يعيش المخرج الفلسطيني خليل المزين مغتربا عن وطنه، بقصد إيجاد المساحة الممكنة لإنجاح مشروعه الإخراجي.
المزين الذي يمضي في العقد الخامس من عمره، لديه عقلية إخراجية، بأسلوب خاص، مكنت أعماله من المشاركة في محافل عالمية كمهرجان كان، حيث تواجد فيلم «سارة»، وللمزين أفلام أخرى هي: غزة 36 مليمتر، كوندوم ليد، العابرون على جلد غزة.
وكان هذا الحوار مع المخرج الفلسطيني:
n بعد هذه الرحلة الطويلة مع الإخراج، هل هناك سينما فلسطينية فعليًا؟ في ظل الأزمات المتوالية اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا؟
pp حقيقة لا يمكن الحديث عن تواجد صرح سينمائي من الممكن البناء عليه، وهو ما لا يمكن أيضًا تجاهله؛ لخلق حالة سينمائية فلسطينية يعتد بها. في فلسطين لا يوجد معاهد سينمائية، أو أكاديميات، وبالتالي تفتقر إلى حالات سينمائية مكتمل تركيبها. كان هنالك في قطاع غزة 10 دور عرض للسينما في القرن الماضي، لقد تم إحراقها جميعًا. وقد كان آخرها سينما النصر، أحرقت في العام 1994. لذلك من غير المعقول الحديث عن مجال سينمائي فلسطيني مفعّل، مع تواجد كل هذه الحواجز تجاه الفن، إن هي إلا محاولات غير مؤسسة، تعتمد على اجتهادات من الأشخاص، كثيرًا ما تسقط في بئر، قبل أن تصل.
n كيف يمكنك تقييم رحلتك الإخراجية؟ وكيف كانت البداية مع الإخراج السينيمائي؟ وكذلك إسقاطات الغربة عليك؟
pp يبقى الفنان أو المخرج كلاهما في طور التجريب، وهي محطات متوالية حتى يكتشف كل شخص الأسلوب الفني الخاص «ستايل». لقد كنت مولعًا بحب السينما منذ طفولتي، لا أخفي عليك كنت أهرب من دراستي لأذهب للسينما. كانت حياتي ترتكز حول تذكرة سينما. الأكثر بأنني كنت أجمع المسامير و(الرابش) من الورشات المهنية، لأبيعها بقصد الحصول على تلك التذكرة.
وقد زاد ولعي في شبابي، ولم أستطع تخيل الطريق دون جنوني بالفن. فعلًا ها قد حصلت على شهادة الإخراج السينمائي من سانتسبورغ في روسيا. ومسبقًا قد حصلت على شهادة علم النفس التطوري من جامعة بيرزيت في فلسطين. وعن الغربة، هي شعور يتسلط على الفنان في حال وجد أن فنه لا يثمر في بيئته، الفن غريب في غزة، على الرغم من تواجد من يتوقون إليه، بعد السفر صار أمر الاحتكاك أفضل، وإمكانية الاستمرار صارت ممكنة، وهو ما يهم الفنان.
n حكاية الإنسان السردية هي هويته، في اعتقادك كيف للصورة السينمائية أن تحافظ على هوية شعب محتل؟
pp في اعتقادي، السينما من المستحيل أن تطعم جائعًا، ولكنها تحرّضه. فما تقدمه السينما للشعوب، مسرحة المعرفة التي لا قيمة للإنسان من دونها. وإن الوعي يثمر بقدر قيمة الخطاب المقدم له. لكن من المستبعد أن تحل السينما مكان المقاتل أو السياسي، هي أدوات تكمل بعضها لأي شعب في نضاله لنيل حريته. السينما كقوة جمالية لا تقل فتكًا عن الرصاص، لكن ذلك يحدث ببطء، ووفق استراتيجية تمضي على مراحل. وما يمكن للسينما أن توفره للشعوب، هو الإضاءة على فكرة ما تخص شعبًا ما، ومن هنا تبدأ رحلة اللعب مع القناعات، واللعب عليها.
