الملتقى الدولي للفلاحة يفتتح دورته 17 بتكريم خاص لفرنسا كـ «ضيف شرف»

 

تحتضن مدينة مكناس ابتداء من يومه الاثنين وإلى غاية 27 أبريل 2025، فعاليات الدورة السابعة عشرة للملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب، تحت شعار «الفلاحة والعالم القروي: الماء في قلب التنمية المستدامة». بمشاركة فرنسا كضيف شرف لأول مرة، في خطوة تُجسد ليس فقط عمق الشراكة الفلاحية بين البلدين، بل أيضاً التحول النوعي في مسار التعاون الزراعي الذي بات يحظى بالأولوية في الأجندة الثنائية. وجاءت هذه المبادرة لترد التحية بأحسن منها، بعد أن كان المغرب ضيف شرف الدورة 61 لمعرض باريس الدولي للفلاحة، المنظم ما بين 22 فبراير و2 مارس 2025، وهي سابقة في تاريخ هذا الحدث الباريسي العريق، حيث لم يسبق لبلد غير أوروبي أن احتل هذه المكانة الرمزية.
توقيت هذا التبادل الرمزي لا يخلو من دلالة، فهو يأتي بعد أشهر قليلة فقط من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط، زيارة وُصفت بأنها «تاريخية» بالنظر إلى الزخم السياسي والاقتصادي الذي أطلقته، حيث تم التوقيع أمام جلالة الملك محمد السادس على 22 اتفاقية تعاون، بينها عدد وازن يتعلق بالقطاع الفلاحي والغابوي. وتهدف هذه الاتفاقيات إلى تعزيز تقنيات الري المستدام، وتحسين إدارة الموارد المائية، وتطوير سلاسل إنتاج صديقة للبيئة، بالإضافة إلى دعم مشاريع الزراعة الذكية مناخياً، وتبادل الخبرات لمواجهة التحديات البيئية المشتركة، وعلى رأسها شح المياه والتقلبات المناخية.
الشراكة الفلاحية بين المغرب وفرنسا لم تعد مجرد تبادل للسلع، بل تحولت إلى رافعة استراتيجية للتنمية المستدامة، كما تؤكد ذلك الأرقام والمعطيات المتاحة. فالمغرب، الذي أصبح خلال السنوات الأخيرة أحد الموردين الرئيسيين لفرنسا من الفواكه والخضروات، يزود السوق الفرنسية بـ72% من حاجتها من الطماطم، حسب أرقام نشرتها صحيفة «لوفيغارو»، فيما تمثل الطماطم وحدها حوالي 60% من إجمالي واردات فرنسا من الفواكه والخضروات المغربية. كما أن فرنسا تستورد من المغرب كميات هامة من الحوامض (حوالي 120 ألف طن سنوياً)، والخيار، والكوسا، والفلفل الحلو، والبطيخ، وهي منتجات باتت تحظى بإقبال متزايد من المستهلك الفرنسي، بفضل جودتها وتنافسيتها السعرية.
هذا التبادل التجاري الفلاحي لا يترجم فقط بالأطنان المصدرة، بل أيضاً بالأرقام المالية التي تعكس عمق الترابط بين السوقين. فوفقاً لأحدث بيانات الجمارك الفرنسية، بلغت قيمة واردات فرنسا من المنتجات الفلاحية المغربية سنة 2024 حوالي 1.5 مليار أورو، وهو رقم يعكس ارتفاعا ملحوظا بنسبة 8% مقارنة بسنة 2023. في المقابل، بلغت صادرات فرنسا من المنتجات الفلاحية إلى المغرب أكثر من 1.2 مليار أورو، تشمل خصوصاً الحبوب (بنحو 1.2 مليون طن من القمح اللين سنة 2023)، والمعدات الزراعية (بقيمة تفوق 150 مليون أورو سنوياً)، فضلاً عن المدخلات الصناعية والتجهيزات المرتبطة بسلاسل التحويل الغذائي.
رئيس مركز الاستشراف الاقتصادي والاجتماعي، علي الغنبوري، أشار في ورقة تحليلية حديثة إلى أن الميزان التجاري الفلاحي يميل لصالح المغرب، الذي يسجل فائضاً يقدر بـ500 مليون أورو سنويا في قطاع الخضروات والفواكه. ورغم أن المبادلات الإجمالية بين البلدين تظهر فائضاً عاماً لصالح فرنسا (بلغ 2.5 مليار أورو في 2024)، إلا أن القطاع الفلاحي يظل نقطة توازن نادرة، يعكس تفوق المغرب في سلاسل الإنتاج الطازج.
وتجدر الإشارة إلى أن التعاون الفلاحي بين الرباط وباريس لا يقتصر على التبادل الثنائي، بل يمتد إلى شراكات ثلاثية تستهدف القارة الإفريقية، في إطار مقاربة مبتكرة تسعى إلى تحقيق الأمن الغذائي عبر مشاريع مندمجة. ويأتي الاتفاق الثلاثي الموقع بين مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) والوكالة الفرنسية للتنمية وبنك الاستثمارات العامة الفرنسي، بقيمة 350 مليون أورو، في هذا السياق، حيث يشمل دعم إزالة الكربون من القطاع الفلاحي، وتطوير منصة التمويل الزراعي «أغري فينونس»، وتكثيف الشراكات الصناعية، والتكوين في مجالات الاستدامة.
فرنسا، التي تعتبر الشريك التجاري الأول للمغرب في القطاع الفلاحي، ليست فقط مستوردا كبيرا، بل أيضا مستثمرا وشريكا استراتيجيا في تطوير الزراعة المغربية ضمن رؤية «الجيل الأخضر 2020-2030». غير أن هذه الشراكة، برغم قوتها، لا تخلو من توترات ظرفية، خاصة في فرنسا، حيث تثير المنافسة المتزايدة من المنتجات المغربية غضب بعض النقابات الزراعية، التي تعتبر أن الامتيازات الجمركية الممنوحة للمغرب تضعف من موقع المنتج المحلي. وقد شهدت بعض المدن الفرنسية احتجاجات رمزية، تم خلالها إتلاف صناديق من الطماطم المغربية في مواقف سيارات محلات تجارية كبرى، احتجاجاً على ما يسمى بـ»المنافسة غير العادلة». غير أن صناع القرار في باريس يدركون أن الحل لا يكمن في الانغلاق، بل في تعميق التعاون وتطوير القيمة المضافة المشتركة، خاصة في مجالات التصنيع الغذائي، والزراعة المستدامة، والتسويق المبتكر.


الكاتب : عماد عادل

  

بتاريخ : 21/04/2025