ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
أمامنا وثيقة ذات أهمية تاريخية قصوى، وهي عبارة عن تقييد مطالب دولة فرنسا بما يجب أن يكون عليه مرسى الصويرة. تحمل الوثيقة رقم 3367/ وهي مؤرخة في 12 ربيع الثاني 1288/1يوليوز 1871، عبارة عن تقييد للمطالب المرغوب فيها من طرف قنصل الدولة الفرنسية الموسيو «فوصي» بثغر الصويرة. يتضمن التقييد معلومات تاريخية لشخصيات مسلمة و يهودية تدوولت في المصادر التاريخية لمغرب القرن التاسع عشر الممتد ومنها؛ التاجر الذمي قرقوز، وقاضي حاحا محمد أشالة ، وهو من أقطاب الطريقة التجانية بالصويرة، والقائد عمارة بن عبد الصادق، بالإضافة إلى القنصل الفرنسي.
إن الفوضى التي كانت تعم ميناء الصويرة، وكثرة الشكايات المرفوعة سواء إلى المخزن أو قنصليات الدول التي تربطها مع المغرب معاهدات تعود إلى فترة سيدي محمد بن عبد الله؛ اضطرت فرنسا لفرض شروطها لتنظيم الميناء، ووضع حد للفوضى وتجاوزات التجار المغاربة ومن يساندهم من ممثلي المخزن من قضاة وقواد وعمال. والجذير بالذكر أن التقييد يستمد مشروعيته من إتفاق/وفق بيكلار (Bicklard) السري الذي وقعه السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان مع دولة فرنسا بمدينة فاس سنة 1863.
فرضت فرنسا في شخص قنصلها بالصويرة ست مواد لا يجب الخروج عن منطوقها لضمان أمن التجارة بميناء الصويرة، ووضع حد للخروقات التي أصبحت تعرفها.
المادة 1: تعين رئيس للمرسى المذكور، شأنه في ذلك شأن جميع رؤساء موانى المغرب. واعتباره الشخص الوحيد المخول له التفاوض مع التجار وليس القواد أو غيرهم.
المادة 2: إصلاح الدور التجارية التي يضع فيها التجار سلعهم بما فيها دور التجار اليهود وبعض الفرنسيين، وكذا تخفيض السومة الكرائية من جانب المخزن.
المادة 3: تغريم محمد أشالة قاضي حاحا وأحوازها بما مقداره «مائتين ثنتين ريال» غرامة إطلاق سراح المدعي عليه من طرف التاجر الذمي قرقوز. وكذا تغريم القائد عمارة بن عبد الصادق ما قدره ريال سنطزم/ 531ريال و68 سنطزم. وتغريم القائد أكدير بسوس مائتين ثنتين ريال و 3ريالات وهي غرامات نتيجة نهبهم لليهودي فرنسيس. كما تم إلزامهم بأداء الصائر لفائدة القنصل الفرنسي باعتباره هو من أدى مصاريف الدعوة.
المادة 4: المطالبة بإيداع عبد الرحمان العويني العبدي السجن وأدائه الغرامة، على يد السلطان وليس على يد ممثليه المخزنيين، بسبب عدم وفائه برد الدين لصاحبه التاجر الفرنسي «بوني».
المادة 5: جعل أسرة التجار الذين بذمتهم ديون ضمانة ورهينة حتى يؤدوا ما بذمتهم وهو عرف جرت به العادة في مدينة الصويرة.
المادة 6: إعادة تعين عمال وباشوات وقواد جدد أو تنبيه الحاليين لما صدر منهم من تصرفات تسيء لفرنسا وللقنصل .
يتضح من خلال هذا التقييد مدى تماطل ممثلي دولة فرنسا على المخزن وممثليه المحليين وكيف تم تكييف نصوص المعاهدات لصالح الأجانب فيما يتعلق بالأحكام القضائية والدعاوى التي تكون بين رعايا المخزن والتجار الفرنسيين ومحمييهم من اليهود.
يتضح من خلال المراسلات اللاحقة ان المخزن المغربي واقف على إدخال بعض التعديلات على مرسى الصويرة ومنها تعيين أمناء جدد حيث أصبح يتواتر اسم العربي فرج الذي أصبح أمينا للمرسى إلى جانب عبد الرحمان بن محمد أقصبي.