المغاربة قلقون من المستقبل و70 % منهم يراهنون على «تدبير الغد» دون خطط

تقرير دولي: 79 % من المغاربة يرون أن الفوارق الاجتماعية أصبحت خطرا على المجتمع

 

 

كشف تقرير جديد أعدته مؤسسة «إبسوس» بعنوان «الاتجاهات العالمية – نسخة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا» أن 79% من المغاربة يعتقدون أن الفوارق الكبيرة في توزيع الثروة تضر بالمجتمع، وهي نسبة تعكس وعيا حادا باللامساواة وتضع العدالة الاجتماعية في صلب أولويات المواطنين. وتضع هذه المعطيات المغرب في صدارة الدول التي تبدي حساسية مرتفعة تجاه مسألة التفاوت، متجاوزا بذلك المعدلات المسجلة في عدد من الأسواق النامية والمتقدمة على حد سواء. ويأتي هذا المؤشر ضمن سلسلة من المعطيات الكاشفة التي تضمنها التقرير، الذي استند إلى استطلاع رأي واسع شمل أكثر من خمسين ألف شخص في خمسين دولة، بينها المغرب، مسلطا الضوء على تناقضات حادة تطبع تمثلات الأفراد لقضايا البيئة والتكنولوجيا والصحة والقيم الاجتماعية.
في الجانب البيئي، أشار التقرير إلى أن 81% من المغاربة يعتقدون أننا نتجه نحو كارثة إذا لم يتم تغيير العادات وأنماط الاستهلاك، وهي نسبة تفوق المعدل العالمي المحدد في 72 في المائة، ما يعكس درجة مرتفعة من القلق البيئي داخل المجتمع المغربي. في المقابل، صرح 84% من المستجوبين بأنهم يبذلون قصارى جهدهم لحماية الكوكب، غير أن التقرير ينبه إلى وجود فجوة واضحة بين الإدراك والسلوك، محذرا من خطر الاكتفاء بالشعور الذاتي بالمساهمة، دون الترجمة الفعلية لذلك في الممارسات اليومية.
أما في المجال الرقمي، فقد أظهر التقرير أن 77% من المغاربة يرون أن التكنولوجيا ضرورية لحل تحديات المستقبل، وهي نسبة تتجاوز المعدل العالمي المحدد في 71 في المائة، ما يؤشر على إقبال واسع على التقنيات الحديثة. إلا أن هذه النظرة المتفائلة تقابلها حالة من التوجس والقلق، حيث أفاد 71%بأنهم قلقون بشأن استخدام بياناتهم الشخصية، واعتبر 79%أن فقدان الخصوصية بات أمرا لا مفر منه. كما عبّر 70% عن اعتقادهم بأن التقدم التكنولوجي يدمر حياتهم، وهي نسبة مرتفعة تفوق المعدلات العالمية، وتعكس تناقضا داخليا في تمثل التكنولوجيا بين الانبهار من جهة والخوف من جهة أخرى.
وفي ما يتعلق بالتماسك الاجتماعي، أفاد نصف المغاربة المستجوبين بأنهم يلاحظون صراعات قيمية متزايدة داخل أسرهم، وهو ما يشير إلى تآكل تدريجي للمرجعيات المشتركة داخل البنية العائلية. كما سجل التقرير أن 32% من المغاربة صرحوا بتعرضهم للتمييز على أساس الجنس، وهو رقم يتجاوز المتوسط العالمي، ويعكس استمرار مظاهر الإقصاء المرتبطة بالنوع، رغم الخطابات الرسمية الداعية إلى المساواة.
وأشار التقرير إلى أن 83% من المغاربة يعتقدون أن على الشركات أن تلعب أدوارا تتجاوز تحقيق الربح، بينما يرى 75%أن على قادة الأعمال أن يتحدثوا بصراحة عن القضايا السياسية والاجتماعية التي تهم مجتمعهم. وتُظهر هذه الأرقام ارتفاع سقف الانتظارات الأخلاقية من القطاع الخاص، في ظل غياب آليات مؤسساتية ملزمة للمسؤولية الاجتماعية.
وفي ما يخص منظومة القيم، أظهر التقرير أن 87% من المغاربة يعتبرون التقاليد عنصرا أساسيا في بناء المجتمع، بينما يرى 71% أن الدور الأساسي للمرأة هو أن تكون أما وزوجة، وهي نسبة تقارب الضعف مقارنة بالمعدل العالمي الذي لا يتجاوز 39 في المائة. ورغم هذا التعلق القوي بالتراث، أعرب 54% فقط عن رغبتهم في عودة المغرب إلى ما كان عليه في الماضي، وهي نسبة تعكس حالة من التردد بين التشبث بالهوية والانفتاح على التحول.
أما فئة الشباب، فقد سجل التقرير صعود ما وصفه بـ»العدمية الجديدة»، حيث عبر 70% من المستجوبين عن إيمانهم بأن «الغد سيدبر أمره»، وهي قناعة توحي بغياب الأفق أو على الأقل بالرضا بالتدبير المؤقت للواقع، دون قدرة على التخطيط بعيد المدى. ويعكس هذا المؤشر أزمة ثقة في المستقبل، ناجمة عن تعثر مسارات الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي لدى فئة واسعة من الشباب.
هكذا يضع التقرير الجديد المغرب ضمن مجتمعات تعيش توترات صامتة بين ما تطمح إليه وما تحققه فعليا، ويشير إلى وجود وعي متقدم بعدد من الإشكالات البنيوية، لكنه وعي لم يترجم بعد إلى تحول ملموس في أنماط العيش أو في الخيارات المؤسسية. وبين التقدم التكنولوجي الذي لا يحظى بثقة كاملة، والوعي البيئي الذي لا يواكبه سلوك مستدام، والتمسك بالقيم التقليدية في ظل واقع اجتماعي متغير، يجد المغرب نفسه أمام مفترق طرق يستدعي إعادة نظر شاملة في السياسات العمومية، حتى لا تبقى المؤشرات الصادمة مجرد أرقام صماء في عدد من التقارير الدولية.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 18/06/2025