الكلاب الضالة بالمغرب… بين خطر يهدد الأرواح وضغط المنظمات الدولية

 

منظر الكلاب الضالة في أزقة المدن المغربية وفي القرى، وفي مختلف المناطق الحضرية والقروية، لم يعد نادرا، بل أصبح مشهدا مألوفا وعاديا. تتحرك هذه الكلاب غالبا في مجموعات يتراوح عدد أفرادها بين أربع إلى عشر كلاب على الأقل، مثيرة حالة من التوجس والخوف في صفوف المارة، خاصة الأطفال. وقد سُجلت عدة اعتداءات على مواطنين، بمن فيهم الأطفال، بل وصل الأمر إلى مهاجمة كل مارٍّ وحيد في الصباح الباكر أو في الفترات المسائية، خصوصا إن كان على دراجة هوائية أو نارية، مما تسبب في إصابة بعض الضحايا بعاهات مستديمة أو بمرض السعار، وفي بعض القرى والجبال تسببت هجمات مباغتة لهذه الكلاب في مفارقة عدد من الأشخاص الحياة.
في ظل هذا الخطر المنتشر في الشوارع عمل المغرب على وضع خطة وطنية للتعامل مع ملف الكلاب الضالة، تقوم أساسا على برنامج «الالتقاط، التعقيم، التلقيح، وإعادة الإطلاق» (TVNR)، الذي أُعلن عنه رسميا سنة 2019. وتشمل الخطة أيضا تخصيص ميزانيات للمجالس الجماعية، وإنشاء مراكز إيواء مؤقتة، وتطعيم الكلاب ضد داء السعار. في المقابل تنامت خلال السنوات الأخيرة أصوات منظمات دولية وجمعيات ناشطة في مجال الرفق بالحيوان، تتهم المغرب باعتماد أساليب «وحشية» للتعامل مع الظاهرة، بما في ذلك القتل الجماعي بالرصاص أو التسميم. تقارير إعلامية، بعضها صدر عن صحف بريطانية وإسبانية، ربطت بين هذه الحملات وتهيئة المدن لاستقبال تظاهرات رياضية كبرى مثل كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030، معتبرة أن الإجراءات «مجرد عمليات تنظيف للصورة» على حساب حياة الحيوانات لكن السلطات المغربية نفت هذه الاتهامات، مؤكدة أنها تعتمد مقاربة إنسانية لمعالجة الظاهرة المتمثلة في الخطة السابق ذكرها والمعتمدة منذ سنة 2019، لكن الجمعيات الحقوقية تؤكد أن التطبيق الميداني لهذه الخطة يعرف تفاوتات كبيرة بين المدن.
في الميدان، يواجه المواطنون معضلة حقيقية: الخوف من هجمات الكلاب الضالة يقابله تعاطف إنساني مع هذه الحيوانات، من جهة ، يحذر الأطباء من مخاطر داء السعار الذي قد ينتقل عن طريق العضة، ومن جهة أخرى، يرى نشطاء أن غياب سياسات فعالة ومستدامة جعل الشوارع «موطنا» دائما لهذه الكلاب.
ويقترح الخبراء لمواجهة هذه المعضلة مقاربة شاملة تتمثل في تطبيق صارم لبرنامج TVNR على المستوى الوطني مع مراقبة مستقلة، وإنشاء ملاجئ إقليمية للكلاب العدوانية أو المريضة، مع برامج للتأهيل والتبني والقيام بحملات توعية لتشجيع التبني ومنع التخلي عن الكلاب كما يدعون إلى وضع قوانين جديدة تلزم أصحاب الكلاب بالتسجيل الإلكتروني وتفرض غرامات على التخلي، مقترحين توقيع شراكات دولية مع منظمات الرفق بالحيوان للحصول على الخبرة والتمويل.
وعبر العالم سجلت تجارب ناجحة للقضاء على ظاهرة الكلاب الضالة أو على الأقل وضع برامج ناجحة استطاعت محاصرة هذا المشكل، ففي تركيا مثلا (إسطنبول) تم تطبيق برنامج TVNR منذ سنوات، مع وضع شارات على الكلاب الملقحة، وأصبح المواطنون يتعايشون معها بأمان نسبي أما في الهند (ولاية كيرالا) فقد تم اعتماد مزيج من التعقيم الإجباري، التلقيح، وبرامج تبني مجتمعية، مما خفّض عدد الإصابات بالسعار بنسبة كبيرة وفي رومانيا (بوخارست) بعد حملات قتل أثارت الجدل، انتقلت البلد إلى استراتيجية الملاجئ والتبني، مع إشراك الجمعيات..
التعامل مع ملف الكلاب الضالة في المغرب يفرض توازنا صعبا بين حماية المواطنين وضمان حقوق الحيوان. النجاح في هذا التحدي يتطلب خطة وطنية متكاملة، موارد مالية وبشرية كافية، وإرادة سياسية حقيقية، حتى تتخلص الشوارع من الخطر الداهم لتلك الكلاب وتتحول إلى فضاء آمن للإنسان والحيوان على حد سواء.


الكاتب : مشتري خديجة

  

بتاريخ : 11/08/2025