يشهد المغرب اليوم انتشار مرض الحصبة بوحمرون، ما جعل ضرورة وضع خطة استعجالية للتصدي لهذا المرض الذي وصفته مديرية الأوبئة بأنه أضحى وباء يجب التعامل معه بجدية أكبر للحد من أرقام الوفيات في صفوف الأطفال.
في الوقت الذي كان يعتقد الكل بأن زمن بوحمرون قد انتهى، مع تطور عصر اللقاحات وتحقيق نسبة تغطية تلقيحية جد مهمة لسنوات طويلة تصل إلى 95 في المائة، مكّنت من ضمان وقاية جد مهمة ضد المرض، الأمر الذي جعل عدد الحالات التي تسجل في السنة لا يتجاوز أصابع اليد، عاد الحصبة بقوة مؤخرا بعد ان سجل تواجده الأول في سوس والحوز ، ثم انتشر في مناطق اخرى، مسجلا إصابات بلغت 25 ألف حالة و 120 حالة وفاة.
بوحمرون بين الأمس واليوم
يعرف الحصبة في الموروث الشعبي المغربي بـ «بوحمرون»، وهو مرض معدي يصيب الأطفال بشكل عام والبالغين في حالات خاصة. و يتميز هذا الداء بظهور طفح جلدي أحمر وارتفاع في درجة الحرارة، وفي الثقافة الشعبية المغربية كان يعتقد بأنه نوع من « العين» أو «السحر»، لذا كان الأهل يعرضون الطفل على الفقيه ليقرأ عليه الرقية الشرعية، أو ليضع حجابا لحمايته من المرض، سبب ما يسببه من ضعف للمناعة حسب معتقداتهم، إلى جانب اللجوء إلى طرق تقليدية في العلاج، مثل «دهن» المصاب بـ «الدواء الأحمر»، إذ كان يظن أنه الحل السحري لهذا المرض.
وإلى جانب ما سبق، كانت الأسر تقوم بعزل المريض عن الناس، لأن الكثيرين كانوا يرون بأن من أصيب به فهو موبوء، كما كانت العائلات تقوم بإعداد حمام دافئ لمريضها لكي يستحم بالأعشاب مثل الشيح، الخزامة، السالمية، لتهدئة الأعراض، دون نسيان استعمال الحناء التي يعتقد أنها تساعد على سحب الحرارة من الجسم و تهدئة الالتهابات الجلدية.
علاجات كانت تشمل كذلك إعطاء المصاب مشروبا من الأعشاب يتكون من زعتر و البابونج والقرنفل للمساعدة على تقوية المناعة، مع الامتناع عن بعض أنواع الأطعمة كالبيض، السمك و الحامض، ففي المعتقد أن هذه المواد تساهم في ارتفاع حدة المرض، مع ضرورة البقاء في الظل وعدم التعرض للهواء وتفادي الخروج للشمس أو الهواء البارد، ولا تزال بعض هذه العادات رائجة ليومنا هذا.
التلقيح وأسئلة الشكّ
بعيدا عن هذه الرؤية للمرض وكيفيات التعامل معه والتداوي منه، يحضر العلم بقوة ليؤكد على أن التلقيح هو الوسيلة الفعالة للحماية من المرض ومضاعفاته. وبين مؤيد ومعارض هناك من يتفق على أن التلقيح ضد الحصبة هو حماية شخصية ومجتمعية، كما هو الحال بالنسبة لـ (ف. بن )، أم لطفلين، استفسرتها «الاتحاد الاشتراكي عن هذا الأمر فكان جوابها، أن التلقيح يحمي الأفراد من الإصابة بالمرض وتجنب التعرض لمضاعفات خطيرة قد يتسبب بها، كما أنه يساهم في تحقيق المناعة مما يحد من انتشار المرض وبالتالي الحد من الأوبئة بشكل كبير أو حتى إذا لا قدر الله وتمت الإصابة به تكون أعراضه خفيفة وطفيفة وذلك بفضل للتلقيح.
فكرة دعم وتأييد التلقيح، البعض بكل أسف لا يتقاسمها، كما هو الحال بالنسبة لـ (خ . ز) أم لطفلين، ولد وبنت، التي عبّرت عن رفضها للأمر مخافة الآثار الجانبية للقاح، مشددة على أن هناك من يزعم بوجود صلة بين اللقاح ومرض التوحد، وبالتالي من المرجح أن من يتلقى اللقاح يصاب بالتوحد.
