د. يوسف أكمير
السياسة المحافظة لكانوفاس ديل كاستييو
Cánovas del Castillo
إزاء القضية المغربية
1874-1881
تــرجــع بــدايـــة الــتــدخــل الأجــنــبي في المــغــرب إلى الــثــلــث الأول مــن الــقــرن 19، عــنـدمـا حــاولــت فـرنـســا، -بعد احتلال الجزائر وبطموحاتها الاستعمارية المتواصلة-، تجاوز الحدود الشرقية للمغرب، وهي متيقنة من احتلاله بعد انتصارها في معركة إيسلي سنة 1844، وما حققته من امتيازات كنتاج الضغوطات التي مارستها على السلطان في اتفاقية للامغنية. هذا بالإضافة إلى العلاقات الجيدة التي كانت للحكومة الفرنسية مع المولى الحسن. مما جعلها بمثابة المرشحة الأولى لتتدخل في المغرب، في حالة إنهاء الوضع القائم، وضمه بالتالي إلى مستعمرتها الجزائرية.
تميزت السياسة الإسبانية في البداية بنوع من المرونة تجاه النوايا الفرنسية إزاء المغرب، وهو ما يفسر التعـاطـف الـذي كـان يـبـديـه كـانـوفـاس إزاء الـبـلـد الجـار خـصـوصـا فـيـمـا يتعلق بتطلعات فرنسا بالمملكة الشريفة. وقد أبـدى كـانـوفـاس في محادثاته مع السفير الفرنسي M. Jauré تفضيله مجاورة فرنسا على مجاورة «قبائل بربرية»، ولكن في الوقت نفسه، اعتبر أن الحفاظ على الوضع القائم هو الحل الأفضل للقضية المغربية.
إنه من السهل ملاحظة التناقض الكامن في آراء كانوفاس، فهو في المقام الأول، يفضل مجاورة فرنسا بالمغرب على «القبائل المتوحشة»، وفي المقام الثاني، يكرر إلحاحه في الحفاظ على الوضع القائم في هذا البلد. ويؤكد هذا التناقض في الحقيقة على تقلبات السياسة الخارجية التي نهجها كانوفاس، وهي سياسة مبنية على الحذر والتمنع أمام أي حدث خارجي يمكن أن يسبب مشاكل كبيرة للملكية الحديثة العهد وللحكومة الدستورية الوليدة في سياق دولي يعرف هيمنة القوى الكبرى.
شاءت الظروف التاريخية أن يكون لكانوفاس تأويل خاص للقضية المغربية. فالواقع الأوروبي كان مبررا للدور المحدود الذي كانت تلعبه سياسة العزلة/الانغلاق التي نهجها. وبفهم هذا الواقع، الذي كان يخدم مصالح الأقوياء، يمكن فهم تقلب وتردد سياسة كانوفاس فيما يخص القضية المغربية. إلا أنه كان مدركا، -فيما يخص المغرب-أن الرهان كان أكبر من ترديد المقولات التقليدية المتعلقة «بالشرف الوطني»El Honor Nacional و»الحقوق التـاريخـيـة» Derechos Históricos لإسـبـانـيـا في مـا وراء المـضـيـق؛ إذ أكـد في أحــد آرائــه أن إســبــانــيــا لا يمــكــنــهــا أن تتصرف في غياب تحالفات مع قوى أخرى. ولكن في الوقت نفسه أكد على مسألة «الكرامة الوطنية» واعتبر أن أوروبا عليها أن تقدم عرضا لإسبانيا من أجل الالتحاق بنظام التحالفات وليس عليها أن تطلب ذلك. وأكد كانوفاس في هذا المنحى على أنه: «يمكن أن يكون لنا حلفاء في قضية ما، على سبيل المثال، فيما يتعلق بـإفـريقـيـا، لا أتخـوف مـن الـقـول إن في هـذه المـسألة سيكون لنا حلفاء، دائما سنجد من يعرض علينا تحالفه في القضية المغربية كما هي مطروحة».
