الكنادير، الدرون، التوربو تروش.. أسلحة المغرب المتطورة لمواجهة حرائق الغابات…

في غمرة ما تعرفه الأرض من جفاف وندرة مياه وارتفاع درجات الحرارة بشكل غير طبيعي، وفي خضم استعار النيران بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وبالولايات المتحدة التي طغى على سمائها لون اللهب المخيف بفعل الحرائق بينما لم يجد سكان بيكين سوى باطن الأرض ملجأ لهم من الحرّ الشديد، أمام كل هذه الأخطار يدق العالم ناقوس الخطر وتبدي الدول تخوفها من الاحترار ومن مستقبل الأرض التي يبدو أنها… تحترق.
المغرب بدوره يعرف بين الفينة والأخرى، خصوصا في الصيف، حرائق غابات مهولة ومدمرة للغطاء النباتي وللثروة الغابوية، فكيف تحارب بلادنا هذه الآفة؟

 

كباقي بلدان العالم، يجد المغرب نفسه، كل صيف، عرضة لمخاطر حرائق تأكل غاباته يوميا وتقلص من مساحاتها، ففي الشمال والوسط والواحات الجنوبية، نار تأتي على الأخضر واليابس، حيث لا يكاد ينطفئ حريق حتى يشتعل الآخر، وهو أمر قد يبدو بعيدا لمن لا يتابع أخبار هذه الكوارث إلا عبر الشاشات أو الصحف لكن من صادف اشتعال النيران في الغابات وجها لوجه يجد نفسه عاجزا عن وصف شعوره في تلك اللحظات، في الصيف الماضي خلال رحلة على متن القطار المتجه إلى مكناس، كان المنظر غير اعتيادي و..مخيفا، فبين الفينة والأخرى كانت تطالعنا من بعيد، عبر النوافذ، أعمدة من نار ملتهبة تفترس الأشجار بوحشية، كانت الحرارة المرتفعة، ورياح “الشركي” تزيد من شهية النار ومدها بمزيد من القوة لتلتهم الغابات الخضراء لتحيلها حطاما ورمادا. في الطريق بين مكناس وإيفران وعلى متن سيارة طاكسي سيتناهى إلى مسامعنا حوار هاتفي بين السائق وشخص آخر يحذره من المجيء إلى إيفران، إيفران تحترق، هكذا رمى لنا السائق الخبر، لا مجال لمواصلة الطريق، فالكل هارب منها ومن النار التي تطوقها…
لا أظن أن هناك كلمة يمكن أن تصف شعور الإنسان وهو يواجه خطر النيران أو أن يمر قرب بؤرة من بؤرها ولو كانت بعيدة عنه بمئات الأمتار، خصوصا في الغابات، فالهلع والخوف الكبيرين من منظر اللهيب المشتعل والدخان المتصاعد إلى عنان السماء يسيطران على كل الحواس، وصوت احتراق أشجار الغابة الوديعة يدمي الفؤاد، والرماد المتساقط فوق السيارات المتوقفة على جنبات الطرق، يشعر أصحابها بالعجز، فلا شيء يستطيعونه سوى الدعاء باللطف وأن يخفف الله ما نزل، غير أن شيئا من الاطمئنان يعود تدريجيا ليجد مكانه في النفوس عندما يقف على مدى التعبئة والاستعداد لمواجهة مثل هذه الكوارث، فعناصر المياه والغابات والوقاية المدنية والقوات المسلّحة الملكية والقوات الجوية الملكية والدرك الملكي والقوات المساعدة والسلطات المحلية معززين بشاحنات الإطفاء وسيارات التدخل السريع، تكون دائما في الموعد، كما تتم الاستعانة خلال عمليات إطفاء الحرائق بطائرات “كنادير” تابعة للقوات الجوية الملكية وطائرات من نوع “توربو تراش” تابعة للدرك الملكي. ولرصد الحرائق وتتبع بؤرها، وبالتالي تحديد أولويات التدخلات الجوية والبرية بعد دراسة وتحليل الصور تحت الحمراء تتم الاستعانة بطائرات “الدرون” التابعة للوكالة الوطنية للمياه والغابات. كما تنصب الجهود الميدانية لفرق التدخل في البداية على تأمين سلامة الدواوير المجاورة للحرائق والحفاظ على ممتلكات الساكنة، وإن اقتضى الأمر إخلاء الدواوير المهددة بخطر الحريق الذي قد يستمر عدة أيام ولكن التعبئة الكبيرة لمواجهته لا تهدأ حتى القضاء على آخر بؤرة.
