المصالح السياسية تهدد فرص الدول الفقيرة في الحصول على لقاح ضد كورونا عند التوصل إليه

مع التزايد المستمر لعدد الإصابات والوفيات بفيروس كورونا المستجد، تواصل عدد من الدول بذل الجهود من أجل التوصل إلى لقاح يجنب البشرية عواقب أكبر أزمة صحية تواجهها في المائة سنة الأخيرة، غير أن التخوف من أن تؤثر المصالح السياسية على هذه الجهود أصبح يرخي بظلاله مما قد يجعل الملايين من البشر، خصوصا في الدول الفقيرة، محرومة من حقها في الحصول عليه.
لقد كان لافتا للنظر الإعلان الذي نشره في جريدة» واشنطن بوسط» الأمريكية الأسبوع الماضي ثمانية من قادة الدول، يتقدمهم الوزير الأول الكندي، جوستين ترودو، ورئيسة وزراء نيوزلاندا، جاسيندا أردين، ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيث، والذي دعا زعماء العالم إلى الالتزام ب» توزيع عادل» للقاح ضد الفيروس حال التوصل إليه، مضيفين أن الأمر « لا يتعلق بسباق يخرج منه طرف واحد منتصر، فعندما يتم التوصل إلى لقاح أو أكثر يجب أن يكون ذلك نصرا للجميع « يضيف النداء، مشيرا إلى أن جائحة كورونا» تؤثر بشكل غير متناسب على السكان الذين يعيشون في فقر وفي أوضاع هشة «وأن» التضامن العالمي أمر أساسي لإنقاذ الأرواح وإنقاذ الاقتصاد «.
وإلى حدود الأسبوع الجاري تسارع كل من الولايات المتحدة والصين وأوروبا، للتوصل إلى لقاح وتوزيعه عبر اتفاقيات خاصة، وفي هذا الإطار وقعت الولايات المتحدة، التي تعمل لوحدها بدون تنسيق ودون المساهمة في جمع التبرعات الدولية، على اتفاقية بحوالي 2 مليار دولار لضمان ملايين الجرعات من لقاح محتمل، في وقت مبكر من العام المقبل، وراهنت إدارة ترامب على العديد من المختبرات والشركات للتوصل إلى إنتاج 300 مليون جرعة لمواطنيها.
وعلى نفس المنوال تبذل المملكة المتحدة جهودا كبيرة، حيث خصصت مبالغ مالية مهمة في إطار شراكات مع بعض المختبرات والشركات للحصول بدورها على ملايين اللقاحات، كما تبذل الصين جهودا مماثلة للتوصل إلى لقاح، وهي كلها، مجهودات الولايات المتحدة، المملكة المتحدة والصين، تعتبرها المنظمة العالمية للصحة الأكثر تطورا والأقرب إلى التوصل للقاح ضد الفيروس، في وقت تحقق دول أخرى مثل روسيا تقدما قد يجعلها في الأشهرة القادمة قريبة من تجربة لقاح على البشر.
لكن ماذا عن الدول النامية والفقيرة التي لا تملك الإمكانيات لتصنيع لقاح لفائدة مواطنيها ؟ فبقدر ما يثير الانتشار السريع للفيروس في مختلف دول العالم القلق، فإن إمكانية حصول مختلف الدول على لقاح في حال التوصل إليه يطرح معضلة أخرى.
هذا الهاجس دفع بالدبلوماسي الأمريكي «ريتشارد ن. هاس»، الذي يشغل منصب رئيس مجلس العلاقات الخارجية، لينبه في مقال له بأن الهاجس الوطني الذي يدفع بعض الدول للتفكير فقط في مواطنيها هو بمثابة «وصفة لكارثة»، فبعد أن أكد أن «عددا قليلاً فقط من البلدان ستكون قادرة على إنتاج لقاحات « شدد على ضرورة توحيد الجهود الدولية، ليس فقط لأسباب أخلاقية وإنسانية، بل أيضا اقتصادية واستراتيجية، لأن عودة الانتعاش إلى الاقتصاد العالمي يتطلب أن تتحسن الأوضاع الصحية في العالم كله.
في ظل هذا الجدل، تظل بعض المبادرات المطمئنة، حيث أعلنت الحكومة الإسبانية أنها ستقدم دعما إلى أمريكا اللاتينية ، التي أصبحت بؤرة للوباء، حتى تتمكن بلدانها من الحصول على لقاح عند طرحه للبيع، كما أن الصين أعلنت عن نيتها تقديم قرض بمليار دولار أمريكي لدول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي للحصول على اللقاح، لكن مبادرات كهذه لا تبدو كافية لضمان وصول ملايين من السكان في إفريقيا وآسيا للقاح ما لم تتضافر جهود الدول الغنية من أجل تمكينهم من ذلك.


الكاتب : عزيز الساطوري

  

بتاريخ : 28/07/2020