أثر تصور كانوڤـاس في الطموحات الميركانتيلية لمجموعة ضغط شابة بإسبانيا ظهرت سنة 1877 تحت اسم «الحركة الأفريقانية». وكانت هذه الحركة متأثرة بالإيديولوجيا الرومانسية للنزعة التوسعية الإيبيرية التي كانت تمجد تـاريـخ وثـقـافـة و»حـقـوق إسبانيا» في الضفة الإفريقية المجاورة. وقد أدى تداخل الجوانب الإيديولوجية والاقتصادية في فكر كانوفاس إلى اعتبار المغرب امتدادا جغرافيا لإسبانيا. وفي بحثه عن سابقة استعمارية إسبانية وجد كانوفاس في سياسة Fernando El Católico مرجعا فكريا له، بحيث اتخذ من شعار: «في الأطلس توجد حدودنا الطبيعية» عنوانا للأعمال التي كان يريد القيام بها مستقبلا.
الحكومة اللبرالية وتوجهاتها الجديدة في سياستها نحو المغرب 1881-1890
في سياق دولي مشحون بالتوتر والصراع، ستجد السياسة اللبرالية الإسبانية نفسها أمام ضرورة استخدام كل استراتيجياتها للخروج بأفضل النتائج من هذه الوضعية. فعند وصول اللبراليين إلى الحكم سنة 1881، لم يكن يوجد إلا حلف واحد منظم ومحضر بين بيسمارك وأندراسي بعد اللقاء المنعقد بغاستين في غشت 1879، والذي تم تتميمه بالإتفاق السري لـ 15 أكتوبر من السنة نفسها. وجاء هذا الحلف ليحل الخلاف بين روسيا وألمانيا حول التكهنات التي كانت تؤكد إمكانية هجوم روسي وشيك ضد النمسا.
فرضت فرنسا حمايتها على تونس سنة 1881 بموجب معاهدة باردو الموقعة مع الباي محمد الصادق، الأمر الذي سبَّبَ بعض الاستياء لدى كل القوى الأوروبية، لكن إيطاليا كانت هي الأكثر استياءً لأنها كانت تسعى بدورها ومنذ سنوات، لاحتلال الأراضي الواقعة بين طرابلس وتونس، مبررة هذا الطموح بالدفاع عن مياهها بالبحر الأبيض المتوسط. وكان للاحتلال الفرنسي لتونس نتيجتين كبيرتين: في المقام الأول، ساهم في تقارب ايطاليا مع الإمبراطوريات المركزية والذي سوف يؤدي؛ كما سنرى لاحقا، إلى تشكيل «الحلف الثلاثي». وفي المقام الثاني، أدى إلى تفاقم أزمة شمال إفريقيا، وخاصة بالمغرب التي كان من الممكن أن تخلق التوتر وتجلب اهتمام أوروبا كلها.
ولم تكن إسبانيا غافلة عن هذا الوضع، فقد أنذر Vega de Armijo كل ممثليه بالخارج بضرورة معارضة كـل مـبـادرة أوروبيـة مـن شـأنها الإضـرار بمـصـالح إسبانيا بـشـمـال إفـريـقـيـا، وخـاصـة في المـغـرب. ودافع وزيـر الـدولـة في مراسلاته على ضرورة الحفاظ على سياسة حازمة ونشيطة في حالة ما إذا حاولت أية دولة الإضرار بمصالح إسبانيا في المنطقة الغربية من شمال إفريقيا. يدافع Vega de Armijo في تأملاته على: «ضرورة توسيع ثروتنا وتجارتنا. ينصحوننا بعدم نهج سياسة مبنية على المغامرات، ولكن لا يمكن لهذه النصيحة أن تنسينا واجباتنا التـقـلـيـديـة…بـل أكـثـر مـن ذلـك، هـنـاك قـوى لهـا مـصـالح فـي الـقارة الإفريقية، حيث توجد معاقل إسبانيا الـتي بَـذَلَـتْ مـن أجلها الكثير من التضحيات. ويمكن للدول الأخرى أن توسع سيطرتها في تلك المناطق بدون أن تسبب في الريبة والقلق لإسبانيا، والتي بالتأكيد ستتصرف بطريقة أخرى إذا تعلق الأمر بالمنطقة التي توجد فيها ممتلكاتها».