الخطر المحدق يتربص بالأشجار والغطاء النباتي وبحيوانات الغابة لكن فرق مكافحة حرائق الغابات التابعة لعدة قطاعات ومؤسسات، تواصل وفق استراتيجية مضبوطة، ضمان فعالية التدخل الجوي والبري رغم ارتفاع درجات الحرارة ووعورة التضاريس وهبوب الرياح، ويتم تنفيذ، بشراكة مع عدة متدخلين، برنامج عمل لمحاربة والوقاية من حرائق الغابات، والذي يرتكز على ثلاثة مكونات، أولا، الوقاية عن طريق تحسيس المواطنين عبر بث وصلات تحسيسيّة بالقنوات التلفزيّة وإعلانات بالمذياع وكذلك عبر تنظيم لقاءات بالدواوير والأسواق قصد الإرشاد، التدخل لدى وزارة النقل، والمكتب الوطني للسكك الحديديّة، والمكتب الوطني للكهرباء، من أجل ترميم واقتلاع الأشجار المحاذيّة للطرقات والمسالك السككيّة وخطوط التيارات الكهربائيّة العالية التوتر التي تمر وسط الغابات، إطلاق عمليات الحراجة وترميم الأغراس، ملاءمة وتعزيز وسائل التواصل مع المواطنين والتحسيس بمخاطر حرائق الغابات، تدعيم البنى التحتيّة وتجهيزات الوسط الغابوي كمسالك الولوج، ونقاط المياه، والطرق الغابويّة، وخنادق جدران النار.
ثانيا، الكشف والإنذار بتعزيز حراسة الغابات المتواجدة في المناطق الأكثر عرضة للحرائق من خلال إنشاء مراصد ثابتة ومتنقّلة للمراقبة (نقاط مراقبة، دوريات، وحرّاس)، تدعيم شبكة المواصلات من أجل تحسين التبليغ عن الإنذار والتنسيق بين مختلف المتدخلينGSM.
إعداد النسخ الأولى من الخرائط الخاصّة بمخاطر حرائق الغابات على مستوى المديريات الجهويّة (الريف، والشمال الشرقي، والشمال الغربي) الأكثر عرضة لهذه الآفة، إعداد النسخ الأولى من الخرائط الخاصّة بمخاطر حرائق الغابات على مستوى المديريات الجهوية (الريف، والشمال الشرقي، والشمال الغربي)​ .
ثالثا، المحاربة عن طريق تزويد وحدات التدخّل بالمعدات الأساسيّة لمكافحة الحرائق، اقتناء مواد الحد من سرعة انتشار الحرائق بالنسبة للمحاربة الجويّة، المساهمة في تجهيز المطارات والقواعد الجويّة الاستراتيجيّة (طنجة، الناظور، القنيطرة، فاس سايس، وتازة) بالبنى التحتيّة والتجهيزات الأساسيّة (المنصات، حظيرة الطائرات، خراطيم إطفاء الحرائق، معدات ضخ المياه…)
تجهيز الوحدات الغابوية بآليات التدخل الأولي.
المساهمة في تغطية نفقات ساعات تحليق طائرات الدرك الملكي من نوع Turbo Trush.
لكن أكبر مكسب يسجل في هذا الإطار اقتناء بلادنا لطائرات الكنادير الضخمة الكندية الصنع، السفينة الطائرة ذات الميزات العديدة والمتعددة، والتي تستطيع التحليق على علو منخفض بفضل محركها القوي، والمناورة غير بعيد من المناطق ذات التضاريس الوعرة وصعبة الوصول بالنسبة للفرق الأرضية، في جوفها تستقر، بفضل توفرها على خزانين تصل سعة كل واحد منهما 3000لتر، حمولة مياه كبيرة قد تصل إلى ما يقارب 6137 لترا من المياه التي تنقلها من أي بحيرة مياه لا يتجاوز عمقها مترا و40 سنتيمترا في ظرف قياسي لا يتجاوز 12 ثانية.
