أكد الفريق الاشتراكي» المعارضة الاتحادية» بمجلس النواب، مساء أول أمس الاثنين، بمناسبة اللقاء الشهري لمثول رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام مجلس النواب، والذي خصص اللقاء لموضوع الصحة، وخلال تعقيبه على رئيس الحكومة الذي قدم الأجوبة عن الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة حول موضوع التوجهات الاستراتيجية للمنظومة الصحية، أكد أن المنطلق في كل حديث مرتبط بأوضاع المنظومة الصحية بالبلاد، هو شعار « الصحة للجميع».
وأوضح الفريق الاشتراكي أنه إذا كانت المسؤولية تفرض الإقرار بأن المنظومة الصحية بالمغرب، لاتزال تعرف مجموعة من النواقص والاختلالات، التي من شأنها أن تعطل مسار تحقيق هذا الشعار (الصحة للجميع)، فإن أزمة جائحة كورونا والتداعيات الناتجة عن زلزال الحوز، عرَّت عن واقع وعمق هذه الاختلالات، وعن حجم ضعف الوظائف الصحية بالمغرب، مما يفرض الإقرار أنه بفضل القرارات الملكية الحكيمة والحس الاستباقي الذي طبعها، والتعبئة الشاملة التي أبانت عنها السلطات العمومية والشجاعة والإقدام اللذين تحلت بهما كل فئات القوات المسلحة ورجال الدرك الملكي و الأمن الوطني والوقاية المدنية في فترة برهنت كل تلك السواعد عن حس المسؤولية العالية والكفاءة، لكانت التداعيات وخيمة، إضافة إلى صمود الشغيلة الصحية بجميع فئاتها، متحدية جميع الإكراهات التي يعيشها القطاع الصحي.
وقد أكدت النائبة البرلمانية «سلوى الدمناتي» أن إدراك شعار «الصحة للجميع» لا يمكن أن يتحقق على أرض الواقع، إلا بسن سياسات ناجعة، تتضمن العديد من القرارات العملية والإجراءات الفعلية تقطع مع عبث الماضي، تهدف إلى تطوير وتجويد العرض الصحي بالمغرب، وهو الهدف الذي حكم مضامين مجموعة من الخطب الملكية، التي تضمنت توجيهات مباشرة ومستعجلة، بضرورة إطلاق إصلاح وتأهيل عميقين للقطاع الصحي، كان آخرها إعلان جلالته عن ورش الحماية الاجتماعية، قائلة : «للأسف الشديد رئيس الحكومة، أنتم الآن على مشارف نصف الولاية الحكومية، ومن المفترض أن تكون الحكومة قد تملكت جميع الملفات على رأسها قطاع الصحة، المفروض أن تكون الحكومة قد مرت إلى السرعة القصوى في تنزيل مشروع الدولة الاجتماعية التي تنادون بها حتى لا يبقى شعارا فقط».
كما سألت الدمناتي رئيس الحكومة عن أثر وعوده الحالمة التي تضمنها برنامج حزبه الانتخابي، ومآل وعود توفير طبيب الأسرة، والطب عن بعد، الذي يشمل الاستشارة والخبرة والمراقبة والمساعدة عن بعد، وإجبارية المراقبة الطبية المجانية لجميع النساء الحوامل، والبطاقة الطبية الذكية لكل مواطن، مشيرة إلى أن أخنوش وعد باتخاذ تدابير حكاماتية تفضي إلى مصالحة المستشفى مع المريض، هذه البنايات التي لا تحمل من معناها إلا الاسم على الواجهة أما داخلها فالنقص في الموارد البشرية وفي التجهيزات يعرقل أي عملية استشفاء تحفظ كرامة المواطن، مشيرة إلى أن سبب هجرة الأطباء للمستشفيات العمومية، هو أنه بعد 12 سنة من الدراسة المضنية، فإن الطبيب لا يتوفر على مكتب لائق لاستقبال المرضى».
وكشف الفريق الاشتراكي أن مستشفى القرطبي بطنجة سجل 200 حالة تحتاج لإجراء عملية «الجلالة»، ولمدة سنة لم تستطع مديرة المستشفى توفير 200 prothèse oculaire ، إلا بعد تدخل المحسنين والمجتمع المدني، المريض المصاب بكسور لا يستفيد من العلاج إلا بعد شراء مادة الجبص الطبي واصطحاب نتائج الكشف بالصور، ليقترح الفريق على رئيس الحكومة أنه كما جاب 100 مدينة ومدينة أثناء فترة الاستقطاب، أن يعيد نفس العملية ليكتشف عن قرب حال المغاربة وليستمع إلى ردة فعلهم بعد سنتين من الحكومة، لتؤكد المعارضة الاتحادية على أنه لم تلمس بالحكومة الجدية المطلوبة في تفعيل التوجيهات الملكية باعتبارها نبراس إصلاح المنظومة الصحية بالمغرب، خاصة ما تعلق منها بورش تعميم التغطية الصحية، والذي وضع له جلالة الملك مخططا عمليا شاملا، كما حدد له البرنامج الزمني والإطار القانوني وخيارات التمويل الكفيلة بتحقيقه.
