الملايين المهدورة وغياب الخدمات  .. مصلحة علاج الحروق الكبرى بمكناس تحت المجهر

حلّت يوم الأربعاء لجنة تفتيش بمستشفى محمد الخامس بمكناس، بأمر من وزارة الصحة، للتحقيق في ظروف التكفل بعائلة أصيبت بحروق نواحي أزرو. غير أن هذا التحقيق، الذي ركّز على الاستماع إلى أطباء وممرضين وحراس أمن خاص، يطرح تساؤلات أوسع حول غياب مصلحة متخصصة في علاج الحروق الكبرى بجهة فاس–مكناس، التي يفوق عدد سكانها 4.5 ملايين نسمة.
فباستثناء قسم صغير بمستشفى محمد الخامس، كان تاريخياً مرجعاً في هذا المجال بطاقة استيعابية بلغت في الماضي 22 سريرا، تعيش الجهة اليوم على وقع خصاص مهول. هذا القسم، الذي صُرفت عليه مئات الملايين لإعادة تأهيله في مناسبتين؛ الأولى في إطار برنامج الإصلاح الاستشفائي، والثانية بتمويل من مجلس الجهة، تقلصت طاقته السريرية إلى خمسة فقط.
وحسب مصادر من داخل المستشفى، فإن مصلحة الحروق والجراحة التقويمية ما تزال معطلة في جزء كبير منها، رغم الميزانية التي رصدت لإصلاحها والتي بلغت 450 مليون سنتيم ضمن البرنامج الاستشفائي. فمعدات أساسية مثل أجهزة التكييف، مراكز تنقية الهواء، المدفأة المركزية، وتجهيزات العلاج بالماء (balnéothérapie)، لم تُفعل إلى حد الساعة، كما أن المركب الجراحي الخاص بالقسم يظل بدوره خارج الخدمة منذ سنوات.
ولمحاولة إنعاش هذه المصلحة، أُبرمت اتفاقية بين وزارة الصحة ومجلس جهة فاس–مكناس لتوسيع القسم ورفع طاقته إلى 16 سريرا، مع رصد 300 مليون سنتيم إضافية على مدى ثلاث سنوات، تم تحويلها إلى الحساب البنكي لمستشفى محمد الخامس. لكن، وبعد مرور كل هذا الوقت، لم تتجاوز الطاقة الاستيعابية الفعلية خمسة مرضى فقط.
إجمالا، ما يقارب 700 مليون سنتيم ضُخت لإصلاح وتأهيل مصلحة الحروق والجراحة التقويمية بمكناس، في وقت يتوفر المستشفى على أطباء جراحة تجميل وتقويم، وأطر شبه طبية، وحتى أطباء صينيين في إطار التعاون المغربي الصيني في هذا المجال. ورغم ذلك، يجد المرضى المصابون بحروق خطيرة أنفسهم مضطرين إلى التنقل نحو الدار البيضاء أو الرباط لتلقي العلاج.
هذه الوضعية تطرح سؤالا ملحا: من المسؤول عن “إجهاض” مصلحة كانت مرجعا وطنيا في علاج الحروق؟ ولماذا تُحرم جهة كبرى تضم تسعة أقاليم من خدمة استشفائية أساسية، رغم توفر الإمكانيات المالية والبشرية؟ أكثر من هذا وذاك من المستفيد من هذه الوضعية؟
بدل الاكتفاء بالتحقيق في حادثة عائلية مؤلمة، يبدو أن الملف الحقيقي يكمن في كشف مصير هذه الاستثمارات العمومية الضخمة، ووضع حد لهدر موارد كان يمكن أن تنقذ أرواحا كثيرة بجهة فاس– مكناس.


الكاتب : يوسف بلحوجي

  

بتاريخ : 19/09/2025