تذكرت هذه المعلومات عن الطائرة السفينة خلال محاولة سائق الطاكسي تهويل خبراشتعال النار وتطويقها لمدينة ايفران مع إضافة الكثير من البهارات على كلماته حتى تكتسب المزيد من الصدق والإقناع، ثم إنذارنا بأنه لن يوصلنا إلى وجهتنا خوفا علينا من المخاطر المتربصة بنا .
انقلب الجو داخل السيارة، وخيم التجهم والقلق على وجوه الركاب الذين لم يكونوا سوى أسرة مكونة من أب وأم وطفلهما الصغير وأنا وابنة أختي لينة، مرافقتي في هذه الرحلة الاستجمامية التي يريد هذا السائق ألا تكتمل. حملت الهاتف واتصلت بإحدى معارفي بايفران، ضحكت ساخرة عندما سألتها عن صحة الخبر، قالت وصدى ضحكتها يرن في أذني “اش من عافية ..ايفران عادية، العافية راها بعيدة في نواحي بنصميم وراهم كيطفيوا فيها بالطيارات”.
السائق الذي كان يهم بإلقائنا كأكياس بطاطا على مشارف ازرو اضطر تحت إلحاحي وتصميمي إلى مواصلة السير، كان كلما صادف سيارة قادمة من الاتجاه المعاكس يقول “شوفو الناس جييين هربانين”، إمعانا في بث الرعب بيننا وكأننا نعيش فيلما هيتشكوكيا، بعد بضع كيلومترات قليلة وفي الطريق الرابطة بين إيفران وأزرو ستعود مشاهد النيران وألسنة اللهب لتؤثث المنظر، وستستقبل صدورنا كميات كبيرة من الأدخنة التي شكلت غيمة سوداء عملاقة في السماء، السيارات متوقفة على جنبات الطرقات والركاب يتابعون بأعينهم منظر سيارات الإطفاء التي تظهر بعيدة في الأفق ويصلنا صوت منبهاتها تسارع الزمن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ثم تظهر في الأفق طائرات صفراء تلمع تحت أشعة الشمس، وتقوم بإلقاء حمولتها من المياه على بؤر النار ليتصاعد دخان أبيض عوض الأسود الكالح، وهو ما يعطي الأمل بأن النار بدأت ترفع الراية البيضاء مستسلمة ومنهزمة في معركتها أمام الكنادير، تلك الطائرة الوحش التي شاركت وتشارك بكل فعالية في إخماد الحرائق التي تندلع مع بداية كل صيف، وما حرائق شفشاون والعرائش التي اندلعت الصيف الماضي إلا خير دليل على مدى فعاليتها وأهميتها في وقت إصبحت الحرائق الغابوية الصيفية معطى عاديا تتجند لمواجهته الدول بعتادها وطائراتها ومواردها البشرية مثلما تستعد لخوض المعارك والحروب…
هذه الناقلات العملاقة النادرة، والتي لا يتجاوز عددها حول العالم 95 طائرة تقريبا، يعتبر المغرب البلد العربي والإفريقي الوحيد الذي يمتلكها ويستعملها لحماية المساحات الشاسعة من ثروته الغابوية، إلى جانب كل من إسبانيا إيطاليا، تركيا، تايلند، فرنسا، كندا، الولايات المتحدة، كوريا الجنوبية، كرواتيا واليونان …
أول نوع من طائرات الكنادير LE CANADAIR CL215 قامت بأولى طلعاتها الجوية في سنة 1967 وسلمت سنة 1969 ، هذه الطائرات تم تطويرها للاستجابة للحاجيات المتزايدة لمحاربة حرائق الغابات، وهي توفر قدرة فريدة على إلقاء المياه فوق المناطق التي مستها النيران… أما بالنسبة ل415 LE CANADAIR CL – فهي نسخة متطورة من النموذج الأول للكنادير، وقد دخلت الخدمة في سنة 1993، هذا النموذج أدخلت عليه تحسينات كبيرة من حيث القدرة على إطلاق المياه والأداء المتميز، وهو ما مكنها من أن تصبح أداة فعالة لمحاربة الحرائق الكبيرة التي تجتاح الغابات..
