اللسانيات والتنمية

مساهمات في تطوير المجال والمجتمع

 

نظمت كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، بالرباط، ومؤسسة فكر للتنمية والثقافة والعلوم وبشراكة مع جمعية جهات المغرب، وبتعاون مع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل، أيام (23-21 يونيو 2022) ندوة دولية في موضوع: اللسانيات والتنمية: مساهمات في تطوير المجال والمجتمع.
وقد انطلق نقاش أرضية الندوة من منطلق علمي أساسه أن اللسانيات هي تلك الدراسة العلمية للغة، وأن اللغة هي أحد العناصر الأساس التي تعمل على الحفاظ على وحدة المجتمع وتماسكه باعتبارها أداة رابطة بين الأجيال، وحاملا لعادات المجتمع وثقافته، ولذلك فإن ربط جسور التواصل اللغوي داخل المجتمع يعد مدخلا أساسا لكل أشكال التواصل والتفاعل الأخرى، وتزداد الحاجة إلى هذا التواصل اليوم أكثر من أي وقت مضى، لتوثيق عرى هذا التواصل في ظل عصر عولمي يفرض وثاقة البنى الاجتماعية، نظرا إلى الانفتاح والانكشاف المفرط على الثقافات واللغات الذي هدم كل الحدود.
ومن هنا تشكل اللسانيات رافعة حقيقية للتنمية، وأداء المشاريع الإنمائية الكبيرة أو الصغيرة، لأن نجاح تلك المشاريع أو فشلها يرتبط باللغة، ولا نستغرب إن وجدنا اليوم من يتحدث في المستقبل عن تخصص لساني جديد إسمه اللسانيات التنموي، وهو مجال تخصصي سيمكن من مد جسور للتواصل والحوار مع كل المتدخلين في الشأن التنموي: المدرس والسياسي وللمهندس والطبيب وعالم البيئة والاقتصادي والفلاح،… وسيسهم هذا الحوار في إجادة التواصل البيني محليا وخارجيا.…
وتأتي هذه الندوة العلمية لتعكس ضرورة مد جسور وأواصر تعاون وتواصل منتظمين بين الجامعة وهيئات المجتمع في مختلف الأنشطة الفكرية والتربوية، خاصة منها تلك التي تشكل رافعة الارتقاء بتنمية الموارد البشرية والزج بها في المجهودات المبذولة التي ترمي الى تيسير الانخراط في مجتمع المعرفة، وتسهم في ترسيخ تقليد الانفتاح على مختلف شرائح مجتمعنا وفعاليته، والتعهد بتيسير الانخراط في إنتاج الأفكار التي تدمج البلاد بسلاسة في مسار التقدم والنمو والازدهار.
ويمكن اعتبار موضوع هذه المبادرة العلمية النوعية والتي حضرها نخبة متميزة من الباحثين في مجال اللسانيات بكل تفرعاتها، موضوعا حساسا وذا راهنية خاصة أنه يتناول الأداة التي من خلالها نرى العالم ونصوغه، ويعالج المنظومة التي من خلالها تتيح للمنظومات الأخرى الاجتماعية والسياسية والفكرية والإبداعية أن ترى النور، وأن تتطور وأن تنظم شؤون حياتها وآمالها وأحلامها.
وقد شارك في هذه الندوة نخبة من الباحثين: المغرب، وتونس، والجزائر، ومصر، والسعودية، والإمارات، والأردن، وسوريا، وسلطنة عمان، والكويت، وقطر، واليمن، والسنغال،… وحضرها نخبة من الباحثين والسياسيين والجمعويين، استمعوا من بدايتها الى نهايتها لمداخلات و عروض ما يقارب 68 مداخلة توزعت على جلستي الافتتاح والاختتام وثمان محاور همت أغلب قضايا اللسانيات ومحاورها ، وقد كانت الندوة مناسبة للاستماع لعروض أغلب مؤسسي و مطوري الفكر اللغوي و اللساني المعاصرين نذكر منهم الدكتور مولاي أحمد العلوي و الدكتور أحمد المتوكل والدكتور مصطفى غلفان و الدكتور محمد غاليم والدكتور أحمد شحلان، كما تميزت ببروز طاقات لسانية شابة واعدة بقدرات متميزة في الرصد والتحليل، وبذلك يكون هؤلاء الطلاب مدافعين عن الإرث اللغوي وقادرين على تطويره لما فيه خير لمستقبل الدراسات اللغوية.
هذا وقد حظيت الندوة بتغطية إعلامية واسعة وطنيا ودوليًا، وقد عرفت جلسات هذه الندوة الدولية على مدى يومين، نقاشا علميا عميقا بين الحاضرين أسفر عن مجموعة من التوصيات التي خرج بها المنظمون نذكر منها:
– دعوة الحكومة للإسراع بتفعيل المجلس الوطني للغات والثقافة .
– دعوة الحكومة إلى التعجيل بإقرار سياسة لغوية ناجعة من الأولي إلى العالي تحترم مقتضيات الدستور، لغةً وانفتاحًا وتطويرًا للمهارات والقدرات، انسجاما مع التطورات السريعة التي يعرفها العالم .
– دعوة الجامعات المغربية لإنشاء كرسي المخطوطات .
– توجيه نداء لقطاعات منظومة التربية والتكوين لمراجعة عمليات تدريس القواعد النحوية في مستويات التدريس الأولي والابتدائي والاعدادي والثانوي والعالي .
– التأكيد على ضرورة اعتماد التفكير النقدي كمقاربة بيداغوجية وفلسفية في تنمية ملكة فهم عمق الأشياء وليس الاكتفاء بنقلها فقط.
– الحرص على تنظيم المؤتمر دوريا تساهم في إعداده، وتنظيمه جامعات من داخل المغرب وخارجه.
– ضرورة إيجاد استراتيجيات محكمة وفاعلة لتخطيط لغوي في منظومة التربية والتكوين بكل مستوياتها؛ مع المراجعة الدورية لعمليات تدريس القواعد النحوية في مستويات التدريس المختلفة، والعمل على تعديل المناهج وتطويرها وفق المشكلات المؤثرة في فهم هذه القواعد وتلقيها حتى يتم معالجة الضعف اللغوي لدى التلاميذ والطلاب .
– ضرورة استثمار التقنية بصورة أوسع لخدمة اللغة العربية من خلال عمل التطبيقات المختلفة التي تخدم المتعلمين في مستويات التعليم المختلفة؛ لتكون رافدًا يرجعون إليه ويقوّي ملكاتهم اللغوية .
– التأكيد على أهمية الانفتاح على اللغات في منظومتنا التربوية حتى يتمكن طلابنا من اقتصاد المعرفة .
– الدعوة لإنشاء الأكاديمية العربية للغات و الثقافة .


الكاتب : إيمان الرازي

  

بتاريخ : 07/07/2022