المنسيون في جبال الحوز.. الثلوج والأمطار تذكي مشاعر الغضب بالمخيمات

 

” لم يعد الأمر مجرد كارثة، بل هو كابوس طويل بلا نهاية، لا أحد منهم قادر على الخروج منه..” الكلام لعبد الكريم الثايب أحد أبناء إقليم الحوز، عن المنسيين في مرتفعات الجبال ممن شردهم الزلزال الذي ضرب المنطقة ، و دمرهم التجاهل من حكومة لا تتقن شيئا أكثر من التنصل من وعودها.
يضيف عبد الكريم ابن منطقة أزاضن بويركان” الأمطار خير كبير، لكن تحت خيام متهالكة تتحول إلى جحيم..” واصفا محنة هؤلاء الذين تُركوا يواجهون مصيرهم لوحدهم، في عراء البرد، وعبث الرياح بسقوف من البلاستيك المتلاشي، وتوغل مياه السيول والأوحال في الأفرشة والقليل من الأثاث المتبقي.
عندما أشهرت مديرية الأرصاد الجوية النشرة الحمراء نذيرا بقدوم عواصف وأمطار كثيرة وثلوج متراكمة ورياح قوية، كان أبناء المناطق الذين ينعمون بالدفء تحت سقف بيوتهم، مستمتعين بوجبات إفطارهم الرمضاني، يتوجسون من هبة الطبيعة أن تكدر عليهم ظروف تنقلهم في الشوارع والطرق، في الوقت الذي كان فيه سكان المناطق التي دمرها الزلزال بإقليم الحوز، يعرفون أنها أبواب جهنم التي فتحت دفعة واحدة في وجوههم، تنكيل متواصل ليل نهار، من الطبيعة التي استأسدت كثيرا أمام ضعفهم. كان من الممكن أن تكون الأمطار والثلوج مبعث فرح لهم، لو وفت الحكومة بوعودها بإعادة الإعمار، وإرجاع السكان إلى بيوتهم بعد إعادة بنائها. لكن بعد سنة ونصف، لم يحصل السكان إلا على مزيد من المأساة وكثير من المحن تلونها الخطب الطنانة لرئيس الحكومة عن إنجازات تحفل بها الكلمات ويكذبها الواقع. فالمخيمات مازالت في مكانها، والشيء الوحيد الذي تغير فيها هو تلاشي الخيام، وتضخم اليأس في النفوس.
يصف عبد الكريم الثايب هذا الوضع بمنطقة تواجده ” الانخفاض الشديد لدرجة الحرارة هذه الأيام، دفع بعض الأسر إلى المغامرة بحياتها، والعودة إلى ما تبقى من بيوتها المنهارة التي تستعد للتهاوي في أية لحظة، لكن قسوة الطقس، وعدم التوفر على الوسائل التي تيسر مواجهتها، اضطرت هؤلاء إلى قبول المخاطرة بغاية الاحتماء من مياه تغمر الخيام عند كل تهاطل للمطر، ومن البرد الذي لا تقوى الجدران البلاستيكية على التصدي له. ”
في ظل هذا الوضع المزري، تتقوى دوافع التضامن، يقول عبد الكريم، حيث أن من الساكنة من تقاسم بيته مع أسر من المتضررين، أو أعارها بناء لإيوائهم إنقاذا لهم من خطر التجمد والموت بردا. لكن في مناطق أخرى، ما زال السكان مكرهين على قبول هذا الواقع، واقع مقاساة البرد داخل الخيام.
المشهد يزداد قتامة، حسب وصف عبد الكريم الثايب، فالبرودة الصعبة للطقس، تزداد حدة بسبب الفقر، الأطفال لا يحتكمون لملابس مناسبة لمثل هذه الظروف القاسية، و ضعف الإمكانيات يفرض تغذية ضعيفة، وما يرتدونه في أرجلهم لا يصد البرد ولا يحمي من المطر و الوحل. و المشكل الأكبر هو التدفئة، حيث تنذر موادها، بسبب تعرض الخشب للبلل بفعل التساقطات. إنهم أناس احتجزهم الإهمال الحكومي في مصير بائس ومميت.
