ماذا يستفاد من مراسلة القنصل العام البريطاني لنظيره وزير الخارجية المغربي
ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
تتضمن المراسلة التي أمامنا عدة معطيات تاريخية مهمة تؤطرها المعاهدة المغربية البريطانية لسنة 1856 وهي المعاهدة التي فرضها بريطانيا قسرا على المغرب بسبب ما آلت إليه الأوضاع بعيد الانهزام في معركة إسلي عام 1844 وتوقيع المغرب لمعاهدة صلح مع نظيرته فرنسا تهم التجارة والتي تسببت في انكماش الاقتصاد المغربي، وانخفاض قيمة العملة المغربية، وغزو فرنسا المغرب بمنتوجاتها مما أدى إلى تضرر الحرفيين وبالتالي خزينة الدولة.
أولا، لابد من الإشارة إلى السياق التاريخي لهذه المعاهدة؛ فرغبة منها في الحفاظ على قوتها التجارية في حوض المتوسط وعلى الموقع الاستراتيجي لجبل طارق، دعمت بريطانيا جهود المغرب لإنجاح الإصلاحات التي فرضتها معركة إسلي، كما شجعت سلاطين الدولة المغربية لاتخاذ جملة من الإصلاحات التي ستعيد للمغرب هيبته من خلال إدخال إصلاحات جذرية على جهاز الجيش وإصلاح مالية الدولة. وبالمقابل سعت بريطانيا جاهدة في شخص قنصلها العام بالمغرب جون دريمند هاي اقناع المخزن بضرورة التوقيع على معاهدة تجارية – ديبلوماسية تجنبه السقوط في براتين الاستعمارين الفرنسي والاسباني.
وبالفعل فمن خلال الوثائق الملكية استطاع القنصل العام إجبار السلطان عبد الرحمان بن هشام قبول الشروط الثمانية والثلاثين لمعاهدة 1856تطبيقا للقاعدة « الدولة الأكثر تفضيلا. والجدير بالذكر أن اسبانيا وفرنسا ستحصلان على نفس امتيازات هذه المعاهدة بل إن مؤتمر مدريد لسنة 1880 أقر بنفس الامتيازات لرعايا الدول الأجنبية المقيمين بالمغرب، و بموجب هذه المعاهدات لم يعد سلطان المغرب يتحكم في التجارة البحرية لأن المغرب أصبح يطبق مبدأ التجارة الحرة التي تضرب في عمق الصميم منظومة تجار السلطان.
ومن مخاطر هذه المعاهدة :
– لم يعد المغرب يتحكم في واردات وصادرات الدول الأجنبية باستثناء بعض المواد المحضورة.
ـ تخفيض قيمة رسوم ومكوس الأبواب على الواردات بشكل موحد من 50بالمائة إلى 10بالمائة مما تسبب في نزيف حاد لمداخيل بيت مال الدولة.
– انخفاض حاد في المداخيل التي كانت تسجل في الفترة السابقة لسنة 1856.
– إغراق الأسواق المغربية بالمنتوجات الأجنبية حيث انتقلت قيمة الواردات مابين 1854و1857 من 7 ملايين إلى 24.6 مليون.
– اختلال الميزان التجاري حيث انتقل حجم الفائض من 8 مليون فرنك سنة1854إلى عجز العجز بقيمة 2,4 مليون فرنك سنة 1857 .
ـ الانتقال من رأسمالية الدولة التي تقوم على احتكار السلطان تجاره لتصدير واستيراد المواد التجارية إلى الرأسمالية الدولية القائمة على المبادئ الفردانية.
ـ الحصانة القنصلية التي منحت للرعايا الأجانب واخضاعهم للقضاء الأجنبي وبخاصة للسماسرة المحليين المتعاملين مع الأجانب، حيث أصبحت لهم أوضاعا حولتهم من فئة «تجار السلطان» و استثمرت خبرتهم ومجهوداتهم لصالح الرأسمالية الدولية من أبناك ربوية وشركات دولية.
– حسب مضامين الرسالة فلم تعد للسلطان سلطة على رعاياه المحميين من طرف الأجانب وحسب وثائق أخرى فإنهم أصبحوا يفتعلون المشاكل بل يتجرؤون على المخزن ويستفزونه لأتفه الأسباب.