جـاءت مـن بـرلـين أخـبار عـن مـوقـف ألمـانيـا مـن إقـامـة مـنـطـقـة الحـمـايـة الـفـرنـسـية بتونس؛ حيث أدانت هذا التدخل الفرنسي في ذلك الجزء من القارة الإفريقية، واعتبرته عملا مُستهجنا ومسألةً تُخالف الأعراف الدولية الـتي ينبني عـلـيها مـفهوم الـتوازن بين الـقـوى. وقـد تـرتـب عـن هـذا الـعـمـل كـشـف الحـكـومة الألمـانـيـة عـن أطـمـاعـها في احتلال إحدى السواحل المغربية. وقد أدت هذه الشائعات إلى سيطرة جو من القلق وعدم الارتياح بين أعضاء الحكومة الإسبانية التي راسلت سفيرها ببرلين، الكونت بنومر Conde de Benomar بضرورة التحقق من نية ألمانيا في شأن المغرب. والتقى بنومر يوم 02 يونيو مع الكونت ليمبورغستيزوم وزير الدولة الألماني الذي وضّح توجه حكومته فيما يخص هذا الموضوع الحساس. وتحدث بنومر في هذا اللقاء عن موقف إسبانيا من القضية المغربية وأشار إلى أنه إذا تدخلت ألمانيا في المغرب فإنها: «ستسبب مشكلة خطيرة لإسبانيا. إنها مسألة وجود من عدمه. إن الساحل المغربي مقابل لساحل إسبانيا، ومنه يمكن رؤية المراسي ونوافذ منازل طريفة من طنجة، وشواطئ مالقا بادية للعيان من مدينة تطوان. ليست هناك قضية أكثر أهمية والتي تثير وتجرح بقوة الشعور الوطني من احتلال قوة أخرى للمغرب. ولن تقدر أية حكومة على مواجهة السخط العام الذي من الممكن أن يسببه فعل مثل هذا، وسوف تمس هيبة العرش كما لو كنا قد فقدنا أحد أقاليمنا […] تعمل إسبانيا من أجل إعادة البناء الوطني بعد نهاية الحرب الأهلية التي عمقت جرحها انتفاضة كوبا، وهي لا تطمح إلى الغزو، ورغبتها هي الحفاظ على الوضع القائم بالمغرب. ولكن إذا كان لابد في يوم من الأيام، ولو كان بعيدا، من مناقشة مسألة إفريقيا، سواء في الاتصالات بين مجلس الوزراء، أو في مؤتمر أوروبي، تنتظر إسبانيا أن تخدم مصالحها الحيوية بالمغرب وأن يسمع صوتها. ومن أجل هذا، تعول إسبانيا على صداقة ألمانيا التي أرسلت إشارات ايجابية في هذا المنحى. إن مبتغاي هو أن أحيط –فقط-حكومة الإمبراطور علما بنوايانا وطموحاتنا، ونعبر، مرة أخرى، عن ثقتنا. والتمس منكم فقط أن تبلغوا هذه التوضيحات إلى صاحب السمو الأمير بيسمارك».
وأعلن الكونت ليمبورغستيزوم رسميا بعد أن استمع بعناية إلى خطاب الوزير الإسباني عن صداقة ألمانيا وإسبانيا، مضيفا أن حكومة بلاده ليست لديها أية نية استعمارية اتجاه شمال إفريقيا.
وأظهـرت الـدوريـة الـتي بـعـث بهـا وزيـر الـدولـة إلى ممـثـلـيـه بـالخـارج والـتـكـهـنـات الـتي نـقـلـهـا ســفــير إســبــانــيـا في الولايات المتحدة حول التدخل المزعوم لألمانيا في المغرب، ضرورة التفاوض مع كل القوى الأوروبية حول مشكلة التوازن في المنطقة الغربية من شمال إفريقيا، بدءً من ألمانيا. ففي مراسلاته إلى وزير الدولة الإسباني كان الكونت بنومر يؤكد على ضرورة التشاور مع الحكومة الألمانية في كل قضية ذات طابع دولي. وانطلاقا من هذه القناعة قام بنومر بسلسلة من المفاوضات مع حكومة برلين أطلعها فيها بالقلق الذي يثيره لبلاده احتمال احتلال فرنسا لمدينتي طنـجة والـعـرائـش، ونـيـتـهـا في تـوسـيـع حـدودهـا الجزائرية إلى ملوية. غير أن الموقف الذي دافعت عنه ألمانيا في هذه المفاوضات لم يرُق لحكومة مدريد، بحيث أوصت الحكومة الألمانية نظيرتها الإسبانية بحل مشكل غرب المتوسط مع ايطاليا وبريطانيا العظمى، باعتبارهما القوتان اللتان لهن نفس مصالح إسبانيا بمنطقة غرب المتوسط.
