فجر المخرج السينمائي عبد الكريم الدرقاوي قنبلة من العيار الثقيل خلال ندوة مهرجان أيام التواصل السينمائي بفاس 20دجنبر الجاري،وهو يتحدث عن حالة أخيه الشقيق المخرج السينمائي مصطفى الدرقاوي حين قال “ أن وضعه الاجتماعي ليس ترفا كما يتصور البعض. فهوما يزال يؤديواجب كراء شهري لشقته بالبيضاء حتى اليوم.”
أن يعيش مخرج سينمائي بحجم مصطفى الدرقاوي اليوم في بيت مكترى بمدينة الدار البيضاء، يؤدي واجب الكراء شهريامثل أي مواطن بسيط، لا يقلل من قامته، بل يكشف مفارقة مؤلمة. كيف يمكن لمبدع أسس جزء من الوعي السينمائي الوطني أن يظل خارج منظومة الاعتراف المادي والرمزي؟ ومع ذلك، فإن هذه الوضعية لا تُقرأ كعلامة ضعف، بل كدليل إضافي على نزاهته الداخلية وعلى اختياره الدائم للحرية الفنية، حتى حين كانت كلفتها شخصية وقاسية.
يقول مصطفى الحسناوي معلقا على هامش الخبر “لكن الكثير من الذين آقترفوا الإخراج وسقطوا عليه بالمظلات صاروا اغنياء بأموال الدعم .يسكنون الفيلات والشقق الفاخرة يكفي المخرج العظيم سي مصطفى الدرقاوي انه هو من ابدع فيلما ايقونة ،فيلما تأسيسيا هو “احداث بدون دلالة “إبان سنوات الرصاص في عقد السبعينيات الخطير ليتم مباشرة منع الفيلم ،أما الباقي من سينمائيينيتهافتون على المهرجانات واموال الدعم من المال العام فلا أهمية لهم”
أكثر من ثلاثة عشر فيلماتحمل توقيع مصطفى الدرقاوي تشهد على غزارة إنتاج نادرة، وعلى وفاء استثنائي للسينما بوصفها موقفا أخلاقيا قبل أن تكون مهنة أو صناعة. أفلامه لم تكن ترفا بصريا ولا استهلاكا عابرا، بل محاولات جادة لطرح أسئلة المجتمع، والإنسان، والسلطة، والذاكرة بلغة سينمائية جريئة، سبقت أحيانا زمنها، لكنها دفعت فاتورة هذا السبق في التهميش والتجاهل.
في مسار السينما المغربية، تبرز أسماء لا تُقاس فقط بعدد الأفلام أو طول التجربة، بل بعمق الأثر وصدق الرؤية. مصطفى الدرقاوي واحد من هؤلاء. أربعون سنة من الإبداع السينمائي ليست مجرد رقم زمني بل سيرة نضال فني طويل، شُيّدت فيه الأفلام حجرا حجرا، في سياق لم يكن دائما منصفا ولا مُيسرا، لكنه كان دائما محفزا على المقاومة بالجمال والصورة والفكرة.
من الناحية النفسية، يمثل الدرقاوي نموذجا للمبدع الصامد، الذي لم تسممه المرارة، ولم تُطفئ خيباته جذوة الشغف. الاستمرار في الإبداع رغم التقدم في العمر وضيق الإمكانيات، هو في حد ذاته فعل مقاومة نفسية، وإعلان غير مباشر بأن القيمة الحقيقية للفنان لا تُختزل في الامتيازات بل في القدرة على الاستمرار، وعلى الإيمان بأن ما أنجزه لم يذهب سدى.