مع مرور السنوات أصبحت طائرات الكنادير عنصرا مهما ولا محيد عنه في تدبير استراتيجيات محاربة حرائق الغابات في كثير من بلدان العالم ومن بينها بلادنا التي حرصت على اقتنائها في إطار سياسة استباقية ورؤية متبصرة لأعلى سلطة في البلاد حرصا منها على التسلح بتقنيات متطورة وناجعة للمحافظة على المساحات الشاسعة من غابات المغرب، الذي يتميز بفضل موقعه الجغرافي بين البحر الأبيض المتوسط شمالا والمحيط الأطلسي غربا والصحراء جنوبا، وبفضل أهمية السلاسل الجبلية التي يتجاوز ارتفاع بعضها أربعة آلاف متر، بتنوع إيكولوجي- بيولوجي كبير، وبتشكيلة من الأوساط الطبيعية المختلفة على درجة عالية من الأهمية.
ومن أجل التوفر على معرفة كاملة ومتجانسة عن حالة المِلك الغابوي، مَكَّن الجرد الغابوي الوطني الأول، حسب الموقع الرسمي للمندوبية السامية للمياه والغابات، الذي أنجز بين 1990-2005، من التوفر على قاعدة للمعطيات الخرائطية والرقمية المهمة والموثوق بها، تتعلق بالتوزيع الجغرافي، نوعية الغطاء النباتي ومعرفة الحالة العامة للموارد الغابوية.
على مستوى استخدام الأراضي ووضعها العقاري، تعتبر التشكيلات الغابوية والحَلفائية في غالبيتها مِلكا للدولة وتمتد على مساحة تبلغ حوالي9619090 هكتارا، أي ما يعادل نسبة13,91 % من التراب الوطني.
تتكون النباتات الغابوية، التي تقع في الغالب في أوساط مناخية شبه جافة وشبه رطبة ورطبة، من أنواع وبنيات جد متنوعة، ويظل توزيعها الجغرافي مرتبطا بالأوساط المناخية البيولوجية والطوبوغرافيا وبالنشاط الإنساني.
تغطي التشكيلات الغابوية المُشجَّرة مساحة 6212056 هكتارا، تتكون 71% منها من أنواع وريقة (البلوط الأخضر، البلوط الفليني، شجر الأرگان، السنْط الصحراوي)، و18% منها من أنواع صمغية (الأرز، العرعر البربري، العرعر، الصنوبر، سرو الأطلس، الشوح). وتشْغَل باقي المساحة، أي 11% منها، تشكيلات منخفضة (matorrals وأنواع ثانوية) تنتج في غالب الأحيان عن تدهور الغابات.
تبلغ النسبة المتوسطة لتشجير غابات البلد 8.98، %وهي نسبة تقل عن النسبة المُثلى (15 إلى 20%) الضرورية للتوازن الإيكولوجي والبيئي.
بالمغرب وخلال 50 سنة (من 1960 إلى 2009) تمّ تسجيل 129112 حريقا أتلف ما يناهز 142.292 هكتارا من الغابات، أي ما يعادل 2986 هكتارا خلال كل سنة. وقد سجّلت أعلى نسبة سنة 1983 (11.289 هكتار) وأدنى نسبة 1983 (503 هكتار). تشكّل هذه المساحة ما معدّله سنويا % 0.05 من مجموع المساحة المشجّرة داخل البلاد.​
يهدف المخطّط الرئيسي لمحاربة والوقاية من حرائق الغابات إلى اتخاذ إجراءات متناسقة وفعّالة من أجل السيطرة على هذه الآفة وذلك عبر:
* إعداد آليات الاستشعار تسمح بتقييم درجة الخطورة وتسمح أيضا باستباق إمكانية حدوث الحرائق من خلال التدابير الوقائيّة والردعيّة المناسبة.
* تحسين والارتقاء بنجاعة تجهيزات ووسائل التدخل.
* تعزيز القدرات التقنيّة للطاقم المكلّف بحماية الغابات من الحرائق.
* ملاءمة وتعزيز أدوات التواصل وتحسيس المواطنين بمخاطر حرائق الغابات وبتدابير الوقاية منها.