وسجلت المعارضة الاتحادية تأخر الحكومة الملحوظ في تعميم الاستفادة من التأمين الصحي الأساسي الذي يغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء، سواء في القطاع العام أو الخاص، حيث من المفروض أن تكون الحكومة قد انتهت من تنزيل توسيع التغطية الصحية الإجبارية لسنة 2022، على النحو التالي: (إدماج 000 800 تاجر وصانع خاضعين للمساهمة المهنية الموحدة عند نهاية مارس من سنة 2021؛ وإدماج 1.6 مليون فلاح و000 500 صانع تقليدي عند نهاية شتنبر من سنة 2021؛ وإدماج 000 220 حرفي في قطاع النقل و000 80 من أصحاب المهن الحرة والمقننة عند نهاية سنة 2021؛ وإدماج 11 مليون مستفيد للفئات المعوزة المستفيدة من نظام راميد في متم 2022)، مشيرة إلى أنه وبالنظر إلى مستويات الإنجاز المحققة إلى غاية نهاية 2023، فهنالك قلق حول قدرة الحكومة على احترام الأجندة الزمنية التي التزمت بها أمام جلالة الملك.
وعن المشروع الملكي الخاص بالتغطية الصحية الشاملة، أشار الفريق الاشتراكي إلى أنه يتطلب في جميع مراحل تنزيله، مستويات غير مسبوقة من التعبئة المالية المستدامة، الأمر الذي يتطلب مجهودا وطنيا في هندسة المالية العمومية، حيث تقدر الكلفة السنوية لتعميم التغطية بالتأمين الإجباري عن المرض ب 14 مليار درهم، وتعميم التعويضات العائلية ب 20 مليار درهم، وتوسيع قاعدة المنخرطين في نظام التقاعد ب16 مليار درهم، وتعميم الولوج للتعويض عن فقدان الشغل ب 1مليار درهم ما مجموعه 51 مليار درهم سنويا، منها 28 مليار درهم متأتية من اشتراكات المستفيدين، و23 مليار درهم تتحملها الدولة لتغطية اشتراكات الأشخاص الذين لا تتوفر لديهم القدرة على المساهمة في التمويل.
وأضافت الدمناتي قائلة :»وهو ما لا يمكن الوفاء به أمام معطى غياب الموارد المتأتية من إصلاح المقاصة، ومحدودية العائدات الضريبية المخصصة لتمويل الحماية الاجتماعية، بمعنى أن المخصصات المالية من الميزانية العامة غير كافية لتغطية 23 مليار درهم سنويا كمساهمة للدولة، لاسيما أن حكومتكم تفتقد لتصور واضح حول مصادر واستقرار التمويل بخصوص حصة الدولة (23 مليار درهم سنويا)، وهو ما يتضح جليا في لجوئكم المضطرد عند كل قانون للمالية، إلى إضافة مقتضيات في الجانب الدائن، تعززون بها موارد «صندوق دعم الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي، حيث تمت إضافة 50 % من حصيلة المساهمة الإبرائية لسنة 2020، وتمت إضافة حصيلة المساهمات الاجتماعية للتضامن على الأرباح والدخول، كما تم تضمين مشروع قانون المالية لسنة 2024، «حصيلة المساهمة الإبرائية المتعلقة بالتسوية التلقائية برسم الممتلكات والموجودات المنشاة بالخارج المحدثة بموجب المادة 8 من مشروع قانون المالية 55.23»……..إلخ. وهي كلها موارد استثنائية ومحدودة في الزمن، وبالتالي فهي لا يمكن أن تمثل بديلا عن تمويل قار محدد في بند من الميزانية العامة للدولة، وهو ما كان من المفروض عليكم أن تضمنوا توافره».
واعتبرت النائبة الاتحادية أن تطور نفقات نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، كنتيجة طبيعية لارتفاع عدد المستفيدين، يحمل في طياته تهديدا للتوازنات المالية لصناديق الرعاية الاجتماعية، خاصة في ظل هيمنة النفقات الخاصة بالمؤمنين المصابين بالأمراض المزمنة والمكلفة،الذين يستهلكون نصف نفقات النظام، فيما لا تتجاوز نسبتهم 4,5 % من مجموع مؤمني النظام (حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2020). هذا، بالإضافة إلى ارتفاع النفقات الخاصة بالأدوية التي وصلت إلى 31,5 % من مجموع نفقات الخدمات في إطار نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض (برسم سنة 2019). وهي المؤشرات التي تستوجب من الحكومة تدخلا عاجلا على مستوى الدعم المالي ومواكبة دقيقة لحكامة ونجاعة أداء مختلف مكونات هذه المنظومة، وخاصة تجويد أداء الوكالة الوطنية للتأمين الصحي بالعمل على إحداث تمثيليات جهوية لتيسير معالجة ملفات المستفيدين، انسجاما مع شعار خدمات القرب الذي ترفعه الحكومة.
