المخزن ورعاياه المغاربة اليهود من خلال محفوظات مديرية الوثائق الملكية -31- قضية حرية التدين عند اليهود المغاربة تُناقش في أشغال مؤتمر مدريد 1880

ظل المخزن المغربي وفيا، وراعيا لمغاربته اليهود، ويتضح ذلك من خلال الوثائق الرسمية، ووثائق العائلات اليهودية وبخاصة المراسلات الإخوانية منها. وتعتبر الوثائق الرسمية التي تحتفظ بها مديرية الوثائق الملكية دليلا دامغا على الروابط القوية، والمتينة بين المخزن ويهوديه؛ فبعضها يتضمن صراحة أمر سلاطين الدولة بالاحسان إليهم داخل المغرب وخارجه. فبالإضافة إلى السماح لهم بممارسة طقوسهم وشعائرهم الدينية، وأنشطتهم الاقتصادية، ووهب وعاءات عقارية لهم لانشاء ملاحاتهم أو بيعهم فإن العلاقة ظلت قوية على مر العصور، وتعتبر الدولة العلوية نموذج الراعي الأول لفئة اليهود مقارنة بوضعيتهم خلال فترات حكم السعديين و المرينين والموحدين حيث كانوا مميزين عن جيرانهم باعتبار الهندام أساس للتميز

 

*بريطانيا العظمى تشيد بالنموذج المغربي في مسألة حرية التدين وتأمين حياة اليهود :
في الوقت الذي تفاقمت فيه الحماية القنصلية، وأصبحت تهدد مداخيل الدولة المغربية باعتبارها ورقة ضغط للتملص الضريبي والتعنت أمام سلطات المغرب، دعا المولى الحسن إلى ضرورة عقد مؤتمر دولي لتدويل هذه القضية، وبالموازاة مع ذلك تحرك اليهود من كل صوب ونحب للتعريف بقضيتهم بكونهم «أقلية مضطهدة» وأن رفع الحماية عنهم سيكون له أثر سلبي على وضعيتهم كأقلية داخل بلد غالبيته من المسلمين. فقد لجأ اليهود المغاربة إلى الجمعيات اليهودية العالمية بالعواصم الغربية منبهين إياهم أن كارثة عظمى ستحل بهم إذا رفعت عنهم الحماية، وهي مناداة أثرت في هذه الجمعيات التي نشرت الخبر في كبريات الصحف، مما جعل الحلف اليهودي يستجيب لمطالبهم على وجه السرعة؛ حيث أرسل وفدا إلى مدريد لعرض قضية اليهود المغاربة على أنظار المؤتمرين للضفر بمكانة متميزة لهم داخل المغرب وبضمانات دولية. وفي هذا الإطار بعث وزير بريطانيا العظمى المفوض بدولة إسبانيا رسالة يخبر فيها بزيارة الوفد اليهودي له ويطلعه على الجواب الذي قدمه إلى أعضائه وهي رسالة مؤرخة في3 يونيو 1880 / 24 جمادى الثانية من عام 1297.( رسالة منشورة تحت عدد 112، في المراسلات الإنجليزية ،ص، 109ـ 110، ومنها نسخة مرقونة بمديرية الوثائق الملكية ( سجل 25.667، محافظ اليهود وبريطانيا العظمى والحماية القنصلية ومؤتمر مدريد)) ونظرا لكون بريطانيا كانت لها مصالح في المغرب مؤطَّرة باتفاقية 1856، وظل يدافع عنها السير «جون دريموند هاي» فإن الحكومة الإنجليزية رأت أنه من باب الموضوعية ضرورة فصل مسألة حرية التدين عن الحماية القنصلية التي هي موضوع مؤتمر مدريد حتى لا يختلط الحابل بالنابل. وبخصوص الوفد اليهودي الذي زار مدريد لطرح قضية اليهود المغاربة فإنه لم يحصل على توافق بطرح المسألة على أنظار المؤتمر، وإنما قَبِل الوزير البريطاني في إسبانيا بطرحها على شكل مُخْتَلِفات، أي على هامش جدول الأعمال، منبها أن سلطان المغرب لن يقبل مساواة اليهود مع جيرانهم المسلمين في الأمور المتعلق بالدين مستشهدا بما سبق لجون دريموند هاي أن عبر به للسلطان بخصوص هذه النقطة التي يمكن أن تثير نعرات تطرفية من طرف المسلمين ضد اليهود، وهو ما جعل الوزير البريطاني ينبه الوفد اليهودي أنه ليس من باب الحكمة إثارة هذا الموضوع في مثل هذه الظرفية الحرجة، مع طمأنتهم بأن المؤتمر لا يمكن أن يقفز على هذه النقطة. ونظرا لتمسك بريطانيا برأيها فيما يخص عدم التطرق للمسألة الدينية في مؤتمر مدريد؛ فإنه أرى من الواجب ضرورة الاستشهاد برسالة (الوثيقة رقم 1139، مجلة الوثائق مرجع سابق ، ص275،276.)بعث بها جون دريموند هاي إلى وزير الخارجية البريطاني آرل كرانفيل وهي مؤرخة في( 24 يونيو 1880 الموافق ل16 رجب 1297) :
«كان لي الشرف التوصل بمراسلة سعادتكم المؤرخة في 15 من الشهر الحال، والتي نقلتم على صحبتها نسخا من مراسلتكم مع الكونط كاروليي تتعلق بما أقدمت عليه حكومة النمسا ــــ هنكاريا لتضمن دعوة إمبراطور المغرب إلى إصدار إعلان لفائدة التسامح الديني وعرضه على أنظار مؤتمر مدريد. وكان جواب الملكة أنه بدا لها من الأفضل الالتزام بالقضية التي انعقد المؤتمر من أجلها، لكنها لمحت مع ذلك إلى أنها ستكون سعيدة بالانضمام إلى النمسا ــ هنكاريا وبقية الدول العظمى عند نهاية أشغال المؤتمر، لتوجيه احتجاجات قوية إلى حكومة المغرب ضد أي اضطهاد يمارس في حق اليهود وفي حق غير المسلمين من رعايا الإمبراطور، وأيضا لحثها على ضرورة تقديم نفس الامتيازات وكامل الحريات الدينية لفائدة كل فئات السكان.
فيما يتعلق بالاقتراح الذي تقدمت به حكومة النمسا ـــ هنكاريا والذي تضمن دعوة الإمبراطور المغربي إلى إصدار إعلان لفائدة التسامح الديني، فإنني لا أظن أن السلطان سيثيره أية صعوبات أمام إقامة الشعائر الدينية سواء تلك التي يمارسها العديد من الفرق المسيحية، أو يهود هذا البلد، لأنه لا يمكن نكران ما عبرت عنه الحكومة المغربية من تسامح كبير وكذلك السكان المسلمون، بشكل فاق حكومات بعض البلدان الكاثوليكية إزاء كل الذين لا يدينون بنفس العقيدة.


الكاتب : ذ.ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 01/05/2023