اقترحت حكومة ألمانيا على سفير إسبانيا في برلين اتفاقا مع فرنسا من أجل تخفيف حدة التوتر الذي كان يؤثر كثيرا على المغرب. على أن الكونت بنومر كان يدرك أن الاقتراح الألماني كان محفوفا بالخطورة إذا أخذ بعين الاعتبار أن كل تقارب بين إسبانيا وفرنسا سيسبب حساسية لكل القوى، لذلك عرض بنومر على ألمانيا ما هو أكثر من اقتراح، وهو طلب الدعم الكامل لإسبانيا في حال إذا ما بدأت مسلسل التفاهم مع فرنسا. فكان جواب ألمانيا سلبيا، ورفضت حكومتها الالتزام بمسائل من هذا النوع، والحقيقة هي أن الاقتراح الألماني حول التفاهم الإسبـاني-الـفـرنـسي كـان يـهـدف فـقـط إلى إخـفـاء الـضـغـوط الـتي كـانت تمارسها برلين في المسرح الدولي، ناهيك عن أن ألمانيا لم تكن لتسمح بأي تقارب بين فرنسا وقوة أخرى.
وأثار تدخل فرنسا في غرب المتوسط واحتلالها فيــﮕـــيـﯔ جوا من القلق بإسبانيا، وتم تأويل الإشاعات حول احتمال انتشار الجيش الفرنسي في ملوية كعمل خطير يهدد أمن مليلية ويعرضها لإمكانية ضمها من طرف فرنسا. أمام هذا الوضع، قادت إسبانيا عدة حملات دبلوماسية لتطالب فيها بكل الضمانات اللازمة قصد بقائها بسبتة ومليلية. وأرادت إسبانيا أمام تلك التهديدات الحصول على دعم البلدان المتضررة من جراء التوسع الفرنسي؛ كإيطاليا، القوة التي كانت تعاني من إحباط كبير بعد احتلال فرنسا لتونس. ولم تكن المصالح الايطالية بالمغرب كبيـرة، لكـن الـتـوتـر الـدولي الـنـاجـم عـن المـسـألـة الإفـريـقـيـة جـعـلـهـا تـوجه اهتماما خاصا للمغرب بهدف الحفاظ عـلى الـتـوازن بـين مـصـالح الـقوى في الإمبراطورية الشريفة خاصة وفي البحر الأبيض المتوسط عامة. ووقّعت ايطاليا مع إسبانيا وإنجلترا-في 1881-اتفاقيتين دوليتين حول ضرورة الحفاظ على الوضع القائم بالمغرب مُتَصَدِّيَّةً بذلك لأي مبادرة استعمارية فرنسية. وهكذا أرسلت إيطاليا سنة 1882 ممثلها بطنجة إلى قصر سلطان المغرب من أجل التفاوض حول إمكانية زيادة عدد المقيمين الايطاليين والمحميين أو على الأقل مساواة عددهم مع عدد رعايا القوى الأوروبية الأخرى. وقد وعد السلطان ممثل إيطاليا-في جوابه-بأن الحكومة المغربية ستسعى لمعاملة متساوية لجميع الرعايا الأجانب ومنح المقيمين الايطاليين ومحَمْيِيِّهِمْ نفس الامتيازات. وأمام عدم وفاء السلطان بالتزاماته أرسلت ايطاليا سفنا حربية إلى السواحل المغربية للتعبير عن استيائها.