من جهة أخرى، واعتبارا للارتباط الوثيق بين تعميم الحماية الاجتماعية ومواصلة ورش الإصلاح الشامل للمنظومة الصحية الوطنية، نبهت الدمناتي إلى أن مجهودات الحكومة في الرفع من ميزانية قطاع الصحة ما زالت دون المستوى المطلوب، بالنسبة لحجم نفقات الصحة من الميزانية العامة، والتي تقدرها منظمة الصحة العالمية في 12.% .وإذا استحضرنا معطى التحول الذي يعرفه الهرم السكاني لبلادنا، والمتأثر بارتفاع مستويات الشيخوخة، حيث تشير الدراسات إلى أن الفئة العمرية الأكثر من 65 سنة، ستتضاعف ثلاث مرات ما بين 2020 و2060، بكل ما يعنيه هذا المعطى من تحديات غير مسبوقة في مجال الرعاية وتدبير العلاج، بالإضافة إلى معطى حتمي مرتبط بارتفاع نفقات الخدمات الصحية، فإنه كان من الواجب على الحكومة أن تعمل على استحداث موارد مالية متنوعة ودائمة من أجل تغطية النفقات سواء الحالية أو المستقبلية.
وقالت سلوى الدمناتي أن هناك ثلاثة مداخل أساسية لربح رهان إصلاح المنظومة الصحية ببلادنا، وهي تطوير البنيات التحتية بالقطاع، وتأهيل الموارد البشرية المشتغلة فيه، ثم تحقيق مبدأ العدالة المجالية في ما يخص تقديم الخدمات الصحية، و»هو ما كان يفرض تقديم معطيات ملموسة حول ما قدمته حكومتكم من مجهود مرتبط بهذه المداخل، كالإعلان عن مؤشر العدالة المجالية في عملية تحسين وتوسيع البنيات التحتية الصحية، وعن المستوى الذي بلغه تعميمها على جميع أقاليم وجهات المغرب، باعتبارها شرطا أساسيا لضمان حق الجميع في الولوج إلى الخدمات الصحية ولإنجاح ورش تعميم التغطية الصحية الإجبارية، وأن أهم المآزق التي تعترض المغرب في مسار تفعيله لشعار الصحة للجميع، هو التباين الكبير في العرض الصحي بالمغرب، خاصة بين المجالين الحضري والقروي، ذلك أن المستوصفات المتواجدة بالعالم القروي ما زال جلها في وضعية مزرية. في نفس السياق، كان من اللازم السيد رئيس الحكومة (تضيف الدمناتي)، أن تطلعونا على التدابير التي اتخذتموها من أجل تأهيل وضعية الموارد البشرية بقطاع الصحة، نظرا لتأثيرها المباشر على مستويات الولوج إلى الحق في الصحة. فالواقع يبين أن هذه الموارد البشرية في قطاع الصحة ما زالت تعاني من تأثير العديد من النقائص التي تعتبر نتيجة طبيعية لغياب سياسة حكومية فعلية موجهة لها، ولمحدودية التدابير والإجراءات التي اتخذتموها في المجال. وهو ما كان يتطلب أولا التفكير في آلية لمعالجة الخصاص الحاصل على هذا المستوى، من خلال اعتماد مخطط استعجالي يستند إلى توظيف كل الخريجين من الكليات والمعاهد حسب الخصاص من مختلف الأطر التقنية والتدبيرية، وإلى وضع آليات مناسبة للحد من ظاهرة هجرة الأطباء التي أصبحت أكثر حدة في السنوات الأخيرة، ولم لا الاحتفاظ حتى بمناصب المحالين على التقاعد، وبطبيعة الحال مع الحرص على التوزيع الجغرافي العادل لهذه الموارد، وعلى اعتماد حوافز مالية وغير مالية من أجل إعادة انتشار موظفي الصحة في المناطق التي تشكو من ضعف الخدمات، حتى يتم ضمان تغطية كاملة للسكان بالعاملين الصحيين.
ودعت المعارضة الاتحادية الحكومة إلى دعم المبادرات الرائدة بتوفير كافة الشروط الملائمة لعمل مؤسسة محمد السادس لعلوم الصحة وإحداث تمثيليات جهوية لها من أجل تطوير الخدمات الصحية المرتبطة بالعلاجات والتكوين وتطوير البحث العلمي والابتكار.
كما نبهت الدمناتي إلى أن العديد من التقارير الوطنية تسجل وجود تفاوت حاد في توزيع الموارد البشرية الطبية، حيث تتجاوز نسبة تغطية أطباء وزارة الصحة في المجال الحضري نظيرتها بالعالم القروي بثلاث مرات، إذ أن 88,5 % من الأطباء يغطون 63,4 % من السكان بالمجال الحضري، بينما 36,6 % من السكان بالمجال القروي يحظون فقط بتغطية 11,5 % من أطباء الوزارة. وهو ما ينعكس بشكل ملموس على مستوى وجودة الخدمات الصحية، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تحقيق العدالة المجالية للولوج المتكافئ للخدمات الصحية، بربط إصلاحات قطاع الصحي بالجهود التي تبذلها الدولة في مجال تقليص التفاوتات المجالية، وهو ما يقتضي العمل على معالجة إشكاليات التحديد المجالي للخريطة الصحية ببلادنا، وملاءمتها مع خصوصيات مختلف جهات المملكة.