الاضطرابات الجوية التي شهدتها المملكة في الأيام الأخيرة، فرضت سيناريو يصعب تخيله بمخيمات متضرري الزلزال بإقليم الحوز. تتحدث السيدة” عيشة ” عن بعض تفاصيل هذا الروتين المأساوي التي تعانيها النساء هذه الأيام بمخيم بمنطقة إيغيل:” تتساقط الأمطار، فتتدفق السيول والأوحال متخذة مجراها داخل خيامنا، تغرق الأفرشة، وتتعرض الأغطية للبلل، فيصعب التمييز بين الطين و الوسائد، قد تتدفق المياه و نحن نيام، فنخرج تحت المطر، حاملين ” أمادير” لردم جنبات الخيمة بالتراب، لتقليص تسربات المياه إلى الداخل.”
” مكرفصين بزاف” هذه هي العبارة التي تتردد على ألسنة الساكنة. لتلخص هذا الوضع الذي يعجز الخيال عن تصوره. فهؤلاء قضوا أزيد من سنة، وسط المخيمات صابرين على خذلان الحكومة لهم، على نسيانهم في قعر مصيرهم المدقع وسط خطابات تتحدث عن واقع آخر، لا يوجد على الأرض. ” إنها محنة يومية” تقول السيدة عيشة، “أطفالنا ينهش أجسادهم البرد و الجوع، والعيش في الخيمة لا يطاق سواء في الشتاء أو في الصيف”. من الصعب على مسؤولي الرباط ممن يعيشون في الفيلات والشقق الفخمة، أن يتخيلوا هذه الحياة التي تجري داخل خيمة مكونة من بلاستيك متهالك، و مرممة بقطع من الخشب و المطاط و القصب. فالصالون فيها، هو المطبخ و غرفة النوم و بيت المعيشة، كل شيء يتم في هذا الفضاء الضيق، بلا حميمية، بلا أدنى شرط للراحة، و بلا حق في الحماية من حمق الطبيعة و تقلباتها، و بلا أمل في تحسن الوضع، و هذا هو الأسوأ.
كيف يمكن تخيل حياة في المرتفعات، تغزو فيها الثلوج، مثلما حدث في الأيام الأخيرة، الأرض والرؤوس، و تداهم خياما هشة مهددة من يسكنها بطمرهم تحتها، من دون أدنى وسيلة للتدفئة؟ و رغم ذلك، فهذا واقع مرير، تعيشه مئات من الأسر، في مناطق مختلفة من مرتفعات إقليم الحوز.
يقول عبد اللطيف الجعيدي رئيس الفضاء الجمعوي بإقليم الحوز، تتضاعف هذه المحنة بمناطق بعينها، بسبب شدة الارتفاع كثلاث نيعقوب، وإيغيل، و أغبار، و أنكدال.. حيث تصل البرودة إلى مستوى قياسي، و تتساقط الثلوج بوفرة. و يضيف ” سكان هذه المناطق متأقلمون مع البرد و الثلج، فهذه إحدى خصوصيات مجال عيشهم، لكن داخل بيوتهم، و ليس في الخيام..”
في هذه المناطق، قليل من السكان ممن استطاع إعادة بناء بيته. يعود ذلك إلى عدة عوامل حسب أبناء هذه المناطق، أولها أن اغلبهم لم يتوصل بدعم إعادة البناء، و من توصل بالدفعة الأولى لم تكن كافية، بسبب التكلفة الباهظة لنقل مواد البناء إلى المرتفعات، لذلك ظهرت أوراش للبناء متوقفة بعد إنجاز أجزاء فقط منها، و يضيف عبد اللطيف الجعيدي سببا آخر لا يقل وجاهة، هو ندرة عمال البناء إن لم نقل انعدامهم الكلي، مما يفرض على بعض السكان استقدامهم من المدينة بتكلفة كبيرة.
يعتبر عبد اللطيف الجعيدي، أن زاد الساكنة في مواجهة هذه الظروف الصعبة، هو الصبر، الذي يجعلهم، يقاسون في صمت، يتجرعون محنتهم و يتأقلمون مع تبعاتها.
لكن ما لمسناه لدى السكان، هو أن منسوب الصبر قد شارف على النضوب، فبعد انصرام أزيد من سنة من الوعود ، و من تزييف الواقع بالخطب، صارت النفوس تغلي أكثر، إنهم يواجهون كل من يزورهم بغضب كبير، لا


الكاتب : عبد الصمد الكباص

  

بتاريخ : 13/03/2025