لم يرق إسبانيا هذا الموقف الذي تبنته ايطاليا؛ حيث قام سفيرها بطنجة بنصح السفير الايطالي بنفس المدينة بسحب أسطولها من المياه المغربية، لأن تدخلها هذا قد يترتب عنه سقوط ضحايا من الجالية الإسبانية المقيمة بالمغرب، مما قد يؤثر -بالطبع-على العلاقات الإسبانية-الايطالية. وأوصى السفير الإسباني بطنجة نظيره الايطالي بإمكانية حل هذه المسألة بالطرق الدبلوماسية، التي من شأنها أن تخفف من حدة التوترات بين البلدين. وقد تزامن ذلك مع إعلان الوزير المغربي محمد برﮔـاش لسفير ايطاليا بطنجة بأن مطالب بلاده قد تمت الاستجابة لها.
وكانت علاقة الصداقة والتقرّب بين إسبانيا وايطاليا من السمات البارزة في السياسة الخارجية للحكومة الإسبانية، وخاصة في فترة تولي موريط Moret لحقيبة وزير دولة. وقد انعكس هذا التقرب على مسلسل من المباحثات بين الحكومتين وفي وقائع أخرى كالرحلة التي قام بها الصحفيون الايطاليون إلى برشلونة في 1886 والمفاوضات الثنائية حول إمكانية منح إسبانيا إقليما بالقرب من خليج عصب والزيارة التي قام بها أسطول من القوات البحرية الإسبانية لايطاليا. وكل هذا كان دليلا على العلاقات الطيبة بين البلدين اللاتينيين.
وإذا كانت العلاقات بين ايطاليا وإسبانيا تسودها المودة المتبادلة، فما هي الدوافع التي كانت وراء هذه الروابط المتينة بين الحكومتين؟ ومرد ذلك سياسة Moret الذي وجه اهتماماته إلى ربط علاقات بالملكيات المؤثرة في الحياة السياسية الأوروبية. والحقيقة أن العلاقات الوثيقة بين إسبانيا وإيطاليا كان عليها أن تتطور في إطار «الحلف الثلاثي» الذي كانت إيطاليا طرفا فيه، مما لزم على البلدين إتباع توجيهات ملكيات أوروبا الوسطى.
وكـانـت زيـارة المـلـك ألـفـونـسـو الـثـاني عـشـر (Alfonso XII) لألمـانـيـا سـنـة 1883 بمــثــابــة الخــطــوة الأولــى الـتي أسـهـمـت في تطوير العلاقات بين إسبانيا ودول «وسط أوروبا». وكانت لهذه الزيارة مزايا أكثر من سلبيات، ولم يكن لها أي التزام سياسي؛ بل جاءت فقط لتعبر عن أواصر القرابة بين الملكة Maria Cristina والعائلتين الملكيتين الألمانية والنمساوية.
حاولت إسبانيا تجاوز العزلة الدبلوماسية التي نهجتها حكومتها السابقة، وسَعت إلى الانفتاح على الخارج من خلال الرهان على التقارب مع «الحلف» الأقوى في العالم، معولة في ذلك على وساطة ايطاليا. وحسب وزير الدولة الإسباني، فقد كان للتقارب مع «الحلف الثلاثي» أهداف متعددة:
أولا-تأمين استمرار الملكية الإسبانية التي كانت تعاني من مؤامرات الجمهوريين الإسبان النشيطين في فرنسا.
ثانيا-أن تؤمن تواجد إيطاليا بجانبها باعتبارها البلد الذي ينتمي للحلف الثلاثي والمتأثر بما حدث بتونس، وعلى استعداد للانضمام لإسبانيا في الدفاع عن مصالحا بالمغرب.
لذلك اكتفت إسبانيا بالاتصالات التي أقامتها مع «الحلف الثلاثي» عن طريق علاقتها الحصرية بايطاليا، أي أن إسبانيا لم تـنـضـم للـحلف بل سعت فقط إلى الحفاظ على علاقة وثيقة به، ولكن في الوقت نفسه كان عـلى البلدين الحصول على الموافقة القبْلية لكل من ألمانيا والنمسا في كل القرارات المتخذة في أي من الاتفاقيات أو الأهداف المشتركة بين البلدين.
ثالثا وأخيرا-الدفاع عن مصالح إسبانيا بالبحر المتوسط وتوطيد موقعها فيما يخص المغرب، البلد المهدد من طرف فرنسا وطموحاتها التوسعية.