حقق المغرب قفزة نوعية في تصنيفه ضمن مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2025، وفقا للتقرير الصادر عن مؤسسة “هيريتيج فاونديشن”، مسجلًا 60,3 نقطة من أصل 100، بزيادة ملحوظة قدرها 3,5 نقاط مقارنة بالعام الماضي. هذه الطفرة مكّنت المملكة من الصعود 15 مرتبة لتحتل المركز 86 عالميًا، مستعيدة بذلك موقعها ضمن فئة الاقتصادات “المعتدلة الحرية” بعد أن أمضت ثلاث سنوات ضمن تصنيف “غير الحرة في معظمها”.
إقليمياً، تعزز هذه النتيجة ريادة المغرب في شمال إفريقيا، حيث يظل في طليعة اقتصادات المنطقة، كما يحتل المرتبة السادسة على مستوى القارة الإفريقية، خلف كل من موريشيوس، بوتسوانا، الرأس الأخضر، السيشل، وساو تومي وبرينسيب. عربيا، يتفوق المغرب على الكويت، لكنه لا يزال خلف الاقتصادات الخليجية التي تهيمن على المنطقة.
هذا التحسن لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة إصلاحات جوهرية استهدفت تعزيز تنافسية القطاع الخاص. فقد سهلت المملكة إجراءات إنشاء الشركات، مما حفّز بيئة الأعمال وساهم في تحسين ترتيبها. كما تميّز المغرب باستقرار نقدي يُحسد عليه، حيث ظلت معدلات التضخم تحت السيطرة، وهو عامل أساسي في ظل الاضطرابات الاقتصادية التي يشهدها العالم.
وفي القطاع المالي، واصل المغرب تنويع أدوات التمويل، مع انفتاح سوقه المالي أمام الاستثمارات الأجنبية دون قيود، وهو ما عزز جاذبية الاقتصاد الوطني. بفضل هذه الدينامية، تحولت بورصة الدار البيضاء إلى نقطة جذب رئيسية، مدعومة ببنية قانونية مرنة واتفاقيات تجارية متينة مع التكتلات الاقتصادية الكبرى، على رأسها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. هذه العوامل مجتمعة جعلت من المغرب مركزًا ماليًا وتجاريًا يربط بين إفريقيا والغرب، متقدمًا على العديد من دول الجوار.
لكن خلف هذا المشهد الإيجابي، لا تزال بعض المعيقات تكبل مسيرة الحرية الاقتصادية في المملكة. أحد أبرز هذه التحديات يتمثل في ضعف مرونة سوق الشغل، حيث سجل المغرب 48,5 نقطة فقط في هذا المجال، مما يعكس استمرار العراقيل التنظيمية التي تحول دون خلق فرص شغل ديناميكية. فالقوانين الصارمة والإجراءات البيروقراطية تعيق انسيابية سوق العمل، بينما يبقى القطاع غير المهيكل مستقطبا نسبة كبيرة من اليد العاملة، بعيدا عن أي إطار قانوني أو حماية اجتماعية.
هذا القصور لا يقتصر على سوق الشغل فحسب، بل يمتد ليشمل إشكالية الفساد، التي رغم الجهود المبذولة، لا تزال تشكل حجر عثرة أمام تطور الاقتصاد المغربي. فالمؤسسات الرقابية، وإن عززت حضورها، لم تنجح بعد في القضاء على الممارسات الريعية التي تضعف مناخ الاستثمار. كما أن ضعف فعالية الجهاز القضائي يفاقم المشكلة، إذ لا يزال المستثمرون يواجهون صعوبات في ضمان حقوقهم في ظل منظومة عدالة متباطئة في إصدار الأحكام.
من جانب آخر، يشكل ارتفاع تكاليف التراخيص عقبة أمام ريادة الأعمال. فرغم تخفيف بعض الأعباء، لا تزال الرسوم المرتفعة تثقل كاهل المستثمرين الصغار، ما يحد من قدرتهم على إطلاق مشاريع جديدة. وبهذا، تظل البيئة الاقتصادية المغربية أسيرة لإكراهات بنيوية تُبطئ وتيرة الإصلاح، وتحول دون تحقيق قفزة نوعية تنقل المغرب إلى مصاف الاقتصادات الأكثر حرية على الصعيد العالمي.
وعلى مستوى المقارنات الإقليمية، يظهر المغرب كحالة استثنائية وسط دول شمال إفريقيا، التي تعاني من تأخر واضح في الحرية الاقتصادية. فمصر تحتل المرتبة 145، تونس 149، بينما تراجعت الجزائر إلى المركز 160، متأثرة بثقل البيروقراطية وغياب التنوع الاقتصادي. ومع ذلك، فإن التقدم المغربي لا ينبغي أن يكون مدعاة للاكتفاء، بل حافزا لمواصلة الإصلاحات الهيكلية التي من شأنها تعزيز مرونة السوق، إصلاح القضاء، والتصدي للفساد بمقاربة أكثر صرامةن علما بأن الحرية الاقتصادية ليست مجرد رقم يتحسن في المؤشرات العالمية، بل هي شرط أساسي لتحقيق ازدهار مستدام. والمغرب، رغم إنجازاته، لا يزال أمامه طريق طويل ليقطع، حيث يبقى الرهان الأكبر هو تحويل هذا التقدم إلى واقع ملموس يُترجم إلى فرص اقتصادية حقيقية لمواطنيه.