوين والتاريخ والبداوة والتوطين والاستقرار والتحول إلى البداوة والتنظيم القبلي والطبقي العادات والقيم والقوانين والجهاد والمقاومة خاصة في مستهل القرن العشرين….
+إن تلك الدراسات التي تكتسي طابعا علميا بهدف معرفة الصحراء وسكانها لا تخفي أحيانا الأهداف الاستعمارية .
+إن البحوث التي أنجزت بعد 1974 قد تأثرت بعوامل الصراع حول الصحراء ولم تسلم من الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك .
+إن أغلب البحوث الغربية حول قبيلة الرقيبات كتبت باللغات الفرنسية والإنجليزية وبالإسبانية لأن تلك الدول كانت من الدول الغربية التي تمكنت لأسباب تاريخية وجغرافية وسياسية من التسلل عبر الجزائر وموريتانيا والمحيط الاطلسي للصحراء المغربية حيث تصدت لها القبائل الصحراوية .
+تأثر الكتاب المغاربة بالكتابات الاستعمارية فجاءت كتابتهم وكأنها ترجمة لما قاله الغربيون، وترديد لأصداء الأطروحات الاستشراقية المعروفة التي يهمها الطعن في الهوية والمقدسات والتاريخ الوطني .
+ إن هذه البحوث والكتابات الأجنبية التي تناولت الصحراء كفضاء سري وسحري واجتماعي .تزود المتلقي بالمعطيات العلمية ومجمل المعلومات ووجهات النظر التي أدلى بها باحثون ومختصون غربيون في قبيلة صحراوية في ماضيها وحاضرها، كما قدم الباحث جردا وملخصا لبعض الأطروحات التي يؤكد أنه يجب أن تؤخذ بكثير من الحذر والتحفظ نذكر منها.
• أطروحة كاراتيني: الرقيبات 1610-1634،وهي باحثة فرنسية وأستاذة في جامعة باريس وهي أول باحثة غربية عنت عناية خاصة بالرقيبات : كتابها موزع إلى جزئين الأول بعنوان: أصحاب إبل يبحثون عن تراب (290) صفحة والجزء الثاني التراب والمجتمع (290 صفحة).
• بحث بيرنار لوكان وهو مؤرخ فرنسي من مؤيدي مطالب المغرب ومساندي حقوقه في صحرائه، وقد كتب كتابا خص فيه الصحراء ومقاومة قبائلها للمستعمر الفرنسي والاسباني بصفحات مطولة خاصة الرقيبات وبعض التكنة وتحدث عن بعض أولياء الصحراء ومنهم سيدي أحمد الرقيبي حفيد مولاي عبد السلام بن مشيش .


الكاتب : م.محمد البوزيدي

  

بتاريخ : 17/03/2025