هذه الفكرة يتقاسمها مع المعنية بعض الأمهات والآباء أيضا، الذين يفضلون أن يصاب الطفل بالمرض حتى يكتسب مناعة طبيعية، التي تعتبر حسبهم أكثر فعالية من اللقاح، علما بأن هذا الأمر قد يؤدي إلى مضاعفات وخيمة قد تصل إلى حد التسبب في وفاة الطفل المريض. في حين أن هناك فئة أخرى تتبنى نظرية المؤامرة وتتحدث بكل وثوق، بشكل مثير للاستغراب، عن وجود من يستخدم اللقاحات لأغراض غير معلنة، مثل التحكم في الكثافة سكانية، أو التجسس البيولوجي، وبأن هناك بعض الشركات هدفها هو ربحي عبر الترويج للمرض واللقاح معا.
جهود مواجهة الحصبة
قطع المغرب أشواطا جد مهمة في محاربة الأمراض الفيروسية ومنها مرض الحصبة، وذلك من خلال البرنامج الوطني للتلقيح، حيث تمكّن من السيطرة على الحصبة إلى حد كبير. وتحول الوقاية التي جاءت بها البرامج الصحية دون تفشي مختلف الأمراض، وهو الوضع الذي كان واضحا قبل جائحة كوفيد، لكن بعدها اختلت المعادلة وتبين على انه لا بد من بذل المزيد من الجهود للتحسيس والتوعية، وتسطير حملات استدراكية للتلقيح من اجل تدارك ما فات.
الحصبة بعيون الطب
لمعرفة الأعراض وطبيعة مرض الحصبة وتبعاته، نقلت «الاتحاد الاشتراكي» مجموعة من الأسئلة إلى الدكتور الشيماء وانزة، طبيب في الطب العام وطب المستعجلات، الذي أكد على أن الأعراض الرئيسية للحصبة هي ارتفاع الحرارة بعد ظهور أعراض الزكام و السعال المتواصل، تهيج واحمرار لون العينين، وبعد مرور يومين أو ثلاثة تعود درجة الحرارة للارتفاع للمرة الثانية من ( 40 الى 40.5) درجة مئوية، إضافة إلى ظهور بقع بيضاء في الغشاء الداخلي للفم، مبرزا أن هذه الأعراض تؤكد الإصابة بالحصبة « بوحمرون»، وفي آخر مرحلة من احتضان المرض يتم ظهور بقع و بثور حمراء في الجسم كامل أي ما يسمى الطفح الجلدي.
وشدد الطبيب في اللقاء الذي أجرته معه الجريدة على أن التلقيح مهم لأنه ينقص ويحد من مرض الحصبة إذا أصيب به الشخص وأيضا يمنع انتقال المرض من شخص إلى أخر، موضحا بأن هناك فرقا بين الحصبة وأمراض أخرى مشابهة، تتمثل في ظهور طفح في الجلد وبقع بيضاء داخل الفم، وهنا يكون الفرق بين الحصبة وأمراض جلدية أخرى مع تشابههم في بعض الأعراض من قبيل ارتفاع الحرارة، الإعياء، سيلان الأنف، السعال، فجل هذه الأعراض نجدها في العديد من الأمراض الناتجة عن تعفنات فيروسية ولكن بالنسبة للحصبة مع زيادة الأعراض السابقة.
وفي السياق ذاته شدد الدكتور وانزة على أن الشخص يصاب بالحصبة مرة واحدة فقط، وبالتالي فمن سبق لهم الإصابة بها لن يعاودهم المرض مرة أخرى ولن تنتقل لهم العدوى لأنهم أصيبوا بها من قبل في صغرهم، داعيا إلى أخد اللقاح الذي يضم ثلاثة مضادات وهي لقاح ضد مرض الحصبة، ومرض الكوفاج، والحصبة الألمانية، مشيرا إلى أنه يتم تقديم اللقاح ضمن البرنامج الوطني للتلقيح، حيث يعطي للطفل جرعتان لضمان مناعة كافية ضد المرض، تمنح الجرعة الأولى في عمر 9 أشهر والجرعة الثانية في سنة 18 شهرا، مؤكدا في هذا الإطار على أن اللقاح ليس فيه أي إشكالية بالعكس، فهو متداول مند زمن بالمغرب وليست له أية أعراض جانبية.
*صحافية متدربة