الدعم النفسي لهذه الشخصية المتميزة لا يكون بالشفقة، ونحن هنا لا نتشفى ولا نمارس النكاية، بل بالإنصات والاعتراف بإعادة قراءة تجربة هذا الرجل الفذ داخل المعاهد والجامعات المغربية وبجعل أفلامه مادة للنقاش والتحليل في بلاتوهات السينما، وبفتح الأرشيف الدرقاوي كاملا أمام الأجيال الجديدة لاكتشاف سينما مغربية مختلفة جريئة ومؤسسة. كما أن الاعتراف المؤسسيولو جاء متأخرا، يظل ضروريا لترميم الجرح الرمزي الذي يصيب المبدعين حين يشعرون بأن الوطن نسيهم.
سي عبد الكريم إن مصطفى الدرقاوي بالنسبة لنا ليسمخرجا يعيش في بيت مكترىفحسب، بل ذاكرة سينمائية حيّة، ورأسمال ثقافي لا يُقدر بثمن. هو في العمق دعم لفكرة أن الإبداع في هذا البلد لا يجب أن يكون فعلاانتحاريا وأن الوفاء للفن يستحق، في النهاية شيئامن الوفاء من الوطن نفسه.
حتما هناك من لا يعرف المخرج السينمائي المغربي مصطفى الدرقاوي.لهؤلاء نقدم هذه الورقة التعريفية:من مواليد 1944 بوجدة شرق المغرب.حصل على شهادة البكالوريا في الفلسفة وتابع دراسته بالمعهد العالي للفن المسرحي بالدار البيضاء، قبل أن يلتحق في عام 1965 بالمدرسة الوطنية العليا للسينما والمسرح في بولونيا، التينال منها شهادة في الإخراج السينمائي. التحق مصطفىالدرقاوي في سنة 1973 بالمركز السينمائي المغربي وبعد سنتين سيستقيل منهليؤسس مع شقيقه عبد الكريم الدرقاوي والعربي بلعكاف شركة “بسمة للإنتاج” ثم شركة “آرت 7» في سنة 1980. وفي شتنبر سنة 2000، عين رئيسا للجنة تحكيم مهرجان السينما الإفريقية بخريبكة. أخرج مصطفى الدرقاوي عددا من الأفلام نذكر منها على وجه الخصوص “أحداث بدون دلالة” (1974)، “أيام شهرزاد الجميلة” (1982)، “عنوان مؤقت “ (1984)، “الهمس الناعم للريح بعد العاصفة” (1990)، “ قصة أولى “ (1992)، “أنا (لعبة) في الماضي” (1994) “أبواب الليل السبعة” (1995)، “أسطورة آدم وحواء” (1995)، “غراميات الحاج المختار الصولدي ‹› (2001)، ‹› الدار البيضاء باي نايت ‹› (2003)، ‹› الدار البيضاء داي لايت ‹› (2004). أما بالنسبة للتلفزيون. فقد أخرج مصطفى الدرقاوي سلسلة من الأفلام التلفزيونية والمسلسلات منها “اثنان ناقص واحد” (1979) و”احتضار وردة” (1980) و”بورتريهات عائلية” (1980). ويعدّ مصطفى الدرقاوي من أكثر المخرجين المغاربة إنتاجا وتأثيرا خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين.”
وعبد الكريم الدرقاوي 80 سنة أطال الله عمره. هو الأخ الشقيق لمصطفى مواليد مارس 1945 بوجدة شرقالمغرب.هو مخرج أفلام ومصور سينمائي مغربي، يُعتبر من الآباء المؤسسين للسينما في المغرب، حيث بدأ حياته الفنية سنة 1964 مصورا في أحد الأفلام القصيرة لأخيه مصطفى الدرقاوي بعد أن تلقى تعليمه في بولونيا في إيطاليا، كما درس في عدد من المعاهد الوطنية المتخصصة في السينما. لعب عبد الكريم 37 دورا في أفلام مغربية بين سنتي 1974 و2004، من بينها (أحداث بدون دلالة، عرائس من قصب، المطرقة والسندان، حب في الدار البيضاء، رماد الزريبة، كابوس، جنة الفقراء، طيف نزار)، إضافة لعدة أدوار بأفلام أجنبية صورت في المغرب، من أهم أعماله مخرجًا فيلم الناعورة (1982) بالاشتراك مع مولاي إدريس الكتاني، وزنقة القاهرة (1998) وبوشعيب بوسعود (2008) والطريق إلى طنجة (2012).وله حضور في مجموعة مهمة من الأفلام السينمائية والتلفزيونية من أعماله:
1984 الناعورة1998-زنقة القاهرة2003-شظايا الماضي2006-انكسار2008-بوشعيب بوسعود2010-وليدات كازا.
