اليهود المغاربة ضمن السياق العام لحكم مولاي الحسن
ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز
حكم المولى الحسن الأول (1873/1894) المغرب في ظرفية حرجة؛ فمن جهة هناك مخلفات الهزائم العسكرية والدبلوماسية التي تعرض لها البلد خلال فترة حكم المولى عبد الرحمان ابن هشام (1822/1859) وابنه سيدي محمد (1859/1873)، ومن جهة أخرى أصبح المغرب يعاني في ظل هذه الهزائم من وضعية خروج جزء من الساكنة عن طاعة المخزن مما جعل السلطان «يعيش فترة حكمه على صهوة جواده» على حد تعبير المؤرخ أبو العباس بن خالد الناصري.
والراجح أن اليهود المغاربة عاشوا في المغرب وفق قوانين أهل الذمة ولم تتعرض حياتهم للخطر إلا في فترات حرجة من تاريخ المغرب لعل أخطرها فترة الفراغ السياسي الذي تلى وفاة سيدي محمد بن عبد الله (1757/1790) وبخاصة مع المولى اليزيد (1790/1792) الذي ارتبط اسمه بعدائه الشديد للمغاربة اليهود، وهو ما شجع البعض على اقتراف جرائم في حقهم ماتزال آثارها موشومة في الذاكرة اليهودية كما حدث مع الفتان بوحلاس الذي اعتدى على اليهود في منطقة الأطلس الصغير الغربي، مما جعل اليهود يؤلفون الكثير حول هذه الفاجعة بشكل تجاوز أحيانا الموضوعية. بل إن أحفادهم اليوم يحتفظون بالعديد من ذكرياتها السيئة التي وشمت ذاكرتهم مع هذا الفتان.
إن المغاربة اليهود بشكل خاص يحتفظون «بسفر الذكرى» و»سفر المواليد والوفيات» في بيعهم وهي التي تؤرخ لهذه الاحداث الدموية؛ غير أن المصدر الوحيد الذي يؤرخ لهذه الواقعة هو كتاب «نزهة الجلاس في أخبار أبي أحلاس»لصاحبه الفقيه محمد بن أحمد الأدوزي؛ فالمختار السوسي يبين في مؤلفه سوس العالمة كيف تصدى علماء سوس ومنهم العالمان علي بن إبراهيم الادوزي ومحم بن أحمد التاساكتي وللعلم فإن أبي حلاس هذا ادعى أنه مولاي اليزيد. و يعد الإكراري في كتابه «روضة الأفنان» والمخاتر السوسي في المعسول وسوس العالمة من اللذين تحدثوا عن فاجعة هذا الثائر ضد يهود افران الاطلس الصغير وهي مصادر اعتمدها أحد الباحثين لاستعراض حيثيات ووقائع حدث الحرق والنهب الذي تعرض له اليهود؛ علما أن النص المخطوط لم تتم مقارعته بنسخ أخرى يوجد العديد منها لدى الأسر السوسية – التي عانى أجدادها ويلات ما عناه اليهود- حتى يمكن الوقوف على حقائق هذه الواقعة دون مبالغة أو تقصير. ولعل اليهود يتذكرون مولاي اليزيد أو «مْزيدْ»، بلسانهم، (1790-1792) أكثر من بوحلاس الثائر، وإذا كانت فترة هذا السلطان من الفترات المهمشة في التاريخ لمواقفه و سلوكياته ضد اليهود، فإن دراسة لغمائد زادت من حدة هذا التهميش ولم تبرز السلطان كفاعل في عملية الاعتداء على المغاربة اليهود سيما وأن المدعو بوحلايس ادعى أنه هو مولاي اليزيد؛ وما اعتدائه على اليهود وسلبهم ونهب ممتلكاته سوى صورة أراد بها تجسيد شخصية اليزيد عند عامة الناس. ويمكن للقارئ الرجوع إلى أهم الأعمال التي تؤرخ لهذا الاعتداء، والتي نقترحها لإغناء هذه النقطة، وهي رواية اليهودي أشر كنافو (أشر أكنافو، هَتِينُوكْ مِ أُوفْران، بِمِيتْ قدم، تل أبيب،ط2، مارس، 2001، عربها الأستاذ عبد الرحيم حيمد تحت عنوان، صبي من إفران، منشورات كلية الآداب، أكادير2014 ).