بالنسبة لطائرات الكنادير جوهرة التقنيات التي تستعمل بنجاعة لمكافحة نيران الغابات فإن قدرتها على حمل كميات هائلة من المياه جعل منها العدو الأول للنار والورقة الرابحة التي لا يمكنها خذلان العناصر التي تقوم بعملها في الميدان في تكامل تام مع هذه الطائرة البطلة مساهمة في ذلك في إنقاذ الأرواح والممتلكات، والحفاظ على الغطاء الغابوي والتوازن البيئي الثمين المهدد بالحرائق المدمرة خصوصا في فصل الصيف وإبان مواسم الجفاف، ثمن كنادير واحدة قد يصل 37 مليون دولار أمريكي، لكن هذا الثمن الباهظ لا يقارن بما تقدمه من خدمات كبيرة لإطفاء الحرائق بشكل سريع وفعال وإنقاذ الأرواح والأشجار والحيوانات، أما بالنسبة لطريقة عملها فيتم استخدامها في الهجوم الأولي للحريق حتى يصبح هذا الأخير “تحت السيطرة”، بعد ذلك، فإن فرق الإطفاء الأرضية هي المسؤولة عن إخماد الحريق وآخر النقاط الساخنة فيه، عند اندلاع الحرائق في الغابات فإن هده الطائرات تعطي مناطق شاسعة وتتطلب أن تكون هناك مسطحات مائية متاحة لها حتى تستطيع التوفر على الموارد المائية لمحاصرة الحريق، نفس الأهداف لن تحققها العمليات البرية لأن بغير الاعتماد على هذه الطائرات العملاقة سيضيع الكثير من الجهد دون التوصل إلى السيطرة على الحرائق في الوقت المناسب ، فهي تسمح بشن هجوم قوي وسريع لخفض ألسنة اللهب وتقليل شدتها ووقف تقدم الحريق حتى تتمكن طائرات الهليكوبتر والأطقم الأرضية من السيطرة بأمان من الأرض.
باختصار، هذه الطائرات تطوق الحريق، ولكنها بحاجة إلى العمليات البرية التي يقوم بها رجال الإطفاء للقضاء نهائيا على كل بؤر النار.
طائرات الكنادير هي عبارة عن طائرات اطفاء عسكرية ومدنية تنتجها شركة bombardier recreational products aircraft canada ، وهي حليف رئيسي في مكافحة الحرائق، خاصة في أصعب مناطق الوصول، يسمح Canadair، في بضع ثوان، بصب ما يصل إلى 6137 لترًا من الماء، ممزوجًا بسائل الإطفاء، مباشرة على بؤرة حريق معلن.
تحت سياط الضربات المتتالية لطائرات الكنادير، والعمل المتواصل والدؤوب للفرق العاملة على الأرض، بدأت النيران في عصر ذلك اليوم القائض بالانحسار، وتمت محاصرة البؤر التي كانت تقترب شيئا فشيئا من أحد الفنادق الكبرى التي تم إخلاؤها من مرتاديها، لتعود الطمأنينة إلى نفوس المتجمهرين.
بعد مدة ليست طويلة كانت سيارتنا تدخل إيفران الجميلة الهادئة، لم أجد أثرا للخوف في الوجوه، الكل يمضي لقضاء مشاغله في اطمئنان، بالرغم من أصوات سيارات الأطفاء التي كانت لا تهدأ طوال النهار والليل مسابقة الزمن لمحاصرة نار اشتعلت على مشارف المدينة أو إنقاذ شجرة من لهيب مفاجئ انقض عليها دون سابق انذار .
قد تكون النار قدرا محتوما، وقد يطال لهيبها الحارق الأشجار والدواب والإنسان، قد تخلف هذه الكوارث الخسائر في الأرواح وفي المال وفي المتاع، لكن بلدنا لم يركن في مواجهتها إلى دور الملاحظ العاجز، بل ضبط عقارب الساعة، بكل جدية، ليكون في الموعد، سلاحه في ذلك كل الوسائل الضرورية والتقنيات المتطورة والناجعة، ودافعه الحفاظ على الثروات الغابوية وحماية الأرواح والممتلكات…والوطن..

 

 


الكاتب : خديجة مشتري

  

بتاريخ : 08/08/2023