الممكن والمتخيل المرجعية السياسية في الرواية لعبد الرحمن التمارة

 

كرس الناقد، وأستاذ السرد والنقد الأدبي الحديث بجامعة مولاي إسماعيل، عبد الرحمن التمارة إنتاجه للبحث النقدي، محاولا تجاوز القائم والمعطى من أشكال القراءة بالانفتاح على مناهج وصيغ جديدة لتأويل النصوص الإبداعية والبحث في علاقتها بالإنسان ومجتمعه.
في هذا السياق، يندرج آخر إصداراته النقدية «الممكن المتخيل: المرجعية السياسية في الرواية» الصادر عن دار كنوز سنة 2019، ويقع في 416 صفحة من الحجم الكبير، وقد حائز الكتاب على جائزة المغرب للكتاب لسنة 2020، فرع الدراسات الأدبية والفنية واللغوية.
يقدم عبد الرحمن التمارة من خلاله تصورا مختلفا للرواية السياسية القائمة على «فن الممكن» الذي يصاغ داخل «المتخيل»؛ وهذا الممكن المتخيل هو التعبير عن السياسة المتخيلة وفق مقتضيات السرد الروائي والإبداعي والتي لا ترتبط بسياسة كممارسة وواقع تجريبي، بل هي بتمثلات الكاتب وتصوراته الخاصة لها.
يدافع الكاتب عن أطروحة مفادها؛ أن المرجعية السياسية في الرواية، مرجعية نصية، خاضعة للتحوير تبعا لشروط السياسة الإبداعية والسردية والتخييلية. مما يُصيِّر السياسية مرجعية نصية يبنيها الروائي عبر نسق فني وجمالي؛ مرجعية واقعية في الرواية، مماثلة للمرجع الخارجي وليست مطابقة له.
استنادا إلى هذا التصور، عمل عبد الرحمن التمارة على دراسة المرجعية السياسية التي يبنيها الروائي في نصه التخييلي، بناء على موقع ورؤية وواقع، وتبعا لمقتضيات تأويلية، منطلقا من أسئلة عديدة لعل منها:
_ هل بإمكان الكاتب أن يكون تلميذا نجيبا ويعيد تشكيل الواقع ، كما هو، في نصه الروائي، دون زيادة أو نقصان؟
_ هل يمكن للروائي أن يبتعد عن العالم المرعب الذي يتجلى أمامه، بوصفه عالما مليئا بأحداث ووقائع وكائنات سياسية مثيرة ؟
_ هل ثمة ما يميز المرجعية السياسية، ويضبط انتماءها إلى عالم السياسة؟
حاول عبد الرحمن التمارة، من خلال الإجابة عن هذه الأسئلة، أن يكشف الكيفية التي تصهر بها الرواية عالم السياسة وتستلهمه، ومظاهر التقارب بين «فن الممكن» «والفن الروائي»، والدلالات التي ينطوي عليها عالم السياسة الممكن، معتبرا أن الرواية «مجال معرفي رحب لمعالجة السياسة وفق مقتضيات التخييل ومقومات الكتابة الروائية السردية والخطابية».
ولتحقيق غايات الدراسة وأهدافها اعتمد على آليات منهجية متعددة، حققت مرونة في تناول عناصر الروايات المنتقاة، تمثلت، هذه الأخيرة، في المنهج التحليلي مركزا على مفهوم « المرجعية» لتبين المرجعيات البانية للنص السردي، والمنهج التأويلي لتأويل مرجعية النص الروائي عبر اقتراح دلالات مختلفة، والمنهج التصنيفي؛ لتصنيف المرجعيات السياسية البانية للروايات المدروسة.
وتبعا لذلك، قسم التمارة كتابه « الممكن المتخيل: المرجعية السياسية في الرواية» إلى بابين؛ الأول نظري، والثاني تطبيقي يتألف كل باب من فصول.