n بعد تأسيسك لمهرجان «السجادة الحمراء» لسنوات طويلة، ما تطورات رسالة المهرجان منذ نسخته الأولى؟ وهل حقق كمهرجان ما كنت ترجوه أنت وفريق عملك؟
pp فكرة «السجادة الحمراء» كانت بمثابة منطقة شغف، أطمح في الوقوف عليها. بعد حرب غزة 2014، فردت سجادة حمراء فوق ركام حي الشجاعة المباد بكامله، وقررت أن هذا الموسم الأول لمهرجان السجادة الحمراء في فلسطين قد صار فعلًا وعرضت الأفلام في العراء، لأن الدمار كان أكبر من أن يتم تجاهله والدخول لقاعة تقليدية بهدف مشاهدة فيلم، لربما مشهد العراء فاقه سينمائيًا. نعم، شاهد الناس السينما وسط الركام، ثمرة لافتة في صحراء. وكان من المؤكد أن تتكرر التجربة، وصار أن استطعنا الحصول في كل موسم على أفلام أكثر جودة، وأكثر قيمة ثقافية، كان جميعها يدافع عن الحق الإنساني في العيش. السجادة الحمراء شكلت تظاهرة فنية وصلت لمطارح غير متوقعة في العالم، لقد كانت نافذة بين غزة المحاصرة والعالم المنشغل.
n من الملاحظ ظهور العديد من الأقلام الروائية في فلسطين في العقد الأخير، هل لا تزال السينما كأداة تقنية غريبة كل هذه الغربة عن المنتج الأدبي الفلسطيني؟
pp أظن أن عملية تحويل رواية لسيناريو متقن هي المعضلة، السيناريو يجب أن يكون بحجم وقيمة الرواية الفنية، وما هذه المهمة بسهلة، لأنها تتطلب معرفة برؤية شمولية لعقلية الروائي وثقافته، والمقصد من طرح الفكرة في سياقها الخاص. كما أن الأمر يحتاج لتبنٍ رسمي مؤسساتي ليتم إنجاز طرح كهذا، وهو أمر صعب في ظل الظروف الفلسطينية على الأرض.
n هل هو عصر التقنية سينيمائيًا، وهل هذا يهدد صلابة المحتوى؟
pp هو عصر السرعة، ولا رغبة للإنسان في التكرار، بل في المزيد من التجريب، هذه صنعة التكنولوجيا. وعلى صعيد الفن لقد أضافت أدوات المونتاج للكيف في آلية العرض السينمائي للمحتوى. من المؤكد أنه لا بد من تواجد محتوى قوي، بسيناريو رصين، ليكون هناك سينما.
n في اعتقادك، هل هنالك أثر يمكن أن تضيفه المهرجانات والمسابقات السينمائية للمحتوى السينيمائي؟ أم أن الجائزة تصب في العائد المادي لا أكثر؟
pp المهرجان السينمائي هو سوق فني ضخم، فمهرجان مثل «كان» يجتمع فيه كبار الفنانين في العالم، والمخرجين، المنتجين، والشركات الاستثمارية في الفن، ولكل منهم هدفه الخاص. وبشكل فعلي تتم عملية البيع والشراء كتجارة فنية، وهو أمر ضروري لصناعة السينما.
n ما هي أهم صفات كاتب السيناريو الذي تبحث عنه السينما؟
لا أهمية لصفات السيناريست، بقدر صفات السيناريو، والذي يمتلك القصة المكتملة، بما فيها من عناصر التشويق، الحبكة، والغموض إن تطلب. والسؤال: لمن تكتب السيناريو؟ مهم جدًا معرفة نوع الجمهور، حتى تعرف الطريق جيدًا وأنت تقرأ، لا أن تتوه في إبهامه.
n إلى أي المعطيات تخضع فكرة «رمزية الاتجاهات» في التصوير السينمائي؟
pp رمزية الاتجاهات هي بمثابة حواس الإنسان ملقاة على الكاميرات. هي فكرة الإحساس بالمشهد من جانب المخرج، الحاجة لإخفاء شيء ما أو إظهاره، بقصد زيادة تأثيره الدرامي. الميل لخلق حالة توتر في لحظة ما، اللعب بأصابع الضوء على الأشياء، هو أمر حيوي لإكمال هوية المشهد فالحزن له إضاءة، والكوميديا لها ضوء، وهي ليست بثوابت، بل تخضع لحالة المشهد النفسية، ووفقًا للأسلوب الإخراجي.