«ضعف» المستشفيات العمومية و «ارتفاع» تسعيرة الخدمات في القطاع الخاص يفاقمان وضعيتهم
ترأس رئيس الحكومة يوم الثلاثاء الأخير اجتماع اللجنة الوزارية لقيادة إصلاح منظومة الصحة الاجتماعية، والذي عرف هذه المرة حضور رئيس الهيئة العليا للصحة، الذي ظلّ مغيّبا منذ تعيينه، مما يطرح علامات استفهام كثيرة عن أسباب تأخر تنزيل التدابير الإدارية والتنظيمية المتعلقة بهاته الهيئة، التي من المفروض أن تقوم بدور محوري في إصلاح السياسات الصحية، وأن تنكب على معالجة الأعطاب التي تواصل الحيلولة دون الولوج العادل لكافة المواطنين إلى الخدمات الصحية على قدم المساواة.
ولوج لاتزال تعترضه العديد من الإكراهات، وهو ما يبينه واقع حال المؤسسات الصحية العمومية أساسا، التي تستقبل إلى غاية اليوم مواطنين بدون تغطية صحية، لتخبرهم مصالحها المختصة بتعذر تقديم الفحوصات والعلاجات لهم، وبالتالي فهم مطالبون إما بالإدلاء بتأمين أو وثيقة تثبت استفادتهم من التغطية الصحية أو بتسديد مصاريف العلاج، بالرغم من تأكيد اللجنة على أن عدد المستفيدين من التغطية الصحية قد بلغ أزيد من 24 مليون مواطن. هذا المعطى المصرّح به لا يلغي بأن هناك فئات أخرى توجد في وضعية “إقصاء صحي” لأنهاغير قادرة على تحمل تكاليف الاشتراك، خاصة بعد أن “طردت” عملية مراجعة المعطيات الشخصية المتضررين بسبب ما تم وصفه بارتفاع المؤشر، مما جعل أكثر من نصف المستفيدين من التغطية الصحية الإجبارية اليوم يؤدون انخراطا شهريا، تتفاوت قيمته بأي شكل من الأشكال ولو على حساب “قوتهم اليومي”، بما أن الصحة هي مكلّفة ولايستطيعون تحمّل مصاريفها، وهو ما يؤكده الرقم الذي أفصحت عنه اللجنة كأحد خلاصات اجتماعها، حين أوضحت بأن حوالي أربعة ملايين أسرة تستفيد من “أمو تضامن” أي ما يقدّر بقرابة 11 مليون شخص.
وإذا كانت المعطيات المدلى بها، المتعلقة بتعميم التغطية الصحية الإجبارية مهمة في جانب منها، وتؤكد انخراطا جدّيا نحو محاولة رفع الحواجز التي تعترض استفادة المواطنين المعوزين والفئات الهشة من الخدمات الصحية، الأمر الذي لا يمكن إنكاره، فإنه في المقابل يجب من الضروري كذلك الوقوف عند المعيقات القائمة المتواصلة التي تشكل تهديدا للصحة، وعلى رأسها ما يتعلق بالتمويل الصحي الذي يبقى على عاتق المؤمّن، نظرا لأن المستفيدين من التغطية الصحية اليوم والمؤمّنين بشكل عام يتحمّلون أكثر من نصف المصاريف العلاجية عن كل ملف مرضي، بسبب تقادم التعريفة المرجعية الوطنية التي تعودلسنة 2006، والتيلم تتم مراجعتها رغم التعهد بذلك حين توقيعها ورغم تحديد مجال زمني لذلك يتمثل في كل ثلاث سنوات.
هذا الثقل المالي على المستفيدين من التغطية الصحية، فبالأحرى من لا يتوفرون عليها إلى غاية اليوم، يشكل عبئا على المؤمّنين، ويجعل الكثيرين يتوجهون إلى المستشفى العمومي طلبا لخدمات “مجانية”، لكن صعوبات الولوج بسبب طول المواعيد، وتعثر الفحص والتشخيص، بسبب الأعطاب والخصاص وغيرهما، يجعلهم إما يتوجهون صوب القطاع الخاص، مع ما يعنيه ذلك من تسديد لفوارق مالية مرتفعة، أو يدفع بفئة أخرى إلى تأخير زيارة الطبيب، وتعريض أنفسهم لمضاعفات،قد تكون لها تبعات ثقيلة، صحية ومالية على حدّ سواء!