عالج الناقد في الفصل الأول «في السياسة: مدخل نظري»، من الباب الأول «السياسة والرواية»، ماهية السياسة وطبيعة الفاعل السياسي والهوية المميزة لكينونته، وعلاقة السياسة بالسلطة والديمقراطية. وخصص فصله الثاني المعنون بـ»رواية المرجعية السياسة»؛ لمفهوم المرجعية، ومحددات الانتماء للرواية السياسية، ونظام العلاقة بين السياسة والمرجعية أثناء تشكيل العالم الروائي، مؤكدا أن هذا الأخير، ليس هو العالم في حقيقته، بل هو مرجعية نصية تعبر عن تمثل وفهم الموقف الذي يبلوره الكاتب بآليات تفرضها مقومات الكتابة السردية من العالم الخارجي.
أما الباب الثاني الذي عنونه الناقد بــ «رواية السياسة وسياسة الرواية» فقد قسمه إلى أربعة فصول، يقارب في كل فصل منها ثلاث روايات، وجاءت الفصول بعناوين؛ الأول: دائرة التدبير السياسي. الفصل الثاني: دائرة المحيط السياسي. الثالث بعنوان: دائرة الصراع السياسي والأخير تناول فيه الروايات التي جعلت مرجعيتها ما عرفه العالم العربي من حراك سياسي.
وقد اعتمد في هذا التصنيف على الموضوع السياسي المتَضَّمن داخل العالم الروائي الذي يصيغه عبر مرجعية نصية، توحي بالاحتمال والإمكان وليس بالتحقق والوجود الفعلي، فركز في الدائرة الأولى على» الفاعل السياسي» باعتباره فردا ممثلا للفساد الحكومي الذي يتجلى في صور مختلفة؛ كما في رواية كل من محمد الصوف « يد الوزير»، وحسين الواد « سعادته… السيد الوزير» ، وأحمد محافظة « يوم خذلتني الفراشات» .
وتطرق في الفصل الثاني ل» المحيط السياسي» الدال على مجموعة من الفرقاء السياسيين المتفاعلين في إطار مكاني وزماني خاصين. ومثل لهذا النمط من الرواية السياسية برواية « الحارس» لعزت القمحاوي»، « وقط أبيض جميل يسير معي « ليوسف فاضل، « ورقصة في الهواء الطلق» لمرزاق بقطاش.
واهتم في الدائرة الثالثة بأطراف الحكم في الأنظمة السياسية، حيث تظل العلاقة قائمة على تدبير السلطة لتحقيق أهداف وغايات معينة. وقارب فيها رواية « الناجون» لزهرة الرميج، « وحفلة التيس» لماريو فارغاس يوسا، « وحوافر مهمشة في هيدراهوداهوس» لسليم بركات.
وخصص الفصل الأخير لتحليل « الحراك السياسي» المتمثل في رغبة المحكوم في تغيير الحاكم، وما رافق ذلك من نتائج مأساوية تجلت في رواية « الحركة» لعبد الإله بلقزيز، « وفرسان الأحلام القتيلة» لإبراهيم الكوني، « والموت عمل شاق» لأحمد خليفة.
وذيل الكتاب»بخاتمة» موسعة تضمنت أهم العناصر التي تطرقت إليها الدراسة وما أسفرت عنه من خلاصات ونتائج منها:
تعالج الرواية موضوعات السياسة، فتُصَيّرها مرجعية تخييلية يبنيها الروائي بمقومات الكتابة السردية الروائية؛
تشكل السياسة المتخيلة مرجعية نصية للرواية، توحي بالاحتمال والإمكان، وتعبر عن تصورات وتمثلات المبدع الخاصة، والتي لا ترتبط بالضرورة بما هي عليه في الواقع التجريبي؛
يبني كل نص روائي مرجعية نصية خاصة به؛ مرجعية مفارقة بالضرورة لأي مرجعية خارج نصية محتملة وممكنة.وتحمل، كل مرجعية سياسية، حقيقتها النصية التي تفرضها سياقات القراءة والتلقي والتأويل؛
تتحكم ضوابط التخييل الروائي في المرجعية السياسية البانية للرواية، فيتم بناء عالم سردي وفق تصور خاص للفعل والممارسة والنظام السياسي في العالم التجريبي.


الكاتب : إعداد: إيمان بنيجة

  

بتاريخ : 28/07/2022