2012رحلة إلى طنجة2015-غرام وانتقام2016:هنا طاح الريال2021-مولات السعد
أما في مجال التصوير السينمائي1974-أحداث بلا دلالة1976-رماد الزريبة1981-عرائس من قصب
1984-الناعورة1984-كابوس1990-عرس الآخرين2001- طيف نزار2002-خيوط العنكبوت
1991-يوميات حياة عادية1991-المطرقة والسندان1992-قصة أولى2000- غراميات الحاج المختار الصولدي. إضافة لعدة أدوار بأفلام أجنبية صورت في المغرب، الدرقاوي قام بتجربة الإخراج مرتين في السينما بفيلمي الناعورة بالاشتراك مع الراحل مولاي إدريس الكتاني. وفيلم زنقة القاهرة، قبل أن ينخرط في إخراج عدد من الأعمال الدرامية لفائدة القناتين المغربيتين الأولى والثانية ،مثل شظايا الماضي والطريق الصحيح فضلا عن كتابته لمسلسل درامي لصالح قناة الأولى تحت عنوان عيون غائمة»
ومصطفى الدرقاويإلى ذلك ،هو مخرج فيلم “أيام شهرزاد الجميلة” إنتاج: فن 7سيناريو:من تصوير عبد الكريم الدرقاويمونتاج: محمد مزيانتشخيص عبد الوهاب الدكالي نعيمة المشرقيوالممثلة المصرية مريم فخر الدين وفريد بلكاهية. هذا المخرج الكبير يستقر اليوم بالدارالبيضاء وقدصور جل أفلامه السينمائية الطويلة بفضاءاتها المختلفة حيث يمكن اعتبار هذه الأفلام من أولها” أحداث بدون دلالة” (1974) إلى آخرها” كازابلانكا داي لايت” (2004)، بمثابة ذاكرة حية لهذه المدينة العملاقة.” بعد العودة إلى أرض الوطن أسس رفقة شقيقه عبد الكريم وصديقهما العربي بلعكاف شركة” بسمة للإنتاج” وباشر من خلالها إخراج وإنتاج باكورة أفلامه الروائية الطويلة” أحداث بدون دلالة” سنة 1974، إلا أن السلطات المغربية آنذاك (في عهد وزير الداخلية الراحل إدريس البصري) منعت عرض هذا الفيلم بالداخل والخارج.
وتجمع العديد من المصادر أن الفيلم عرف عرضا عموميا واحدا بمهرجان باريس برئاسة هنري شابيي (Henry Chapier)سنة 1974 ، وآخر سري بمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة في دورته الأولى سنة 1977، لفائدة فريق مجلة” دفاتر السينما” الفرنسية المعروفة. ولم يرفع المنع عن هذا الفيلم إلا سنة 2001.ورغم ذلك ظل إبعاده من العرض في القاعات السينمائية وعلى شاشات التلفزيون المغربي ساريا باستثناء بعض العروض هنا وهناك ،أو بمناسبات تكريم صاحب الفيلم في تظاهرات سينمائية وثقافية مختلفة. وقد اقترحت خزانة كاتالونيا السينمائية مؤخرا ترميمه بغية الحفاظ عليه وإعداده للعرض.”
المخرج عبد الكريم الدرقاوي يفجر قنبلة بمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي ويكشف عن «مفارقة مؤلمة في السينما المغربية»
الكاتب : عزيز باكوش
بتاريخ : 25/12/2025


