« التضخم اليوم أصبح حقيقة هيكلية للاقتصاد المغربي ويجب التعايش معه وهذا التضخم ليس مستوردا بل هو محلي، وسببه هو نقص الإنتاج أي العرض الداخلي وليس الطلب.» هذا ما بالحرف ما قاله أحمد لحليمي المندوب السامي في التخطيط قبل عام، وهو ما أغضب حينها داخل الحكومة عدة مسؤولين ظلوا يرددون بلا هوادة بأن «التضخم في المغرب ظاهرة عرضية مستوردة» و هاهو واقع السوق يؤكد أن الغلاء هو سيد السوق بلا منازع، و أن أسعار جميع مواد الاستهلاك الرئيسية تحقق يوما تلو الآخر «مكاسب صغيرة» حتى أصبحت أسعارها أضعاف ما كانت عليه قبل 3 سنوات. حيث مازالت موجة الغلاء الفاحش تضرب جيوب المواطنين للعام الثالث على التوالي، في وقت عجزت الحكومة عن كبح جماح فورة الأسعار في المواد الاستهلاكية الضرورية، على الرغم من حزمة التدابير التي أطلقتها منذ عدة أشهر، والتي مازالت حتى الآن بعيدة عن تبديد مخاوف المواطنين الذين اكتووا طوال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري بلهيب الأسعار، سيما وأن أسعار مواد الاستهلاك الأساسية لم تعرف إلى حدود نهاية يوليوز إلا اتجاها واحدا نحو الأعلى، وهو ما أكدته بيانات رسمية صدرت أمس عن المندوبية السامية للتخطيط، التي قالت إن تكاليف المعيشة عرفت خلال الشهر السابع من العام الجاري ارتفاعا صارخا مقارنة مع 2023 حيث سجل معدل التضخم زيادة بـ 2.1 في المائة بالمقارنة مع شهر يوليوز 2023 كما ارتفع مؤشر الأسعار الأساسي عند الاستهلاك، بـ 1.3 في المائة بالمقارنة مع 2023.
وسجل المؤشر الرئيسي للأسعار عند الاستهلاك في شهر يوليوز الأخير انخفاضا طفيفا ب %0,2 بالمقارنة مع الشهر السابق. وقد نتج هذا الانخفاض عن تراجع الرقم الاستدلالي للمواد الغذائية ب 0,5% وتزايد الرقم الاستدلالي للمواد غير الغذائية ب %0,1.
وكشفت البيانات الإحصائية التي أعدتها المندوبية السامية للتخطيط أن ارتفاعات المواد الغذائية المسجلة ما بين شهري يونيو ويوليوز 2024 طالت على الخصوص أثمان السمك وفواكه البحر ب 4,7% والفواكه ب 0,9% والسكر والمربى والعسل والشوكولاتة والحلويات ب 0,4%. فيما يخص المواد غير الغذائية، فإن الارتفاع هم على الخصوص أثمان المحروقات ب 1,3%. وعلى العكس من ذلك همت انخفاضات المواد الغذائية المسجلة ما بين شهري يونيو ويوليوز 2024 على الخصوص أثمان الخضر ب 6,5% والحليب والجبن والبيض ب 1,0% والزيوت والذهنيات ب 0,5%.
ولم تسلم جميع تكاليف المعيشة الرئيسية من موجة الزيادات المتفاوتة التي ضربت جيوب المغاربة خلال الفترة الفاصلة بين يوليوز 2023 و يوليوز 2024، انطلاقا من أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الكحولية التي زادت بـ 0.6 في المائة، والسكن والماء والكهرباء والغاز والمحروقات الأخرى التي ارتفع معدلها 3.8 في المائة، وتكاليف النقل التي ارتفعت بـ 2.6 في المائة، مرورا بأسعار التبغ والمشروبات الكحولية التي زادت بـ 2.4 في المائة وأسعار الأثاث والأدوات المنزلية التي نمت بـ 1.2 في المائة، ووصولا إلى قطاع المطاعم والفنادق الذي عرفت أسعاره نموا بـ 3.4 في المائة.
وتأتي بيانات المندوبية السامية للتخطيط بخصوص أسعار الاستهلاك والتضخم لتؤكد ما ذهبت إليه توقعات المندوب السامي لمندوبية التخطيط أحمد الحليمي ،الذي أكد مرارا أن التضخم اليوم أصبح حقيقة هيكلية للاقتصاد المغربي ويجب التعايش معه، وذلك بسبب نقص العرض ولا سيما المنتجات الفلاحية. «التضخم يجب أن يؤخذ على أنه حقيقة هيكلية ومحلية، وعلينا أن نعتاد على التعايش معه»، تماما مثلما أصبح الجفاف اليوم عاملا هيكليا في السنوات الأخيرة، ليؤكد بذلك أن التضخم ليس مستوردا بل هو محلي، وبأن سببه هو نقص الإنتاج أي العرض الداخلي وليس الطلب.
وسبق لأحمد لحليمي أن حذر من هذا الوضع في عدة مناسبات مؤكدا «أننا لم نعد في حالة تضخم مستورد، لأن الغذاء، وخاصة الفواكه والخضروات، يتم إنتاجها محليا في المغرب..». وعلى عكس النهج الذي ذهب إليه “المخطط الأخضر” الذي أعطى الأولوية للزارعات التصديرية على حساب الزراعات المعيشية والتي دمرت الثورة المائية للوطن وقتلت الفلاح الصغير، يعتبر الحليمي، أنه من الضروري العمل على حل جذور المشكل أي الإنتاج من خلال إحداث ثورة من أجل تغيير نظام الإنتاج الوطني، والتحرك نحو السيادة الغذائية وإنتاج ما نستهلكه في المقام الأول، مع الاعتماد بشكل كبير على التقدم التقني والتكنولوجي لتحسين المردودية، وقالها المندوب السامي بالحرف «علينا أن ندرك أننا في وضع يجب أن تمر فيه الزراعة بثورة من أجل تغيير نظام الإنتاج».